على رغم الجلسات الحامية التي شهدها مجلس النواب التونسي في السنوات الخمس التي مضت على ميلاد اول برلمان تعددي في اعقاب انتخابات 1994، يجمع نواب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم واحزاب المعارضة الاربعة الممثلة في المجلس على ان حصاد التجربة كان ايجابياً، وهو يحفز على متابعتها وتطويرها في المجلس الذي ينتخب في الرابع والعشرين من الشهر المقبل. وطبقاً للقانون الانتخابي المعدّل سترتفع حصة الاقلية من 19 مقعداً حالياً الى ما لا يقل عن 34 مقعداً من مقاعد المجلس اي نحو 20 في المئة. ورأى النائب المستقل سالم رجب الذي قاد لائحة حركة التجديد في محافظة المهدية بعدما امضى ربع قرن في صفوف الاتحاد العام للشغل ان تجربته البرلمانية كانت خصبة على رغم القطيعة التي تكرست مع قيادة الحركة بعد ايام من فوزه بالمقعد، وقال ل"الحياة": "كنا نجهل كيف نضع برنامجاً انتخابياً وكيف نصوغ خطابنا في الاذاعة والتلفزيون وشعارات الحملة الانتخابية بل كنا نجهل حتى قانون الانتخابات. كان سلاحنا الوحيد هو ايماننا العميق بضرورة التجربة الديموقراطية وبأن مشاركتنا ليست سوى خطوة اولى على طريق الالف ميل". وربما من ميزات التجربة انها كرّست وجود لائحة منافسة للائحة الحزب الحاكم في مدينة المهدية البعيدة عن العاصمة ما شكل لبنة في طريق تكريس تقاليد سياسية جديدة في المحافظات الداخلية وادخال خطاب بديل الى الساحة الانتخابية. وقال رجب انه على رغم ان الحكومة هي التي قدمت للبرلمان مشاريع القوانين التي بحث فيها المجلس طيلة السنوات الخمس الماضية بادر الى تقديم مشروع لتعديل قانون الانتخابات مع 12 نائباً معارضاً، الا ان المشروع لم يرَ النور. وشدد على ان "قلة الخبرة وضعف التنسيق بين نواب المعارضة وجهلنا بالاجراءات المرعية والنظام الداخلي للمجلس، كل ذلك جعل اداءنا لا يتسم دائماً بالجدوى". واضاف ان نواب المعارضة لم يستثمروا جيداً طريقة الاسئلة الشفوية والكتابية الموجهة الى الحكومة "مما شكل ثغرة كبيرة". وانتقد تقصير نواب المعارضة في السعي الى القيام باعمال مشتركة وميّز بين مستويين من العلاقات: "العلاقات بين الاحزاب التي كانت سيئة الى حد غياب اي اساس للعمل المشترك طيلة السنوات الخمس والعلاقات بين النواب والتي كانت عموماً جيدة". لكن نائب الاتحاد الديموقراطي الوحدوي ابراهيم حفايظية حض المعارضة على "تحمّل مسؤوليات اكبر لأن المجتمع ينتظر منها اكثر مما قدّمت" وشدد على ضرورة تطوير عمل نوابها وتعميق التنسيق في الآراء والخيارات وربما الاتفاق مسبقاً على مواقف من الملفات والقضايا المطروحة للمناقشة". واعتبر نائب حركة التجديد فتحي قديش الذي انسحب من الحركة منذ ايام مع زميله النائب محمد الخلائفي ان نواب المعارضة نجحوا في استيعاب تعدد الاطياف السياسية. واوضح ان نواب الاكثرية الحزب الحاكم تعاطوا تدريجياً بمنطق بناء مع الرأي المخالف فيما حاولت غالبية نواب المعارضة القيام بدورهم بعيداً عن التشنّج. وذكر قديش بعداً آخر في التجربة البرلمانية التعددية "يتمثل في الفرصة التي أُتيحت لنواب المعارضة للاطلاع على الملفات السياسية والتنموية والتي كانت مناسبات لمراجعة المنطلقات والثوابت في تفاعل مع مستجدات الواقع محلياً ودولياً وتفاصيله التي كان كثيراً منها خافياً علينا". ويمكن القول ان مداخلات نواب المعارضة 19 نائباً أضفت سخونة على مناقشات المجلس لم يعرفها منذ الاستقلال، لأن المجالس التي تداولت على "قصر باردو" مقر مجلس النواب كانت مؤلفة من نواب الحزب الاشتراكي الدستوري السابق ثم من اعضاء "التجمع الدستوري الديموقراطي" كذلك يمكن القول ان نواب المعارضة، على رغم تباعد الانتماءات التنظيمية نقلوا الى قبة البرلمان شعارات النخبة الديموقراطية التي عارضت الحكم منذ بواكير السبعينات، وفي مقدمها شعار حرية الاعلام وتعديل قانوني الجمعيات والاحزاب وفصل جهاز الحزب الحاكم عن مؤسسات الدولة، واثار طرح هذه المطالب لدى مناقشة الموازنة السنوية في كل عام جدلاً واسعاً ليس فقط مع اعضاء الحكومة وانما بين نواب المعارضة ونواب الاكثرية ايضاً. وفي هذا السياق رأى النائب ابراهيم حفايظية ان "تعدد وجهات النظر واختلاف الآراء باتا امراً واقعاً ومقبولاً، فتولدت منهما حيوية اكبر خلال المداولات في شأن مشاريع القوانين". واكد "ان التجربة التعددية كانت مفيدة وذات جدوى ان بالنسبة الى الحزب الحاكم اذ تكرس القطع مع الرأي الواحد والفكرة الواحدة، والبرنامج الواحد" او بالنسبة الى المعارضة. ووضع النائب سالم رجب الاصبع على التهمة الموجهة الى احد نواب الاقلية في بعض الاوساط الراديكالية والتي اعتبرتهم جزءاً من تقاسم الادوار مع "التجمع الدستوري" وقال "على رغم كل النواقص والعراقيل والمناخ السياسي الصعب لا اعتقد بأن نواب المعارضة لعبوا دور الديكور مثلما يزعم البعض، فمداخلاتهم تميزت في الغالب بالجرأة والنزاهة والجدية واثارة المشاكل الحقيقية للبلد والمجتمع". وزاد "لاحظت ان مواقف النواب كانت متقدمة على مواقف الاحزاب التي ينتمون لها"، واشار الى "ان بعض القيادات الحزبية كانت تطلع على فحوى المداخلات في الجريدة الرسمية او من خلال الصحف مما يعني ان النواب لم يكونوا يتلقون تعليمات وانما يحتكمون الى ضمائرهم فقط". ورأى نائب حزب الوحدة الشعبية المحامي نصر بن عامر ان "المداولات في شأن الموازنة او مناقشات مشاريع القوانين عكست نوعية الاضافة التي أتت بها المعارضة للمجلس الا ان الاعلام الرسمي لم ينصف المؤسسة البرلمانية ولو فعل لتغيّرت صورة هذه المؤسسة لدى المواطن العادي ولأدرك انه ليس عليه ان يحسد البرلمانات الاخرى في تجارب قريبة منا تنقل وقائعها مباشرة ما شدّ الانتباه لها".