مثلما كان يحس دبيب الشعر، أحس البياتي دبيب الموت في عظامه. كثيرون فسروا انتقاله إلى دمشق على غير حقيقته. أما هو فقد كان يريد أن يموت هناك ليجاور الجواهري في قبره. الشاعر الذي كتب عن المنفى والفقر والكلمات وعائشة وشيراز عاش مفرداته ولم يعشها. كان هذا سر التناقض في الموقف من البياتي. وكان هذا سر هجائه المستمر لمجايليه من الشعراء. عاد إلى بغداد عام 1969 بعد عودة الجواهري إليها. ومهما كان التنافس حاداً بين قمة الكلاسيكية وواحد من أشهر محدثي حركة التجديد، فقد كان لكل منهما موقعه على رغم الغمز الذي كان قائماً بين الاثنين وحسمه البياتي بقصيدته الرائعة في تكريم الجواهري قائلاً: يا أبت. عاش في دخانين: دخان المعارك الشعرية والنقدية ودخان السجائر التي كان يشعل الواحدة منها من الأخرى. اثره في شعرنا العربي الحديث لا ينازع. وعلينا أن نقدّر تماماً موقفه الملتزم تجاه الحكّام. فقد طابق موقفه في الشعر موقفه في الحياة ولذلك فقد خرج من العراق دون جرح من هذا النوع: فقد ظلت قصيدته طاهرة من ثلمة مديح الديكتاتورية... ومات أبو علي غريباً أيضاً، بعيداً عن بلاد نفت كلماتها وملاحمها وصناجاتها ولكن ايقاع صداها ما يزال يتردد في بلاد الرافدين. * شاعر عراقي مقيم في لندن.