المبادرة الرائدة في انعقاد برلمان عالمي للاطفال، بالتعاون بين رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية السيد لوران فابيوس، ومدير عام اليونسكو السابق، السيد فيديريكو مايور، مقال "الحياة" في الرابع والعشرين من شهر آب/ أغسطس 1999م - 13 جمادى الأول 1420ه والتي تحققت وقائعها في باريس بين الحادي والعشرين والسابع والعشرين من شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي، تميزت في الأيام الثلاثة الأخيرة من فترة الانعقاد، بامتحان فكري حقيقي للتلامذة الذين وفدوا من 175 بلداً أعضاء منظمة اليونسكو، فبلغ عددهم، بعد اختيارهم من بين أنجح الصفوف الدراسية. 350 تلميذاً تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة. وبينما ركزت اليونسكو على ان يتوافق انعقاد هذا البرلمان للشبيبة الصاعدة، مع العام 2000 المخصص لبدء "العام الدولي لثقافة السلام"، فإن المقررات التي اتخذها اعضاء هذا البرلمان الخاص، بعد مناقشة الأفكار التي طرحوها، ثم صوتوا عليها، يمكن ان تخضع في حسابات التقدير لأحد أمرين: الأول: ان يكون هؤلاء الاطفال قد استأنسوا بأفكار الكبار من أهل أو مدرسين، كي يأتوا الى باريس وفي جيب كل منهم آراء ومشاريع للقرن القادم. والثاني: ان تكون الأفكار التي حملوها، وهذا هو الأرجح، والأكثر انصافاً لهم - وليدة التربية الدراسية والمدنية التي تلقوها داخل أسرهم، وعلى صفوف المعاهد التي يتلقون العلم فيها، فتمكنوا - وهم في عمر الصبا، من النضوج وبلوغ المرحلة التي تؤهلهم لمناقشة القضايا التي يحفل بها المجتمع الدولي الواسع، لا مجتمع بلدهم وحده، من أجل طرح برنامج فكري عام، يصلح للقرن الحادي والعشرين من زاوية تطلعات الشبيبة الى المستقبل القريب انطلاقاً من "إعلان حقوق الانسان والمواطن" الصادر عام 1789 في فرنسا، ومن "الإعلان العالمي لحقوق الانسان" الصادر عن الاممالمتحدة في العاشر من شهر كانون الأول ديسمبر 1948. والبيان الذي أصدرته الشبيبة للقرن القادم وقدمته أمام المؤتمر العام لليونسكو في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي، سيوزع على جميع رؤساء الدول والحكومات ورؤساء البرلمانات في العالم، كما أنه سيقدم في خريف العام 2000 أمام الاممالمتحدة في جمعيتها العلنية السنوية العامة. لقد صدرت مقررات البرلمان العالمي للاطفال تحت عنوان: "بيان الشبيبة للقرن الحادي والعشرين". والمقررات التي يتضمنها هذا البيان العالمي تتناول ستة حقوق فكرية وانسانية. 1- التربية: والتركيز يدور على تربية تشمل الجميع دون تمييز عرقي أو جنسي، أو اقتصادي أو تمييز يعود الى الاختلافات في الدين أو في الأصول الثقافية التاريخية. ويقول "البرلمانيون الأطفال" ان من واجب التربية ان تؤمن بناء شخصية ابداعية وبدون أحكام مسبقة واكتساب قيم معنوية، علاوة على توفير تفاهم دولي وتأمين الاحترام بين الأفراد. ويطالب الموقعون على البيان الهيئات الوطنية والدولية بزيادة الميزانيات المعتمدة للتربية، وتخفيف الأقساط المدرسية وتقديم منح دراسية اضافة الى وجوب اعطاء التلاميذ فرص اتخاذ مبادرات أوسع في حسن سير الادارة داخل المدارس. 2- البيئة: وفي هذا المجال يلاحظ البرلمانيون الأطفال انه للمرة الأولى في تاريخ الانسانية، يسفر التقدم عن نتائج سلبية تضر بالعالم ومنها التغيرات المناخية، والتجارب النووية والأخكار التي تنتشر داخل البحار. ومقابل تزايد عدد سكان العالم وتناقص الثروات الطبيعية للغذاء، يُطالب البيان بتعبئة عالمية شاملة - منها تعبئة وسائل الاعلام - لضرورة وجوب ايجاد حلول سريعة. 3- التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية: وفي هذا الباب يُطالب المؤتمرون بتحسين شروط المعيشة وزيادة العناية بالصحة والتربية والغذاء الكافي وتوفير مستوى لائق للبشر وفي هذا ما يضمن تجنب النزاعات. ويزيدون على ذلك ان حماية الحقوق الاساسية التي يدافعون عنها، يمكن تأمينها عن طريق حرية التعبير وانفتاح الأذهان، والقبول بالآراء والأديان والمذاهب الفكرية الأخرى. ويتطرق المؤتمرون الى المعضلات المالية الدولية، والعقبات التي تقف في طريق التنمية مثل ارتفاع الفوائد على القروض وخضوع البلدان النامية للبلدان التي تقرضها مالياً، فيطالبون بانشاء هيئة دولية تهتم بالرقابة على اعطاء القروض والمساعدات وتخفيف الفوائد وإلغاء ديون البلدان العاجزة عن التسديد. 4- التضامن وفي التضامن يقول المؤتمرون انه يعني الاهتمام بالآخرين واحترامهم "كما لو كانوا أفراداً من أسرتنا". وهذا يعني التعامل مع الآخرين كما نريد ان يتعاملوا هم معنا دون انتظار أي مقابل. ونحن كشبان - يقولون - علينا ان نساعد المحتاجين وان نحترمهم ونعتني بهم دون أي تفرقة اجتماعية أو عرقية أو ثقافية أو دينية. وعلينا بصورة خاصة مساعدة الاشخاص الكبار في السن أو المعوقين، جسدياً أو فكرياً ومساعدة الاطفال اليتامى والمحتاجين للسكن. 5- الثقافة والاتصال والحوار الثقافي وفي ما يتعلق بالثقافة يقولون بواجب "المحافظة على ثقافتنا وتعلم التواصل مع الثقافات الأخرى، وايجاد حوار ثقافي متبادل وتسهيل الاتصال في خدمة السلام ولمزيد من التنمية في العالم". ومن هنا تأتي مطالبتهم للحكومات بتوفير الامكانات المالية والمباني كي تستطيع الشبيبة متابعة النشاطات الثقافية والفنية والرياضية وهي نشاطات تساعدهم على حماية هويتهم الوطنية. وانطلاقاً من ذلك يطالبون ايضاً الأممالمتحدة بالعمل مع الشركات الدولية الكبرى والبلدان الغنية، والسلطات المحلية لإعداد حملة توفير تقديم أدوات الانترنت، والبريد الالكتروني لهم، مع تخفيض خاص للشبيبة وللمدارس، في تكاليف الاشتراك بالانترنت. كما يسعون الى إصدار صحيفة خاصة بهم يقرأها أهلهم والاشخاص الذين هم من جيل الأهل... ويستنتجون في هذا المجال ان التاريخ والواقع المعاصر أثبتا ان الحوار الثقافي المتبادل يمكن ان يجنب البشرية الحروب العنصرية وكل شكل من أشكال التمييز والقمع. 6- السلام واللاعنف أما الحقل السادس وهو الأول عملياً، فيتناول نظرة الشبيبة الى القرن القادم ورغبتهم في ان يكون قرن السلام بين الامم. ويعللون ذلك بقولهم ان جميع الحضارات والثقافات والديانات في العالم لها هدف مشترك هو: خير الانسانية وقضية السلام وهذه فلسفة جوهرية يجب على جميع الامم ان تأخذ بها. وعلى العالم - كما يقولون - ان يصل الى السلام عن طريق الديبلوماسية والحوار وجميع الوسائل الممكنة، فالسلام هو الأمل الوحيد بالخلاص. ويخلصون الى القول والإعلان ان من الواجب نشر ثقافة السلام وفلسفة اللاعنف ضمن الاحترام المتبادل لجميع الاختلافات عن طريق التربية المنفتحة وعن طريق تخفيف موازنات التسلح وانفاق المبالغ المتوافرة بفضل ذلك على برامج تدعم السلام واللاعنف. ويضيفون قائلين: ان اسماءنا وهوياتنا ولغاتنا ومعتقداتنا وألواننا ليست هي نفسها ربما، ولكن في الجوهر فإننا جميعاً متشابهون لأننا... بشر!! مرة أخرى لا بد من القول، ان ما تضمنه "بيان الشبيبة للقرن الحادي والعشرين"، يعبر عن تطلعات فكرية واسعة في موازاة ما يطالب به المفكرون والسياسيون الواعون باستمرار. وإذا كانت هذه المقررات من صنع التلامذة المشاركين في "البرلمان العالمي للاطفال" وحدهم، أم كان وراءهم من يساعدهم على التفكير والصياغة، فإنها تدل على ظاهرة ايجابية كبيرة تؤمل بوعي جماعي دولي يلتزم به الاطفال وهم يكبرون ويكافحون لأجل غد أفضل.