مدينة الموصل في العراق ستكون المدينة العربية الوحيدة التي سيبزغ فيها الفجر غداً مرتين ويحل الغروب مرتين. وستنفرد بوخارست عاصمة رومانيا بين عواصم العالم بمشاهدة الظاهرة نفسها. يحدث ذلك عندما "يبتلع" القمر الشمس فوق هاتين المدينتين وعدد قليل من المدن التي تقع على خط الكسوف الكلي، بينها بلايموث في بريطانيا، وروان وستراسبورغ في فرنسا، وميونيخ وشتوتغارت في المانيا، وأصفهان في ايران، وكراتشي في باكستان. يستغرق الليل، الذي سيقسم النهار قسمين، دقيقتين وبضع ثوان، لكنه سيحدث قشعريرة عظيمة في الطبيعة والناس. ستنخفض الحرارة 11 درجة مئوية وستفزع الطيور والماشية من اختلاط وقت الهجوع والاستيقاظ. عالم الفلك الفرنسي بيرنار ميليه، الذي ضرب الرقم القياسي في عدد حوادث الكسوف الكامل التي راقبها، وعددها 22، يتوقع ان يكون رد فعل كثير من الناس غداً واحداً من ثلاثة: التصفيق، او الذعر، او ما هو اعنف من ذلك. والأعنف شاهده ميليه قبل عامين اثناء الكسوف الكلي في فنزويلا حين انفجر الناس بالدموع وألقى بعضهم بنفسه على الأرض يجهش بالبكاء 10 دقائق متواصلة. تفسير الصدمة النفسية الجماعية في رأي الخبراء ان الكسوف هو من الحوادث الفلكية النادرة التي يكشف فيها الكون عن وجهه المهيب ويكتشف الناس هشاشة الكرة الأرضية التي يقيمون على سطحها. سيشعر بذلك كثير من الناس الذين سيخرجون لملاقاة الكسوف الكامل ويقدر عددهم 300 مليون في أوروبا فقط. ففي الدقائق الأولى قبل حلول الكسوف الكامل سيرون الحافة الغربية للقمر تقضم الحافة الغربية للشمس، ثم ينقر القمر شيئاً فشيئاً قرص الشمس ويلتهمه كما لو كان قطعة حلوى. وسيزداد اتساع القسم المعتم للشمس خلال ساعة حتى يتقلص هلال الشمس ويحتجب خلف القمر. وتتلألأ سبحة من خرزات ضوئية عندما يتخلل قوس ضئيل من شعاع الشمس سلسلة الجبال على سطح القمر. بعد ذلك مباشرة يظهر ما يطلق عليه اسم "الخاتم الماسي"، وهو آخر التماعة لأشعة الشمس فوق بقايا الضوء الفضي قبل ان يبتلع القمر الشمس بالكامل. وهذه هي لحظة الكسوف الكلي التي ينصح فيها بنزع النظارات الواقية والتطلع بملء العين الى اقتران الجسمين السماويين. وهكذا، بعد نحو 90 دقيقة من متابعة الكسوف الجزئي الذي قد يبدو للبعض مملاً، يبدأ "العرس" الفلكي. تطفئ السماء اضواءها الساطعة ويتحول وهج الظهيرة الصيفية الى غسق ازرق. حدقة القمر السوداء تطل مكان الشمس فيما تقدح جوانبها بشرر هالة الشمس التي لا تُرى عادة. من هذه الهالة الجبارة التي تتلامع كمعدن البلاتينيوم الثمين تنبثق دوامات شواظ المفاعل الهيدروجيني الحراري الذي تتكون منه الشمس. وبعد نحو دقيقتين ينزاح القمر عن الشمس التي تعود فتشرق من جديد بأشعتها الأبدية. آنذاك ينبغي على شهود الكسوف الكلي التحول بأنظارهم بسرعة. اما بالنسبة الى ملايين المشاهدين للكسوف الجزئي فالنصيحة المتشددة هي عدم التطلع الى قرص الشمس في أي وقت. وعليهم التزام ارتداء النظارات الواقية من الكسوف المجازة من جانب السلطات الصحية في بلدانهم، او الاكتفاء برؤية انعكاس الكسوف في دلو من الماء. وأفضل طريقة رؤية صورة الكسوف اذ تزحف فوق جدار او ورقة سميكة عبر ثقب يمكن احداثه بحافة قلم الرصاص في ورقة اخرى سميكة على مسافة مناسبة. وتحذر "جمعية العميان" البريطانية بشدة من النظر بقرص الشمس بواسطة كاميرا تصوير فوتوغرافي او فيديو او منظار مقرب. فأشعة الشمس الحارقة قد تسبب تلفاً دائماً في شبكية العين. تحذيرات من نوع آخر تعيد الاعتبار الى المنجمين العراقيين القدامى الذين كانوا يدينون بمكانتهم الكبيرة في بابل الى قدرتهم على التنبؤ بما يجلبه الكسوف من خير او شر. فالمنجمون الذين، هرعوا الى عقد مؤتمر دولي عاجل في بلايموث، يتوقعون ان يعقب الكسوف اكثر من "كسوف" في بلدان عدة. ومصمم الأزياء الفرنسي باكو رابان يتوقع منذ فترة نهاية العالم الوشيكة ثم تساهل اخيراً وأعلن ان محطة الفضاء الروسية "مير" ستسقط غداً على الكرة الأرضية. وللتدليل على جدية توقعاته اغلق حوانيته وغادر باريس التي يتوقع ان تدمرها المحطة الروسية. وقد يكون اكثر الاشخاص في العالم حاجة الى منجمي بابل هو العميد البريطاني المتقاعد غيغ وليامز المسؤول عن لجنة تنسيق الكسوف في منطقة كورنوال. العميد وليامز، الذي تعرفه مدينة عدن، حيث قضى شطراً من خدمته العسكرية، مسؤول عما يتوقع ان تكون اسوأ كارثة سياحية. التكتيكات العسكرية التي اتبعها في حشد الجهود المحلية استعداداً للحدث السياحي ادت الى الغاء عشرات آلاف الحجوزات في فنادق كورنوال. وكان العميد حذر الناس من "الازدحام وشحة الطعام وتسرب مياه المجاري". وأدى هذا الى هرب السياح الى مناطق بينها مدينة اصفهان في ايران. وانتهت النزعة العسكرية البريطانية لتحقيق النصر بأي ثمن بالعميد وليامز الى ان "يطلق النار على قدميه"، وفق تعبير صحيفة "ديلي تلغراف" في تعليقها على الموضوع. وتسود مشاعر التطير المنطقة الوحيدة التي ستشهد الكسوف الكلي في بريطانيا، على رغم ان اسواقها تعجّ بالبضائع الآن، بما في ذلك 63 ألف لفة ورق تواليت و27 ألف علبة فاصوليا!