تشهد مدينة تونس اختناقاً متزايداً بسبب انحسارها بين البحر شمالاً وبحيرة السيجومي جنوباً، ويحاول التونسيون استخدام طريقة الهولنديين في قضم مساحات من البحر وتطهير البحيرات لكسب مجالات جديدة للتوسع العمراني. وفي هذا الإطار يعتبر مشروع تطهير بحيرة تونس الشمالية وتهيئة ضفافها من أهم المشاريع العمرانية الكبيرة إذ أتاح تأمين نحو 1300 هكتار من الأراضي الصالحة للبناء في أطراف العاصمة ويتوقع لدى الانتهاء من أشغال الردم والاستصلاح أن يصبح الاحتياطي العقاري لمشروع البحيرة الشمالية في حدود 1600 هكتار. وشرح مدير عام "شركة البحيرة للتطهير والإستصلاح والإستثمار" قطاع عام المهندس محرز بن الشيخ "للحياة" أهداف المشروع فأكد أنه يرمي أولاً الى استصلاح الحوض الشمالي لبحيرة تونس الذي كان يستخدم مصباً للفضلات التي تلقى بها حظائر البناء ولمياه الأمطار الآتية من المناطق الشمالية للعاصمة تونس. كذلك يرمي ثانياً الى تغيير اتجاه التمدد العمراني للمدينة وإيجاد احتياطات عقارية جديدة وسط العاصمة ما يساهم في حماية الأراضي الزراعية المجاورة وتنظيم الانتشار العمراني. وتمثلت المرحلة الأولى من المشروع في تطهير مياه البحيرة واستصلاح ضفافها بمساهمة القطاع العام الذي شارك في اعادة هيكلة شبكة تصريف المياه المستعملة الآتية من العاصمة وربطها بمحطات التطهير. وأتاح استكمال معاودة الهيكلة ووضع حد لتصريف المياه المستعملة في البحيرة وإيجاد توازن على صعيد النظام البيئي اضافة الى خلق تكامل بين البحيرة ومحيطها، وهكذا تم ادماج "مشروع البحيرة" في الحركة العمرانية المستقبلية لمدينة تونس. يتوزع مشروع تهيئة بحيرة تونس على ثلاث مناطق رئيسية: الأولى هي المنطقة الشمالية وتمسح 200 هكتار واستكمل انجازها منذ سنوات وباتت احدى الضواحي الراقية التي تضم مجمعات سكنية وتجارية حديثة، والثانية هي المنطقة الغربية وتمسح 300 هكتار وهي قيد الدراسة، أما الثالثة فهي المنطقة الشرقية التي تمسح 800 هكتار ويتوقع أن يباشر بإنجازها في النصف الثاني من العام الجاري. وتوقع المهندس بن الشيخ أن يتيح مشروع تهيئة البحيرة اعمار مساحة تقدر ب4،9 مليون متر مربع على مساحة إجمالية تقدر ب1600 هكتار وستوزع المساحة المعدة للإعمار بين مناطق سكنية وأخرى تجارية وإدارية وسياحية. كذلك يتوقع أن تستوعب المدينة الجديدة على ضفاف البحيرة 000،217 ساكن ومقيم و000،96 من العمال غير المقيمين. وعلى عكس غالبية الضواحي والأحياء التي تم اعمارها في الماضي فإن المعايير البيئية تم اعتمادها كعنصر أساسي في جميع عمليات التخطيط لإعمار ضفاف البحيرة ما سيجعل المناطق الخضراء تشمل 30 في المئة من المساحة الإجمالية للأراضي وهذا يعني الوصول الى متوسط 20 متر مربع من المساحات الخضراء للساكن الواحد. والى جانب ضاحية "حدائق البحيرة" ستكون المنطقة الشمالية الشرقية بعد استكمال تهيئتها أهم مركز لامتصاص الازدحام السكاني الذي تختنق مدينة تونس تحت وطأته منذ عقدين. فهذه المنطقة التي تشمل 800 هكتار ستستوعب نحو 68 ألف ساكن وستضم نحو 15 ألف مسكن وستتوافر فيها جميع التجهيزات والمرافق العمومية، بالإضافة الى إنشاء مناطق صناعية ومراكز أعمال ومنشآت سياحية وملاعب. وقال مهندسون يتابعون تنفيذ المشروع ان المدينة الجديدة ستكون في مثابة جسر يصل مدينة تونس القديمة بضاحية قرطاج والمرسى وسيدي بو سعيد واعتبروه مشروعاً استراتيجياً كونه لم يقتصر على تطهير البحيرة واصطلاح ضفافها وإنما أخضعها لتخطيط يتيح استيعاب النمو السكاني والتمدد العمراني المتوقعين في الأعوام المقبلة. ستشكل الأحياء الجديدة التي أطلق عليها "حدائق البحيرة" قلب المدينة الحديثة على أطراف تونس، فبعدما اكتفت الأمثلة التي وضعها الفرنسيون منذ احتلوا المدينة في أواخر القرن الماضي بتوسعة نواة الأحياء الأوروبية التي أقيمت حول سور المدينة التاريخية، لم تعد تلك الطريقة قادرة اليوم على استيعاب التفجر السكاني وتمدد البناءات والأحياء ومن هذه الزاوية ستشكل "حدائق البحيرة" أول تجربة واسعة لكسر طوق أمثلة التهيئة الصغيرة وانشاء مدينة متكاملة الوظائف والخدمات تمتد على مساحة 106 هكتارات ويقع عند أطرافها ملعب غولف فسيح وهي تتميز بكونها مخصصة أساساً للمساكن الفردية، ما يعطيها صفة مدينة الحدائق، ويطوقها جنوباً كورنيش طويل يمتد على طول ساحل البحيرة ومخصص للأنشطة الترفيهية ونزهات الراجلين. بالإضافة لملاعب التنس والنادي البحري والمسبح المغطى والتي تتيح لسكان المدينة تعاطي الرياضات على مدار السنة. وفيما أثار قرب مطار تونس من محيط المدينة الجديدة مخاوف من انعكاس مرور الطائرات على راحة السكان لدى الإقلاع والهبوط، اهتدى المخططون الى حلول فنية أبعدت الأحياء السكنية والمناطق الصناعية ومراكز الأعمال والخدمات عن مسالك الطائرات. وحوّل المهندسون المنطقتين المحاذيتين للمطار الى مناطق خضراء ذات طابع تنشيطي وترفيهي إذ يقع فيها ملعب الغولف الذي يشمل أكثر من 100 هكتار وأفسحوا في المجال أمام المستثمرين لإقامة مشاريع سياحية بينها النادي البحري الخاص ببحيرة تونسوالمدينة الترفيهية المخصصة للأطفال "تونس هابي لاند" التي أقامتها مجموعة "إخوان" السعودية وسلسلة من المطاعم والمقاهي. ويمكن القول أن نجاح الاقتباس من تجربة الهولنديين من استصلاح ضفاف البحيرات وتهيئتها وتعميرها أثبت أن البلدان النامية قادرة على السيطرة على فنيات الاستصلاح وتالياً انتزاع فسحة للعيش من دون ازدحام وتكريس المصالحة مع البيئة.