حينما كشفت الجماهيرية الليبية عن رغبتها في عقد قمة افريقية طارئة لمراجعة ميثاق منظمة الوحدة الافريقية، تضاربت الآراء وتباينت. فقد استبعدت بعض الدوائر أن تتم مثل هذه القمة سواء قبل القمة الافريقية العادية السنوية التي وقعت في الجزائر 12-15 تموز يوليو 1999، أم بعدها، وذلك نظراً لظروف الرؤساء من جهة، وتقارب التوقيت من جهة أخرى. واعتبر بعض المحللين ان الدعوة لإعادة كتابة ميثاق المنظمة القارية بالشكل الذي تقترحه الجماهيرية بمثابة أحلام، لكن المتحمسين للقمة الطارئة اعتمدوا في تفاؤلهم على أن عامل الزمن ليس في صالح افريقيا، وانه لا بد من تظاهرة افريقية غير عادية. والآن وقد أصبحت القمة حقيقة سنراها في 6-9 أيلول سبتمبر المقبل، فهل ستكون قمة مراجعة أم قمة اصلاح وتجديد؟ ما لا شك فيه أن القائد التاريخي لثورة الفاتح من أيلول 1969، العقيد معمر القذافي، قام بالتمهيد لمطالبته بعقد قمة افريقية طارئة لمراجعة ميثاق منظمة الوحدة الافريقية، باعلانه الدرامي انحيازه لافريقيا وتركيزه عليها لسببين: الأول وقفة القارة السمراء مع الجماهيرية إبان محاصرتها، والثاني موت حلمه لتحقيق الوحدة العربية بعد ثلاثة عقود كان يبشّر خلالها بها. وقد وجدت دعوة الجماهيرية للقمة الطارئة ردود فعل متباينة. ففيما اعترضت عليها كتابةً دولتان افريقيتان، رحبت بها دولة واحدة كتابةً أيضاً، والتزمت بقية الدول الصمت انطلاقاً من نظرية "أنتظر وأرى"، لأن الدعوة للقمة الطارئة واجهتها تعليقات متعارضة، إذ أن كثيرين استبعدوا تماماً عقد قمتين افريقيتين في مدى زمني متقارب وفي بلدين عربيين هما الجزائر وليبيا. أما في ما يتعلق بالمحتوى، فقد ظهرت وجهتا نظر تقول احداهما بأن الطريقة التي تريد بها الجماهيرية مراجعة ميثاق المنظمة القارية الافريقية تدخل في خانة الأحلام، وتقول الأخرى ان الجماهيرية قد ألقت بقفاز تحد للدول الافريقية باعتبار ان ميثاقاً تمت كتابته في 1963 لا يمكن أن يصلح للقارة لتدخل به الألفية الثالثة. وبهذه الخلفية، وجد قائد الثورة الليبية ضالته في القمة الافريقية الخامسة والثلاثين في الجزائر، والتي حضرها بعد غيبة سنوات عديدة عن القمم الافريقية، وفُسر وجوده بين زملائه القادة الأفارقة بأنه اراد شكرهم على مساندة بلاده خلال محنة الحصار الجائر عليها، كما أراد توجيه الدعوة لهم لحضور القمة الاستثنائية في الجماهيرية... وابتهل العقيد القذافي الفرصة النادرة ليشرح لأكثر من خمسة وأربعين رئيس دولة وحكومة ماذا يريد من قمته الطارئة. فقد صدمهم بأن لجنة لمراجعة ميثاق المنظمة القارية شكلوها هم قبل عشرين عاماً، لم تفلح إلا في معالجة أربع مواد فقط، كما لم تجتمع خلال السنوات الخمس الماضية، وبعد ان حدّثهم عن رؤيته حيال قارة تعتمد البطء والتباطؤ في إدارة شؤونها المصيرية في الوقت الذي تواجه فيه القرن القادم بتحديات العولمة وتوابعها دون أن تعد نفسها لذلك، كاشفا أنه استدعى عدداً من أساطين وعلماء القانون في القارة الافريقية ممن قاموا بوضع وثيقة اشتملت على الكيفية التي تعض فيها القارة بالنواجذ على وحدتها وتضامنها وتسارع خطاها لتحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون الاقتصادي الشامل في ما بين دولها، بما في ذلك الاتفاق على قيام مصرف مركزي يغنيهم عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتشكيل "كونغرس" افريقي على شاكلة الكونغرس الأميركي، وفي النهاية تكوين الولاياتالمتحدة الافريقية المشتملة على ثلاث وخمسين ولاية هي مجموع الدول الافريقية الحالية. ولم تعترض دولة واحدة على قرار عقد القمة الافريقية الطارئة في الجماهيرية في الفترة 6-9 أيلول المقبل، كما كان القذافي صريحاً جداً مع زملائه لأنه أكد على أنه يتمنى أن تخرج القمة الطارئة بإعلان يكون تاريخه 9/9/1999. ويبدو الآن أن أمنيته ستصير حقيقة بعد أيام قليلة. فالتحضيرات في مدينة سرت التي ستحضن القمة الطارئة تؤكد أن الجماهيرية حرصت من جانبها على توفير كل التسهيلات والاستعدادات الفنية واللوجستية، بما في ذلك الاستضافة الكاملة، وهي استضافة ممتدة من طرابلس الى سرت 400 كلم، بمعنى أن الجماهيرية وجهت الدعوة لكل الدول الافريقية - دون تحديد لعدد - من اجل حضور احتفالات الذكرى الثلاثين لثورة الفاتح، على أن تتواصل الاحتفالات وتختتم في سرت بحضور افريقي متميز وعلى أعلى المستويات. والجماهيرية، كما توحي، أرادت بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الفاتح، ان تبعث من برسالة واضحة الى الولاياتالمتحدة الأميركية بأن تتركها وشأنها. والمهم، في النهاية، ان الجماهيرية أدركت - في ما يبدو - أن هناك إشكالية فنية في مراجعة ميثاق منظمة الوحدة الافريقية، إذ وفقاً للمادة 33 منه، يتطلب أي تعديل مقترح على الميثاق دورة عام كامل لتجيزه القمة الافريقية. ومن ثم فإن قمة "سرت" قد تعدلت فكرتها لتصبح: تقوية مقدرات افريقيا لتتمكن من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين! وليس ذلك فحسب، بل ان القمة الطارئة سيسبقها مجلس وزراء الخارجية الأفارقة في 6-7 أيلول، وهو ما لم يكن وارداً في الأساس... لكن ماذا سيناقش الوزراء؟ هل هي الوثيقة التي أشار اليها القذافي في الجزائر؟ أم هل هي وثيقة جديدة تتمشى مع موضوع القمة الطارئة؟ لا أحد يعلم.