تمر غداً الذكرى الأولى لتفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي ودار السلام في السابع من آب اغسطس 1998، مما أسفر عن مقتل 224 شخصاً واصابة 4500 بجروح. وحصل تفجير سيارتين ملغومتين في شكل متزامن بُعيد العاشرة صباح الجمعة في السابع من آب. انفجار نيروبي كان الأضخم، ربما بسبب موقع السفارة في قلب العاصمة الكينية. لكن ما كادت تمر ساعات على حصول التفجيرين حتى بدأت خيوط القائمين بهما تتوضح. أو هذا على الأقل ما يقوله الأميركيون. فما هي خلفية ذلك الحادث، ومن هم المتهمون به؟ وجّه الادعاء الأميركي حتى الآن اتهامات الى 17 شخصاً يُزعم انهم متورطون في شكل أو آخر في قضية السفارتين و"التآمر لقتل أميركيين". ويبني الإدعاء قضيته على نظرية مفادها ان تنظيمي "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن و"جماعة الجهاد" المصرية بقيادة أيمن الظواهري متورطان في "مؤامرة عالمية" لقتل أميركيين. ويعتبر الأميركيون، في هذا الإطار، ابن لادن والظواهري نواة "المؤامرة" المزعومة بسبب مشاركتهما، تحديداً، في إنشاء "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" في شباط فبراير 1998. ويربط الأميركيون هاتين الجماعتين بسلسلة عمليات سابقة استهدف مصالح أميركية، بدءاً من قتل عدد من جنود البحرية الأميركية المارينز لدى مشاركتهم في قوة الأممالمتحدة في الصومال في 1992، وانتهاء بتفجيري افريقيا. ويقولون ان التحضير للقيام باعتداءات على مصالح أميركية بدأ، على الأرجح، مع صدور "فتوى" جبهة قتال "اليهود والصليبيين" والتي جعلت "قتل الأميركيين، مدنيين أو عسكريين، فرض عين على كل مسلم". لكن الاستعداد العملي للعمليتين لم يبدأ سوى في صيف ذلك العام، عندما رأى الظواهري ان "الأيدي الطويلة" لأجهزة الاستخبارات الأميركية تُطارد أعضاء جماعته في أوروبا الشرقية، وتحديداً في البانيا وبلغاريا حيث تم بالفعل اعتقال عدد من كوادر "جماعة الجهاد" وتسليمهم الى السلطات المصرية. ورداً على ذلك، أصدرت "الجهاد" بياناً قبل ثلاثة أيام من حصول تفجيري افريقيا، توعدت فيه الأميركيين بالرد عليهم ب"لغة يفهمونها". ولم يكد حبر البيان يجف حتى حصل الانفجاران المهولان، وتلاهما مباشرة صدور سلسلة بيانات من جماعة غير معروفة سابقاً تُطلق على نفسها اسم "جيش تحرير المقدسات الإسلامية" تتبنى فيه العمليتين. في 20 آب، أي بعد 13 يوماً من حصول التفجيرين، رأت الولاياتالمتحدة أنها باتت متيقنة ان تنظيمي "القاعدة" و"الجهاد" مسؤولان عن استهداف سفارتيها، وأرسلت عشرات من صواريخ كروز الى مواقع تشتبه أنها تابعة لابن لادن في أفغانستان والى مصنع أدوية في الخرطوم اعتبرت انه يرتبط بزعيم "القاعدة" وانه يساهم في انتاج مادة كيماوية خطرة يُمكن استخدامها في هجمات تُشن عليها ويبدو ان "دليل" الأميركيين على ارتباط هذا المصنع وصاحبه بابن لادن ليس بالقوة التي كانت أجهزة استخباراتهم تعتقدها عندما تقرر ضربه بالصواريخ. في أي حال، وبغض النظر عن دور المصنع السوداني، يبدو ان الأميركيين اقتنعوا بتورط أسامة بن لادن والظواهري بعدما أقر لهم رجلان يُزعم انهما متورطان في عملية نيروبي، أن التفجيرين في افريقيا نُفذا بناء على "فتوى" زعيمي "القاعدة" و"الجهاد" بقتل الأميركيين. وهذان الرجلان، وهما عماد القضية، بحسب ما يظهر من قرارات الاتهام العديدة الصادرة حتى الآن، هما محمد الصادق عودة فلسطيني ومحمد راشد داود العواهلي يمني. متهمون محمد الصادق عودة: اعتُقل في باكستان بعد فترة وجيزة من حصول التفجيرين. ويُزعم انه أقر للسلطات في مطار كراتشي التي اعتقلته بعدما اشتبهت بجواز سفره المزور، انه متورط في العملية. وما كاد الباكستانيون يسمعون هذا الكلام حتى بادروا الى ابلاغ الأميركيين وسلّموه الى سلطات البلد الذي وصل منه، أي كينيا. وهناك، كما يقول محضر الاتهام الأميركي، قابله محققان من مكتب التحقيق الفيديرالي اف بي اي وابلغاه حقه في التزام الصمت، لكنه تنازل عنه وقال انه التحق ب"القاعدة" في 1992 ودرّب، في 1993، مقاتلين من الصومال مناهضين لوجود قوات الأممالمتحدة فيها، وان مقره كان في مومباسا كينيا، وانه يعتقد ان منفّذ تفجير نيروبي هو هارون فضل الذي كان يعمل "سكرتيراً" لوديع الحاج اللبناني الأميركي الذي عمل لفترة "سكرتيراً لأسامة بن لادن، وانه يعرف بفتاوى ابن لادن العديدة الخاصة بقتال أميركا. وعلى أساس هذه المعلومات، وجّه الادعاء اليه تهمة "المشاركة" في تفجير نيروبي و"التآمر" مع ابن لادن وآخرين لقتل أميركيين. وهو مسجون حالياً في نيويورك. محمد راشد داود العواهلي: اعتقل في كينيا بُعيد حصول التفجير الذي أُصيب فيه بجروح. يقول محققون أميركيون قابلوه في نيروبي انه تنازل عن حقه في التزام الصمت، وأبلغهم انه متورط شخصياً في تفجير سفارة أميركا في عاصمة كينيا. ومن بين ما قاله للمحققين انه تدرب في معسكرات عدة في أفغانستان، من بينها معسكرات تابعة ل"القاعدة"، على عمليات تفجير وقرصنة وخطف، وانه شارك في مؤتمر صحافي عقده ابن لادن في خوست في ايار/مايو 1998 ووجه في تهديدات الى أميركا، وان دوره في عملية نيروبي تمثّل في السفر من لاهور باكستان الى نيروبي، ومراقبة السفارة الأميركية، والانتقال مع آخرين في شاحنة مملؤة بالمتفجرات الى مقر السفارة صباح يوم التفجير، والقاء قنبلة على حراس السفارة. كذلك أبلغ المحققين ان العملية كانت "استشهادية" وانه لم يكن يتوقع ان يبقى حياً. وبناء على معلوماته، وجّه له القضاء الأميركي تهمة المشاركة في عملية نيروبي والتآمر لقتل أميركيين. وهو مسجون حالياً في نيويورك. هارون فضل: يعتبر القضاء الأميركي هذا الرجل المنفّذ الرئيسي لعملية تفجير السفارتين. لا يُعرف مكان وجوده حالياً، لكنه من جزر القمر. عمل في السابق لدى أحد مساعدي إبن لادن في كينيا، وكان يطبع على آلة كاتبة تقارير أمنية دورية عن وضع "خلية شرق افريقيا". يُقال انه خبير متفجرات، وانه أشرف على عملية نيروبي إذ استأجر الفيلا التي جُمعت فيها المتفجرات وتولى مراقبة السفارة قبيل تفجيرها. فرّ بعد حصول الانفجار. أسامة بن لادن: هو الزعيم المفترض ل"المؤامرة" لقتل الأميركيين. وضعت واشنطن مكافأة مقدارها خمسة ملايين دولار لمن يقود الى القبض عليه ومحاكمته. تلقي عليه واشنطن مسؤولية اعتداءات على الأميركيين في الصومال والسعودية ونيروبي ودار السلام. وهو نفى أكثر من مرة ضلوعه مباشرة في أي من التفجيرات، إلا انه أشاد دوماً بها وبالقائمين بها. يعتبر أميركا العدو الأول للمسلمين ويتهمها بدعم اسرائيل. يقود تنظيم "القاعدة" منذ 1989. يعيش حالياً في مكان غير معروف في أفغانستان تحت حماية حركة "طالبان". أسس في شباط فبراير 1998 "جبهة قتال اليهود والصليبيين"، مع عدد آخر من قادة الجماعات الإسلامية من مصر وباكستان وبنغلاديش. أيمن الظواهري: زعيم "جماعة الجهاد" المصرية. يعيش مع ابن لادن في أفغانستان. تتهمه أميركا بالضلوع في الهجومين في سفارتيها. لا يخفي عداءه الشديد للأميركيين. عضو في "الجبهة العالمية". يربط الادعاء الأميركي جماعته مباشرة بالتفجيرين في افريقيا، ويعتبر ان البيان الذي أصدرته "الجهاد"، قبل ثلاثة أيام من تفجير السفارتين والذي توعد برد ب"لغة يفهمها الأميركيون"، كان إنذاراً مباشراً بعمليتي افريقيا. تعتبر أميركا جماعته مصدر خطر أساسي على مصالحها. ويتجلّى ذلك في ملاحقة الاستخبارات الأميركية عناصر "الجهاد" في دول شتى وتسليمهم الى مصر. وعلى رغم الضربات الشديدة التي تعرضت لها جماعة الظواهري داخل مصر وخارجها، إلا انه لا يزال على موقفه الرافض أي تسوية مع الحكم المصري. ورفضت هذه الجماعة أخيراً الانضمام الى الهدنة التي أعلنتها "الجماعة الإسلامية"، كبرى الجماعات المسلحة في مصر. محمد عاطف: يُعرف باسم "أبو حفص المصري" ويعتبره الأميركيون القائد العسكري ل"القاعدة". وهو حلّ في هذا المنصب بعد وفاة علي الرشيدي المعروف باسم "أبو عبيدة البنشيري" في 1996 غرقاً في بحيرة فيكتوريا على الحدود الكينية. تربط واشنطن بينه وبين معتقلين إسلاميين في لندن تطلب واشنطن تسلمهم لمحاكمتهم بتهمة عضوية "جماعة الجهاد" والتآمر مع ابن لادن لقتل أميركيين. تضع الادارة الأميركية مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقود الى اعتقاله ومحاكمته. يعيش مع ابن لادن في أفغانستان. وديع الحاج: أميركي من أصل لبناني. عمل في السابق سكرتيراًً لاسامة ابن لادن. عاش لفترة في كينيا. كان الأميركيون يراقبون تحركاته، على ما يبدو. إذ انهم قابلوه في كينيا في 1997 وسألوه عن سبب زيارة قام بها لبحيرة فيكتوريا عقب حصول حادثة غرق السفينة التي كانت تُقل "أبو عبيدة البنشري". فقال انه ذهب لكشف مصير أحد المسافرين على متنها ويدعى عادل حبيب. ونفى علمه بالبنشيري وغرقه. اوقفته السلطات الأميركية في ايلول سبتمبر العام الماضي ووجهت له تهمة الحنث باليمين في شأن طبيعة علاقته بابن لادن والبنشيري و"التآمر لقتل أميركيين" مع ابن لادن. كذلك يزعم الادعاء الأميركي ان المنفّذ المفترض لعملية نيروبي، هارون فضل، كان يعمل سكرتيراً لديه أثناء اقامته في كينيا في 1996 و1997. خالد الفواز: اعتقلته الشرطة البريطانية في ايلول سبتمبر 1998، بناء على طلب أميركي لتسلمه بهدف محاكمته في الولاياتالمتحدة بتهمة "التآمر" مع أسامة بن لادن لقتل أميركيين. ويزعم الأميركيون ان مهمة الفواز، وهو طالب لجوء في بريطانيا منذ 1994، كانت تسهيل توزيع فتاوى ابن لادن واوامره في أوروبا، وان "هيئة النصيحة" التي كان يرأسها في لندن كانت "واجهة" لتنظيم "القاعدة". ويزعم الأميركيون أيضاً ان الفواز كان "عضواً" في هذه الجماعة عندما كان في الخرطوم، وانه شارك في اجتماعات لقيادتها في العاصمة السودانية نوقشت فيها فكرة تنفيذ هجمات على الأميركيين. كذلك يقول الأميركيون ان له علاقات ب"خلية شرق افريقيا" في "القاعدة"، وهي الخلية التي تقول واشنطن انها تقف وراء التفجيرين. وينفي الفواز الاتهامات الأميركية، وإن كان يُقر بعلاقته بابن لادن. وهو كان قرر إقفال مكتب "هيئة النصيحة" في لندن ومغادرة بريطانيا، قبل ساعات من القاء القبض عليه. عادل عبدالمجيد عبدالباري: اعتقُل في لندن في ايار مايو الماضي، بتهمة التآمر لقتل أميركيين. يقول الإدعاء الأميركي انه عضو في "جماعة الجهاد" بقيادة الظواهري، وانه ساهم في توزيع بيانات تبني مسؤولية تفجير السفارتين. يربط الأميركيون أيضاً بينه وبين خالد الفواز. ينفي عبدالمجيد الحاصل على حق اللجوء السياسي في بريطانيا الاتهامات الأميركية. وينظر القضاء البريطاني حالياً في طلب واشنطن تسلمه. ابراهيم العيدروس: اعتُقل في لندن في ايلول سبتمبر 1998 لكن لم توجّه اليه اي اتهامات، بل حوّل على دائرة الهجرة باعتبار انه طالب لجوء التي ابقته في السجن قرابة عشرة أشهر. أُفرج عنه في ايار مايو الماضي، لكنه اعتُقل مجدداً بعد أيام فقط بناء على مذكرة اتهام أميركية تزعم تورطه في "مؤامرة" لقتل أميركيين. يقول نص الاتهام الأميركي انه عضو في "جماعة الجهاد" وانه عمل في خلية لهذه الجماعة في باكو اذربيجان قبل قدومه الى بريطانيا. ويضيف انه ساهم مع عبدالمجيد في توزيع بيانات تبني المسؤولية عن تفجيري افريقيا. ويزعم الأميركيون أيضاً انه كان على اتصال دائم ب"أبو حفص المصري" المسؤول العسكري في "القاعدة". وهو ينفي الاتهامات الأميركية ويقاوم محاموه طلب تسليمه الى أميركا.