لم يبق سوى ستة أسابيع تقريباً على حدوث آخر كسوف كلي للشمس في الألفية الثانية للميلاد. ملايين السياح حول العالم حجزوا مواقع في المناطق التي تقع على خط سير الكسوف الكلي الذي سيسحب يوم 11 آب أغسطس ظلاله الليلية الساحرة باتجاه شرق الكرة الأرضية، من شمال المحيط الأطلسي الى خليج البنغال، مروراً بأوروبا والشرق الأوسط. وسيهتز الناس وجلاً في اللحظة المثيرة التي تطبق فيها السماء على الشمس، كما ينطبق الجفن على عدسة العين. الظروف الجوية والآثار التاريخية تجعل أفضل مواقع رؤية الكسوف المقبل في تركياوالعراق وسورية وإيران. ويا حسرة صناعة السياحة العالمية. ضغوط السياسة الغربية تبعد ملايين الناس عن مناطق تجمع بين أفضل رؤية جغرافية للظاهرة الفلكية الفريدة وأعرق تراث تاريخي لرصد الكسوف. أول تماس للأرض مع ظل القمر الأسود الذي سيحيل النهار الى ليل سيحدث شمال المحيط الأطلسي في الساعة التاسعة والنصف صباحاً حسب التوقيت الدولي الشامل. التوقيت الشامل هو التوقيت الدقيق للأرض المتبع علمياً ويقارب التوقيت المحلي في المناطق المختلفة. وسيزحف الكسوف من مهبطه الأطلسي على جبهة عرضها 49 كلم، وأينما يخطو ستختفي الشمس جزءاً فجزءاً وتحل مكانها سماء فارغة. وقبل لحظة من الاختفاء الكلي للشمس يُقبل جدار ليل أسود أزرق غامق يسير بسرعة 2500 كلم في الساعة. أول تماس للكسوف مع الياسبة الأرضية سيحدث في جزر سكالي جنوب غرب أنكلتره، وأول مدينة يغطيها بجلبابه الأسود ستكون كورنوال البريطانية، لكن لا يتوقع أن تكون الأحوال الجوية مناسبة للتمتع بالمشهد الحافل حين ينفصل الجسم الأسود للقمر من السماء ويفترس الشمس. خيبة مماثلة سيواجهها السياح الذين ينتظرون الكسوف على الجانب الآخر للقناة الانكليزية. فالظروف الجوية المتوقعة غير ملائمة للتمتع بمشهد الكسوف الكامل، وهو يسحب جلبابه الليلي عبر شمال فرنسا والأقسام الجنوبية من بلجيكا واللوكسمبورغ ومناطق الراين الألماني. ويراهن كثير من السياح على هنغاريا ورومانيا ويوغسلافيا، حيث الظروف الجوية المتوقعة قد تكون ملائمة. لكن توقعات وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" تشير الى أن أفضل الأحوال الجوية لرؤية المشهد التاريخي ستكون في تركيا وسورية والعراق وإيران. هنا سيشاهد الناس الشمس وهي تنقضم وتصبح كفلقة برتقالة وسيتمتعون في عز النهارالساخن بالنسمات الليلية المنعشة، وتهرع الطيور الى أعشاشها معتقدة بقدوم الليل الذي سيحل فجأة في الأرض وفي السماء. وسيشطر الكسوف الكلي تركيا شطرين. فلن تشهده العاصمة الديبلوماسية أنقره ولا العاصمة التجارية أسطنبول، بل تنفرد برؤيته مدينة ديار بكر والمناطق الكردية، التي تتجنبها في الوقت الراهن حركة السياحة العالمية بسبب الأوضاع السياسية المتوترة. وفي العالم العربي ستنفرد برؤية الكسوف الكامل مناطق في شمال شرق سورية والعراق. لكن مدن عربية اخرى ستشهد كسوفاً كلياً تصل درجته الى حد 95 في المئة في بغداد والبصرة وأبو ظبي، فيما ستبلغ درجة الرؤية نحو 90 في المئة في دمشق وبيروت وعمان والكويت وقطر والمنامة، وتبلغ أكثر من 80 في المئة في الرياض وكثير من مدن وسط السعودية والامارات ونحو 70 في المئة في الاسكندرية والقاهرة. وسيمر الكسوف الكلي على مدينتي المالكية والرميلة في سورية قبل أن يجتاز الحدود الى العراق، حيث الفرجة الكبرى التي ستفوت على السياح الغربيين. هنا سيمر الكسوف على أرض بابل شمال بغداد التي شهدت أقدم الأرصاد الفلكية لهذه الظاهرة الفريدة. والسياحة في العاصمة العراقية نفسها فرصة ذهبية للتعرف على الأماكن التي شهدت ثورة علوم الفلك العالمية في عصر النهضة العربية الاسلامية. وستمر 135 سنة قبل أن يتكرر مرور الكسوف الكلي فوق أرض العراق، مهد الحضارة البشرية الذي يتعرض منذ 9 سنوات لقصف الطائرات الأميركية والبريطانية. ويستغرق مرور الكسوف الكلي في ايران نصف ساعة وهذا أكثر من أي بلد آخر. وسيكون مشهد الحلول المفاجئ لليل في عز النهار ساحراً في مدينة أصفهان التي تضم نصباً معمارية خلابة. لكن معظم مسيرة الكسوف في ايران سيتم في مناطق جبلية وصحراوية قليلة السكان، قبل أن يغادرها الى بحر العرب، ومنه الى باكستان، التي سترى عاصمتها كراتشي الكسوف الكلي فترة دقيقة و13 ثانية. هنا تبدأ جبهة الكسوف في التقلص وتزداد سرعته حيث تبلغ كيلومترين في الثانية. وستكون الهند آخر بلد يعرج عليه الكسوف قبل أن يودع الكرة الأرضية فوق خليج البنغال، وذلك في الساعة 12 و36 دقيقة. وسيستغرق الكسوف الكلي الأخير للألفية الثانية 3 ساعات و7 دقائق، يقطع خلالها مسافة 14 ألف كلم ويغطي مساحة تعادل 2 في المئة من سطح الأرض، ولن يرى سكان العالم كسوفاً كليا آخر إلاّ في عام 2001. تفاصيل الكسوف في موقع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" على الشبكة العالمية: http://sunearth.gsfc.nasa.gov/eclipse.html