تنظر الى الجبال بعينيك، تحسبها جامدة وهي - حقيقة - تمر مرَّ السحاب. وتمشي على الأرض بقدميك، تحسبها ثابتة وهي - في حقيقة أمرها - تمور كبحر عباب. ومع ذلك، فإن صلابة الجبال وشموخها وثبات الأرض واستقرارها هي "فرضيات" أساسية بنى عليها الانسان حياته واصطنع مقاييسه وموازينه وعلاقاته، وشيد مبانيه وشق طرقاته، وذهب الى سريره قرير العين هادئ البال مطمئناً الى أنه سيستيقظ باكراً فيجد الأشياء والأرض والجبال كما تركها ليلة البارحة. لا بد من أن نفترض شيئاً من الثبات والاستقرار لكي نمارس حياتنا على نحو طبيعي. واذا كنا لا نستطيع حتى الافتراض بأن الأرض ثابتة والجبال مستقرة، فأي شيء في حياتنا نستطيع أن نفترض ثباته واستقراره. واذا كنا لا نستطيع أن نفترض أن الدولاب في غرفة النوم سيظل في مكانه، وأن الثلاجة في ركن المطبخ ستستكين في موقعها، وأن السطح فوق رؤوسنا لن ينزل غداً الى القبو، والحمام لن ينتقل الى غرفة الضيوف، فكيف ستنتظم الحياة المادية والاجتماعية والنفسية؟ وكيف ستستقر المسافات الشخصية بين "فوق" و"تحت"، و"هنا" و"هناك"، وبين "اليمين" و"اليسار"، و"الداخل" و"الخارج". والمعضلة هنا ليست في أننا نفترض "الثبات"، ولكن في أننا ننسى أنه مجرد افتراض. نحن، جميعاً، فرضية كبيرة. ونحن، جميعاً، نعيش في عالم افتراضي كبير. "الثابت" حولنا متحول دائماً. و"المتحول" يسعى دائماً نحو "التوازن" و"الثبات". وبين "الثابت" و"المتحول" يفاجئنا وهم الافتراض وسرابِيّته. تهتز الأرض من تحتنا، وترتج الجبال، وتزمجر البحار، وتتحول اليابسة ماء، والماء يابسة، ويتساوى الحديد والخشب و"الأعالي" و"الأسافل" والوجوه والمؤخرات. ننادي: هل ثمة جبل يعصمنا من الماء؟ وهل ثمة أرض تثبت عليها الأقدام؟ ونسمع من اذا أجاب، قال: اعلموا، ثم اعرفوا الفرق بين "فرضية الثبات" و"ثبات الافتراض".