في الشتاء يبيع عرانيس الذرة المشوية والكستناء، وفي الصيف الصبّارة، وفي الربيع الجنارك والعوجة، وفي كل الفصول الفول النابت. هذا ما يقوله احد البائعين الذين يحتلون بعرباتهم الساحات العامة في دمشق. وتنتشر في الزوايا الاربع لساحة "ابي رمانة" عربات صغيرة تنتحي جزءاً من الرصيف، ويقوم البائع بتزيين عربته وما حولها بالورود الموسمية ويجلس خلفها بانتظار الزبون. ومع مرور السنوات صار هؤلاء مؤشراً لتعاقب الفصول والمواسم في دمشق. فهم يعلنون عن حلول فصل الصيف عندما تتغير حمولتهم من الكستناء الى الصبارة. ويعلنون بداية الربيع مع ندائهم على العوجة والجنارك. وحين ينشرون اكياس "الناعم" فهم يرحبون بشهر رمضان الكريم. ويقول أبو محمد :"لا نبيع الناعم الا في شهر رمضان" والناعم هو نوع من الخبز المقلي المغطس بالدبس. وحصول الباعة على "زاوية استراتيجية" لعربتهم ليس بالامر السهل. اذ تقوم محافظة مدينة دمشق بتأجير المساحات، غير ان التنافس الشديد بين الباعة جعل من هذه المساحات المؤجرة مجالاً للتجارة يحتمل المفاصلة و"الفروغ" حيث يدفع البائع الجديد الذي يريد اخذ المكان مبلغاً من المال لقاء تخلي البائع القديم عنه. وتختلف المساحات المؤجرة بحسب سهولة توقف السيارات امامها ووجود مكان لوضع الكراسي الصغيرة للراغبين في الجلوس. وكلما توفرت الشروط الافضل في المكان وجودة البضاعة ارتفعت الاسعار، فشراء صندوق كامل من الصبارة مثلاً من اسواق الخضرة يعادل شراء عشر قطع من عند هؤلاء الباعة. وأوضح أبو صالح "نحن نقدم خدمات افضل ونسّهل على الناس ومن الطبيعي ان يكون السعر اعلى. اضافة الى اننا استراحات خصوصا في الليل حيث ياتي الكثير من الزبائن ويجلسون قرب العربة ليأكلوا الصبارة الباردة". ولا تقتصر المنافسة على استراتيجية المكان بل انها تشمل ابتكار استراتيجات تسويقية، لذلك فالمنافسة على اشدها لكسب زبائن جدد. ويقول أبو عادل: "في شهر رمضان تكثر عربات "الناعم" وجميع هذه العربات تبيع ارغفة "الناعم" ضمن اكياس بلاستيكية غير انني كنت اصنع "الناعم" على عربتي امام الزبون حسب الطلب. اقوم بقلي الرغيف ورش الدبس فوقه ليصل الى الزبون طازجاً وساخناً. ولم يعد اي بائع اخر منافس لي بل العكس كان البائعون ينتظرون ان تنتهي حمولتي حتى يستطيعون بيع اكياسهم". ويبتكر آخرون اسلوباً مختلفاً، اذ يجهز بعض اصحاب عربات الصبّارة "جهاز تبريد" وهو عبارة عن قالب ثلج كبير يوضع داخل وعاء من البلاستيك تُصف فوقة الصبارة لتحافظ على برودتها ويقوم البائع بتقشيرها بطريقة فنية تجنبه اشواكها ليقدمها الى الزبون. وتستمر عربات الصبارة طوال اشهر الصيف خصوصاً في منطقة جبل قاسيون المطل على دمشق. اذ ان المتنزهين يقصدون طريق الجبل ويطلون على دمشق مستتمتعين بالهواء النقي والمنظر الرائع للمدينة. وقال أبو صالح : "مع الصبارة والفول النابت وعرانيس الذرة المشوية تصبح النزهة اجمل"، لافتاً الى ان "هذه العربات هي معالم سياحية لمدينة دمشق وهي من تقاليد النزهات". اما الفستق الحلبي الاخضر فشهرته كبيرة وعند نزوله الاسواق قادماً من حلب مقره الرئيسي، يتزاحم الناس لاستقباله على الرغم من سعره المرتفع خصوصاً "العاشوري" المشقق بمذاقه الحلو وسهولة استخراجه من قوقعته. ويعتبر طريق الربوة اهم التجمعات لعربات الفستق. وهذا ليس صدفةً اذ يقول أبو العباس :"طريق الربوة هو طريق السيران والفستق الحلبي احد اهم المواد التي يأخذها السوريين الى السيران".