كثيراً ما يربط كتّاب بين الفتوحات العربية لبلدان الشرق الأوسط وبين الإسلام في القرن السابع الميلادي قاسم عبده قاسم، في "تراث" - "الحياة"، 11 تموز - يوليو 1999 اكثر من ربط تلك "الفتوحات" بعوامل اقتصادية وسياسية سادت المنطقة آنذاك ... قد تكون الأديان أو الايديولوجيات عامل - أو غطاء - لمثل تلك الظواهر المجتمعة، لكنها وبمفردها لا يمكن ان تكون هي الدافع الاساسي لمثل هذه النشاطات التي غالباً ما تتعارض مع رسالة الدين، وخصوصاً في حال الاسلام آنذاك، وهو دين لم يكن تلوث تاريخه بالعوامل السياسية، كما حدث لاحقاً .... لذلك، فالقول مثلاً ان تلك الفتوحات - كما يدعي بعض الكتاب - كانت فتوحات تحريرية اسلامية هو محض خيال، كما أنه تبسيط مخل بوقائع التاريخ وتعقيداته، والأخطر من ذلك انه - في هذه الحالة - ادعاء يصم طبيعة الاسلام ونشأته وانتشاره بالعنف الذي لم تعرف مثله أي ديانة أو ايديولوجية أخرى، هذا إذا ما سلمنا بصحة ربط الإسلام بتلك الفتوحات على اتساعها، وما أدت اليه من نتائج على مدى قرون! ونحن هنا لا نقول ذلك جدلاً، انما يشهد تاريخ الفتوحات العربية - وخصوصاً في بدايتها - انها لم تفرض الإسلام بقوة السلاح على أصحاب البلاد المفتوحة، بل على العكس أعطت لهم الحرية والأمان للاحتفاظ بعقائدهم ومزاولة شعائر دينهم، وخصوصاً اذا كانوا من "أهل الكتاب". وتوضح المصادر التاريخية لتلك الفترة ان الفاتحين العرب لم يتدخلوا في الشؤون الداخلية لتلك البلاد، وانهم لم يهتموا بشيء أكثر من جباية الضرائب وتوسيع رقعة الدولة العربية. لذلك أود ان اؤكد ان الصراع الدموي الدائم بين الدولتين الفارسية والبيزنطية، الذي أنهك قواهما، في القرن السابع الميلادي، في الوقت الذي توحدت فيه قبائل الجزيرة العربية، كان عاملاً مهماً في غلبة العرب. أضف الى ذلك، ان توحد القبائل العربية التي كانت تتناحر مع بعضها البعض سابقاً بسبب شحة الموارد، جعل من خروج تلك القبائل في اتجاه الأراضي الخصيبة في وديان ومستعمرات الامبراطوريتين، أمراً ملحاً .... وهكذا، نلاحظ فيما يتعلق بمصر 639 - 642م، ان دخول العرب لم تواجهه أية مقاومة عنيفة من قبل الحاميات العسكرية البيزنطية التي كانت قيادتها غير موحدة، لذلك تم تسليم البلاد في فترة قصيرة من قبل نائب الامبراطور في مصر آنذاك، والمعروف في المصادر التاريخية العربية خطأ باسم المقوقس "عظيم القبط" وهو قيرس CYRUS رئيس الأساقفة البيزنطيين، وقائد القوات البيزنطية في الوقت ذاته، الذي وقع معاهدة تسليم مصر الى عمرو بن العاص في الاسكندرية عاصمة البلاد آنذاك. ويذكر ان المصادر التاريخية المعاصرة للفتح العربي لا توضح اذا ما كان للمصريين الأقباط أي دور واضح في دخول العرب أو مقاومتهم. لكن يبدو أنهم اتخذوا موقفاً سلبياً من كل تلك الاحداث، وخصوصاً انهم عانوا من أشد الاضطهادات على يد المستعمر البيزنطي، وخصوصاً "قيرس"، وذلك بسبب عقيدتهم التي كانت بمثابة درع للمقاومة الوطنية السلمية ضد المحتل. ويذكر ان رئيسهم الديني آنذاك، البطريرك بنيامين الأول، كان منفياً من قبل السلطة البيزنطية آنذاك ... مونتريال - نبيل عبدالملك