إقالة حكومة سيرغي ستيباشين دليل واضح على الهلع الذي يستبد ببوريس يلتسن وهو يرى ساعة الرمل تحصي الزمن المتبقي لعهد مليء بالكوارث والاحباطات. وفي لحظات اليأس يحاول الرئيس الروسي ان يقلب الساعة، بل ان يكسرها، لكنه لن يفلح في وقف حركة الزمن. فالسلطة تتسرب من بين اصابعه ولم يعد قيصراً رغم الصلاحيات الامبراطورية التي يوفرها له الدستور. ولم يتمكن يلتسن من ايراد مبرر واحد لإقالة ستيباشين، ولكن من الواضح انه لم يغفر له اخفاقه او رفضه؟ العمل على منع قيام ائتلاف ضم اكبر الاقطاب الذين كانوا ركائز لحكم يلتسن ثم اخذوا يبتعدون عنه او حتى يناصبونه العداء. فكتلة "الوطن - كل روسيا" تضم محافظ موسكو يوري لوجكوف، العماد الذي استند اليه يلتسن في اكبر الملمات واخطرها، وغدا الآن قماشة حمراء تثير رئيس الدولة. والأنكى ان ستيباشين لم يفلح في اقناع اهم القادة الاقليميين، مثل رؤساء جمهوريات تترستان وبشكيريا وانغوشيتيا ومحافظ سانت بطرسبورغ، بعقد تحالف مع لوجكوف. وستكتمل الدائرة اذا وافق يفغيني بريماكوف على اشغال المقعد الشاغر في رئاسة الائتلاف الجديد بعدما اقيلت حكومته قبل اربعة اشهر من دون اسباب، مثل وزارة ستيباشين. وما اثار يلتسن ان الكتلة الجديدة كانت اول كيان "سلطوي" يشكل لخوض الانتخابات من دون مباركته. ويغامر رئيس الدولة الآن بانضمام ستيباشين الى ركب المستائين من سلوك رئيس لا يهمه من امور الحكم سوى الكرسي. وان كان صحيحاً قول ونستون تشرشل ان الفرق بين رجل الدولة والسياسي هو ان الاول يفكر في الجيل المقبل، فيما الثاني يقتصر على حساب نتائج الانتخابات المقبلة، فمن المؤكد ان يلتسن ينتمي الى النمط الاسوأ من رعيل الساسة. فهو يفكر ليس في الانتخابات بل في ادامة حكمه لأطول فترة، والتأكد من بقاء الملفات المالية والسياسية مغلقة بعد تنحيه عن السلطة وحصول المحيطين به على ضمانات باستمرار تدفق المال والخيرات. واخطر ما في روسيا اليوم ان قادتها يخلطون بين الخاص والعام ويخضعون الثاني للأول. … قبل ايام من اقالته حذر ستيباشين من ان الصراع على السلطة والمال قد يؤدي الى تحول روسيا "اكبر جمهورية موز في العالم… لكنها من دون موز". ويبدو ان روسيا تسير بسرعة نحو "الهدف" ولكن استمرار احتضار السلطة وتهورها قد يؤدي الى تفتيت الدولة، فتظل جمهورية موز لكنها ليست الاكبر.