تسابقت الفضائيات العربية خلال السنوات الأربع الماضية على عرض المسلسلات السورية التي انتجها القطاع الخاص والتي شكلت انطلاقة واثقة للدراما السورية. وهي مسلسلات جرت أحداثها في مناطق مختلفة من سورية وتم تصويرها في هذه المناطق نفسها، لا سيما الساحلية والشمالية على غير العادة، حيث كانت دمشق مركزاً وحيداً للانتاج ولهجتها هي السائدة والمعروفة لمتابعي الأعمال السورية، عدا الأعمال التي تعتمد بالضرورة على العربية الفصحى مثل "العبابيد"، الذي جرى تصويره في منطقة تدمر الأثرية وسط سورية، و"القلاع" الذي صور في مختلف المناطق. في المسلسلات التي تم تصويرها في المناطق الشمالية من سورية والتي تتحدث، في معظمها، عن فترة التحرر الوطني والحركات الوطنية، اقتضت المعالجة الدرامية ان تحل اللهجة المحلية لا سيما الحلبية محل اللهجة الشامية. وتبوأ مكان وقوع الأحداث مركز الصدارة خلال عمليات التصوير، في توثيق خصوصية المكان لكل فترة تاريخية، فبرز خان الحرير في مدينة حلب، من خلال مسلسل "الثريا" في إعطاء صورة حية وصادقة عن المعالم الطبيعية للشمال السوري، وكذلك مسلسل "الفراري" الذي حمل توقيع المخرج غسان خوس وتحدث عن الفترة الزمنية ذاتها. ثم أخرج رضوان شاهين مسلسل "باب الحديد" من تأليف فيصل خرتش وتحدث عن الفترة حتى عام 1973. والغريب في الأمر، ان المسلسلات الحلبية تثير الكثير من الجدل في الأوساط الحلبية بوصفها لا تمثل في صورة دقيقة، الحقب الزمنية التي تتحدث عنها، فيما هي تستحوذ في الوقت ذاته على اعجاب المشاهد السوري والعربي بما تمتلكه من طرافة وتشويق. أما في الأعمال التلفزيونية التي جرى تصويرها في الساحل السوري، سواء تعلقت أحداثها بالبحر أم اختيرت كونها مناسبة للعمل الدرامي، فكان المخرج نجدت أنزور رائداً في هذا المجال، إذ اعتمد على عنصر الصورة في اخراج جميع أعماله بدءاً ب"نهاية رجل شجاع" وانتهاء ب"الكواسر". وعد مؤسساً لهذه المدرسة في الاخراج. وكان لزاماً عليه إبراز جماليات المكان على حساب الزمان المفقود في بعض أعماله مثل "الجوارح" و"الكواسر" و"البواسل" الذي سيعرض في شهر رمضان العام المقبل، وجميعها من تأليف هاني السعدي. جرت أحداث "نهاية رجل شجاع" في محافظة طرطوس قرب مدينة بانياس الساحلية، وهي رواية للكاتب حنّا مينا. ونظراً إلى الاسلوب الملفت في انتقاء أماكن طبيعية خلابة، يمكن أن يقال إنها خام، وما رافق ذلك من استحسان لدى المشاهد على تعدد مستوياته الثقافية وأنماطه الاجتماعية، أدى ذلك إلى الاعتماد على الطريقة نفسها في الاخراج للعملين التاليين وهما "الجوارح" و"الكواسر"، أي انتقاء خلفية طبيعية جميلة للمشهد غابة، بحيرة، جدول...، ما دفع المخرج أنزور إلى اختيار محافظة اللاذقية مكاناً لتصوير مجريات الحدث المسلوب الزمان. وسايره في طريقة الاخراج باسل الخطيب في "هوى بحري" و"البحر أيوب" وإن اقتضت البيئة البحرية عليه ذلك، ومأمون البني في "القصاص" وبسام الملا في "العبابيد".