آخر كسوف كلي للشمس في القرن العشرين سيحدث يوم الأربعاء 11 أغسطس من العام المقبل 1999. ينطلق الكسوف من شمال الأطلسي ويسحب ظله القاتم على شريط ضيق عبر الجانب الشرقي للكرة الأرضية، مروراً بانكلترا وبلدان وسط أوروبا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية. سورية والعراق هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان سيشهدان الكسوف الكامل. لكن جميع البلدان العربية سترى كسوفاً جزئياً تتراوح درجته تبعاً للمسافة التي تفصل كل بلد عن مسار الكسوف عبر الكرة الأرضية. وذكرت عالمة الفلك السورية الأميركية الدكتورة شادية رفاعي حبال لپ"الحياة" أن فريق باحثين عرباً وأميركيين سيشاركون في رصد الحدث الفلكي الكبير من الأراضي السورية. طلب ديوجين ستحظى منطقة الشرق الأوسط بأكبر حصة من الكسوف الكلي، الذي يختتم الألفية الثانية للميلاد. وسينشر الكسوف ظلاله الملونة بزرقة نيلية خلابة من السواحل التركية على البحر الأسود، ماراً بالأناضول وديار بكر في تركيا. وسيحول الكسوف الكلي النهار الى ليل في مدينتي المالكية ورميلان في سورية، وفي مدن الموصل وأربيل والسليمانية في العراق، وبختاريان وأصفهان في ايران، وكراتشي في باكستان، قبل أن يودع الأرض مع غروب الشمس في خليج البنغال. وتتوقع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أن تسود المنطقة يوم حدوث الكسوف ظروف جوية ملائمة للرؤية تماماً. فالجبهة الجوية الضعيفة التي تمتد من شمال ايران حتى شواطئ البحر المتوسط تجعل السماء صافية دون غيوم تحجب الرؤية. وسيحل الكسوف على الساحل القصي لتركيا قريباً من مدينة سينوب المشهورة منذ عصر الأغريق. في هذه المدينة عاش الحكيم الساخر ديوجين الأغريقي. وتسترجع النشرة الخاصة بالكسوف في موقع "ناسا"على الانترنت ذكرى لقاء الاسكندر المقدوني بالفيلسوف الساخر وسؤاله عما يستطيع أن يفعله له، فأجاب ديوجين: "أجل. تَنّحَ جانباً فانت تحجب الشمس عني"! لكن يُستبعد أن تطلب بلدان المنطقة من الكسوف أن يتنحى عنها. فالكسوف سيخفف حرارة شهر آب أغسطس بضع دقائق، ويثير نسائم منعشة في المناطق التي يغطيها ويجعل الطيور تعود الى أعشاشها متصورة هبوط الليل. ختام الألفية ويحدث أول تماس للظل القاتم للقمر في شمال المحيط الأطلسي على مسافة 300 كلم من نوفاسكوتيا، وذلك في الساعة التاسعة والنصف و57 ثانية حسب التوقيت الشامل. والتوقيت الشامل الذي يستخدم في تتبع حركة الكسوف هو التوقيت الدقيق للأرض المتبع علمياً ويقرب من التوقيت المحلي للمناطق المختلفة. ويتحرك الكسوف من مهبطه الأطلسي على جبهة عرضها 49 كلم قاطعاً المحيط، دون أن يمس اليابسة خلال 40 دقيقة الاولى. ويحدث أول تماس باليابسة، حين يصل الجزر البريطانية، حيث يسود الكسوف الكامل جزر سكلي الواقعة جنوب غرب انكلترا في الساعة العاشرة و10 دقائق. يستغرق الكسوف الكلي هنا دقيقتين ويبلغ عرضه مسافة 103 كلم ويسير بسرعة 910 أمتار في الثانية. وفي الساعة العاشرة و11 ثانية يبلغ الكسوف سواحل شبه جزيرة كورنويل، ويلتف خلال 4 دقائق التالية حول الساحل الجنوبي لانكلترا، حيث تسنح للمشاهدين هناك تذوق الطعم الساحر للكسوف الكلي. ولن تشهد العاصمة البريطانية لندن الكسوف إلاّ جزئياً، لكن مدينة بلايموث وهي أكبر مدينة بريطانية يمر فيها الكسوف الكامل ستحظى برؤيته فترة دقيقة و39 ثانية. ويتوقع أن تجتذب بلايموث ملايين المشاهدين من داخل وخارج بريطانيا. وفي الساعة 10 و16 دقيقة سيرحل الكسوف عن الجزر البريطانية مبحراً بسرعة عبر القناة الانكليزية الى ساحل نورماندي في فرنسا. ويقضي هناك 4 دقائق قبل أن يحط على اليابسة في شمال فرنسا. وستُحرم باريس، مدينة النور من رؤية الكسوف الكلي الذي سيكون على مسافة 30 كلم منها لكنها ستتمتع برؤية كسوف جزئي كثيف يضطر سكانها الى فتح الأنوار في عز النهار. ويواصل الكسوف سيره السريع شرقاً ماراً عبر جنوببلجيكا واللوكسمبورغ وألمانيا. ويغطي الكسوف الجزئي مناطق وادي الراين الجميلة ومدينة فرانكفورت ويمتد على جبهة يبلغ عرضها 109 كلم مغطياً كلياً مدينة شتوتغارت فترة دقيقتين و17 ثانية. وعلى رغم أن مدينة ميونيخ تقع على مسافة 20 كلم عن الخط المركزي للكسوف فان سكانها البالغ عددهم مليونان سيشهدون كسوفاً كليا فترة تزيد عن دقيقتين، إذا ساعدهم الحظ وكانت السماء صافية في ذلك الوقت. ويرحل الكسوف عن ألمانيا في الساعة 10 و41 دقيقة ماراً عبر النمسا حيث يجتاز جبال الألب ولن تشهد العاصمة النمساوية فيينا الكسوف الكلي، على رغم أن كثافته ستبلغ هنا نحو 99 في المئة. ويمر الكسوف عبر سلوفينيا وهنغاريا متجنباً عاصمتها بودابست وعابراً الى يوغسلافيا ورومانيا. هنا قرب مركز الكرة الأرضية سيحدث أكبر كسوف كلي وذلك في الساعة 11 و3 دقائق. وسيستغرق الكسوف على سفوح التلال الجنوبية الوسطى لرومانيا دقيقيتن و23 ثانية ويبلغ اتساعه 112 كلم ويسير بسرعة 680 متراً في الثانية. وسيتمتع سكان العاصمة الرومانية بخارست، التي تقع في مركز الكسوف بليل مظلم يستغرق فترة دقيقتين و22 ثانية، قبل أن يغادرها مجتازاً الحدود الرومانية البلغارية باتجاه البحر الأسود. ولن يعود الكسوف الى اليابسة إلاّ فوق تركيا، حيث ستشهد العاصمة أنقرة كسوفاً جزئيا في الساعة 11 و21 دقيقة. الشرق الأوسط ويشطر الخط المنحرف للكسوف تركيا نصفين تقريباً، لكنه سيتجنب العاصمة أنقرة واسطنبول. وستنفرد مدينة ديار بكر والمناطق الكردية برؤية الكسوف الكلي قبل أن يغادرها الى سورية. وذكرت الدكتورة شادية رفاعي حبال، الباحثة في مركز هارفرد سميثونيان لفيزياء الفلك في كيمبردج ماتساشوستس أن الكسوف سيمكث فترة تزيد عن دقيقتين في كل من مدينتي المالكية والرميلة قبل أن يجتاز الحدود الى العراق. ويستغرق الكسوف في العراق دقيقتين و5 ثوان، في كل من اربيل والسليمانية. وستحظى مدينة الموصل التي يقسمها الكسوف الكلي نصفين برؤية خلابة. لكن الكسوف لن يجرؤ على الاقتراب من بغداد، التي تظل على مسافة 220 كلم عن أقرب نقطة اليه. إلاّ أن الكسوف سيجعل مدناً صغيرة عدة في شمال العراق، مثل كويسنجق وحلبجة وطقطق ترى الليل في منتصف النهار. ويستغرق مرور الكسوف في ايران أكثر مما في أي بلد آخر، حيث يستغرق مكوثه فيها نحو نصف ساعة. ويتوقع أن يكون مشهد الليل في النهار ساحراً في مدينة أصفهان، التي تضم نصباً معمارية إسلامية خلابة. لكن معظم مسيرة الكسوف في ايران ستجري في مناطق جبلية وصحراوية قليلة السكان، قبل أن يغادرها الى بحر العرب ومنه الى باكستان التي سترى عاصمتها كراتشي كسوفاً كلياً فترة دقيقة و13 ثانية. هنا تتقلص جبهة الكسوف، لكن سرعته تزداد، حيث تبلغ كيلومترين في الثانية. ويصل الكسوف الهند وهي آخر بلد في مسيرته، حيث يبلغها في الساعة 12 و28 دقيقة. وستتاح لسكان كلكتا البالغ عددهم 11 مليوناً رؤية كسوف جزئي. وحالما يغادر الكسوف الكلي الهند يودع الكرة الأرضية فوق خليج البنغال، وذلك في الساعة 12 و36 دقيقه. سيستغرق الكسوف الكلي الأخير للقرن العشرين 3 ساعات و7 دقائق يقطع خلالها مسافة 14 ألف كلم ويغطي مساحة 2 في المئة من سطح الأرض. ولن يرى سكان العالم الكسوف مرة أخرى إلاّ في الألفية الثالثة، وذلك عام 2001. وعلى رغم مشاعر التشاؤم والتطير التي يثيرها الكسوف الكلي بين الناس منذ قديم الزمان فان علماء الفلك يعتقدون بأن الكرة الأرضية محظوظة به. فالكسوف الكلي ظاهرة فلكية خارقة لا تحدث إلاّ عندما يحجب القمر الشمس عن الأرض. ويتوقف استمرار الكسوف الكلي على موقع الأرض من مدارها حول الشمس، وموقع القمر في مداره حول الأرض. ولا يستغرق مرور الكسوف الكلي عادة فوق موقع معين أكثر من خمس دقائق. وأطول فترة ممكنة يقضيها الكسوف في موقع محدد هو 7 دقائق و31 ثانية. ولا يحدث ذلك إلاّ نادراً عندما يصطف كل شيء في ترتيب مناسب. شيء قريب من ذلك سيحدث في 25 حزيران يونيو عام 2150 وعندها سيستغرق الكسوف الكلي فترة 7 دقائق و14 ثانية، وسيكون هذا أطول كسوف كلي منذ القرن التاسع الميلادي. وعلى رغم حدوث كسوف جزئي في مكان ما من الأرض كل سنة ونصف، فإن فرص رؤية ذلك في سنة وموقع محددين قليلة جداً. فالفرق بين كسوفين في موقع محدد 350 عاماً. وقد أصاب البشر حظ كبير حين ظهروا على الأرض في أفضل أوقات الكسوف على الكرة الأرضية. تعتبر حدثا. فعلى رغم أن قطر الشمس أكبر من القمر 400 مرة، إلاّ أنه أبعد منها 400 مرة أيضاً لذلك يبدو القمر في حجم الشمس في السماء. لكن هذا لم يكن كذلك دائماً. فبسبب حركة المد والجزر يبتعد القمر تدريجياً عن الأرض. وكان القمر قبل بلايين السنين يبدو أكبر في السماء ويمكن أن يحجب ليس قرص الشمس وحده. وفي المستقبل البعيد سيبدو القمر أصغر عندما يبتعد أكثر عن الأرض وسيظل الجزء الخارجي من الشمس مرئياً دائما خلال الكسوف. وسكان الأرض محظوظون أيضاً في موقعهم من المنظومة الشمسية. فهناك مئات الأقمار في المنظومة الشمسية، لكن مقتضيات حدوث كسوف كلي نتيجة لوقوع القمر في موقع يجعل حجمه مماثلاً للشمس نادرة جداً. وقد لا يكون هناك سوى أقمار قليلة تدور حول الكواكب النائية يمكن أن تملك هذه المواصفات. فالشمس تبدو من هناك نجماً صغيراً لا يلفت النظر، ولن يقدم أي كسوف يحدث هناك مشهداً مماثلاً للأكليل الرائع الذي يشكله على الأرض.