المفكرون على اختلاف انواعهم، من فلاسفة وشعراء وأدباء وعلماء، يتطلعون مع نهاية القرن العشرين الى آفاق القرن القادم، ويتأملون في رصيد المئة عام المنتهية من عمر الانسانية كي يستنبطوا منه افكاراً جديدة ترسم سياسة العالم وبلدانه بمختلف قضاياه وأزماته، متأرجحين بين المرارات البشرية التي ينتهي معها هذا القرن، والامنيات الايجابية التي يتشبثون بها من اجل دعم السلام المطلوب للقرن المقبل، ومتابعة تحقيق العدالة والحرية والمساواة والتنمية الشاملة التي ينبغي ان يستفيد منها ستة مليارات انسان بعيداً عن الحروب والأمراض ومكافحة للفقر والأمية والعنصرية والطائفية وبقايا التمييز العنصري. وهذه الأهداف النبيلة المعروفة التي يتنافس الحكام وسياسيون عموماً في الدعوة الى خدمتها، وفي العمل على معالجة ما يمنع تحقيقها بانصاف بين المناطق المتطورة والمناطق الأقل منها تطوراً في العالم، ستبقى بالتأكيد هي المواضيع البارزة والشاغلة على عتبة الانتقال من قرن ينصرم وقرن جديد يخلفه بمعزل عن الاحتفالات الثقافية والاجتماعية والسياحية والترفيهية التي يجري الاعداد لها على امتداد الكرة الأرضية والتي ينبعث الارتياح اليها من تنازع البقاء لدى الشعوب والأفراد، منذ بدايات التاريخ البشري. يحصل هذا بالطبع على صعيد اهل الفكر والحكم والقرار، كما يحصل على صعيد الناس العاديين الذين يؤلفون سكان المعمورة، ولكنه، في اجمل مفاجأة ترافق الاحتفالات التاريخية المنتظرة، سيحصل على صعيد الاطفال... اطفال العالم... حيث يجتمع في باريس وفرساي بفرنسا، ممثلو اكثر من عشرة آلاف تلميذ من اربعمئة صف دراسي في مئة وسبعين بلداً هي اعضاء منظمة الاونسكو ويؤلفون بمبادرة مشتركة بين الجمعية الوطنية الفرنسية والأونسكو "البرلمان العالمي للأطفال" الذي يضع ميثاقاً فكرياً عاماً للقرن الحادي والعشرين. وهذا الحدث الجديد والفريد من نوعه، الذي هيّأه السيد لوران فابيوس رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية والسيد فيديريكو مايور المدير العام لمنظمة الأونسكو، يقضي بأن يجتمع "البرلمان العالمي للأطفال" في الخريف القادم. فبين 21 و27 تشرين الأول اكتوبر القادم يجتمع هذا "البرلمان" في قصر بوربون بباريس، أي في مقر الجمعية الوطنية الفرنسية، ويضم حوالى ثلاثمئة وثمانين تلميذاً - بنات وصبياناً - قادمين من مجمل الدول الاعضاء في منظمة الأونسكو، كي يرمزوا في حركتهم الى مغزى الانتقال للقرن القادم ويبعثوا الى العالم بأسره، برسالة أخوّة وأمل، مقرونة في الوقت نفسه بتوصيات واضحة لتحسين مستوى الحياة، في ظاهرة هي الأولى من نوعها في فرنسا، وهي تأتي امتداداً لتقليد جديد بدأ عام 1996 في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث يلتقي خمسمئة وسبعة وسبعون نائباً صغيراً يتم اختيارهم في مدارس الخمسمئة وسبعة وسبعين دائرة انتخابية التي يجري فيها انتخاب اعضاء الجمعية الوطنية. وكما حصل مع النواب الصغار، الذين سبقوهم خلال سنوات الثلاث الماضية، فإن هؤلاء البرلمانيين الصغار سيناقشون وسيتبنون مشروع قانون يصلح في ما بعد ليكون قانوناً فعلياً في فرنسا. ويجري التحضير حالياً لمشروع "ميثاق الشبيبة للقرن الحادي والعشرين" من قبل التلامذة البالغين من العمر بين 14 و16 سنة، في مختلف البلدان اعضاء الاونسكو، ضمن مشروع الاونسكو من اجل "ثقافة السلام واللاعنف" بعد قرار الأممالمتحدة نفسها جعل سنة 2000 "السنة العالمية للثقافة والسلام"، وجعل السنوات العشر اللاحقة 2001 - 2010 "العقد الدولي لنشر ثقافة السلام واللاعنف، في خدمة أطفال العالم". و"البرلمان العالمي للأطفال" يمر بثلاث مراحل: 1 - العمل التحضيري للبلدان المشاركة وعددها مئة وسبعون بلداً بالتعاون مع اللجان الوطنية المحلية للأونسكو على قاعدة المواضيع الكبرى التي تميز التمثيل الانتخابي الوطني الفرنسي وتقوم عليها رسالة الاونسكو: أي التربية والتأهيل، والسلام، واللاعنف، والبيئة، والثقافة والحوار بين الثقافات، والاتصالات، والتكنولوجيات الحديثة والتنمية. 2 - اختيار المقترحات - مشروع اقتراحات واحد من قبل كل بلد عضو في الاونسكو، لدرسه مع بقية المشاريع، وهو ما يجري في الوقت الحاضر في العاصمة الفرنسية بإشراف لجنة مؤلفة من شخصيات فرنسية وأجنبية بموافقة الجمعية الوطنية الفرنسية والأونسكو. 3 - صياغة الميثاق واعتماده والمشاريع التي يتم اعتمادها في المرحلة الأولى يدرسها مجموع التلامذة - كل فريق في بلاده - الذين يتم اختيارهم من رفاقهم لتمثيلهم في باريس. وفي 21 تشرين الأول اكتوبر يجتمع ممثلو التلامذة في باريس، ثم ينتقلون، كما هو التقليد البرلماني الفرنسي، الى قصر فرساي حيث يجتمع "الكونغرس" البرلماني ليتابعوا، لجنة لجنة، تفاصيل بنود المقترحات والتوصيات التي سيتضمنها "ميثاق الشبيبة للقرن الحادي والعشرين". وفي 24 تشرين الأول وفي قصر بوربون في باريس، يلتقي البرلمانيون الصغار لاعلان ميثاقهم، كما يلتقون بعد ذلك في السادس والعشرين منه في مقر منظمة الاونسكو في باريس حيث يعرض الميثاق الشبابي على المؤتمر العام للأونسكو في دورته الجديدة، وخلال العام 2000 يعرض الميثاق علنا في دورة الأممالمتحدة في نيويورك. وبينما تشير الاحصاءات الدولية الرسمية الى انه يوجد في العالم ثلاثة مليارات انسان دون الثامنة عشرة من العمر، تكتسي هذه المبادرة الفريدة أهميتها الاضافية الكبرى لا سيما ان الوزارات الفرنسية المشاركة فيها الى جانب الجمعية الوطنية والأونسكو هي وزارات الخارجية، والشؤون الأوروبية، والثقافة والاتصالات، والتربية الوطنية والبحث والتكنولوجيا، والتعليم المدرسي، والدفاع، والداخلية، والشبيبة والرياضة، والمدينة، والتعاون والفرانكوفونية.