إذا كانت الولاياتالمتحدة الأميركية اختارت يوم 7 تموز يوليو 1979، لتعلن انها تمنح الصين صفة الأمة الأكثر حظوة في المجال الاقتصادي وفي مجال التعاون المتبادل بين الدولتين، فإن هذا لم يكن مفاجئاً لأحد، في وقت كانت الصين تبدي العديد من اشارات "حسن السلوك"، تجاه الأميركيين من ناحية، وضد الاتحاد السوفياتي من ناحية ثانية. كانت سنوات قد مرت منذ انتهت حرب فيتنام، ومنذ بدأ الغزل يكبر بين الادارة الأميركية وبكين. ماو كان أصبح جزءاً من الماضي المتحفي. وبالنسبة الى صين دنغ كسياو بنغ الصورة، كان العدو الآن فيتنام والاتحاد السوفياتي. اما الولاياتالمتحدة الأميركية فإن العلاقات معها يجب أن تنمو وتزدهر، حتى وان كان البعد اللفظي في العلاقة المطاطة بين البلدين يجب أن يبقى على حاله وعلى مصطلحاته. فالشعارات شيء، والواقع السياسي شيء آخر. وهكذا، شهد ذلك العام، ومنذ بداياته، مجموعة من التطورات أتت لتتوج ما كان أقدم عليه الرئيس الأميركي جيمي كارتر عند زيارته للصين أواسط شهر كانون الأول ديسمبر من العام الفائت، حيث أعلن عن إعادة العلاقات الديبلوماسية بين بكينوموسكو، ولم تمض أيام حتى كان الزعيم الصيني دنغ يزور الولاياتالمتحدة الأميركية، زيارة اعتبرت انتصاراً كبيراً له. يومها كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" تقول تحت عنوان "انتصار السيد دنغ": "ان السيد دنغ قد تحرك، في عالم كان في الأصل غريباً عليه، بمهارة سياسية أثارت اعجاب المحللين والمراقبين في واشنطن، وعلى الرغم من أنه كان اعلن عن تخوفه إزاء كبار إعلاميي التلفزيون الذين استضافوه في برامجهم، فإنه تبدى خطيباً اعلامياً ومحدثاً مفوهاً". والحقيقة ان دنغ استخدم خلال زيارته، كل ما لديه من سحر، خصوصاً انه خاطب الأميركيين باللغة التي يحبون فهمها: حدثهم عن الخطر السوفياتي الذي تتعرض له بلاده. وكان دنغ بمقدار ما يشن هجومات لفظية على السوفيات بمقدار ما يلقى اعجاباً لدى محدثيه الأميركيين. ونجحت اللعبة نجاحاً كبيراً، الى درجة ان موسكو أسرعت تطالب واشنطن بتوضيح مواقفها الحقيقية ونواياها تجاه الاتحاد السوفياتي، وكتبت صحيفة "برافدا" تقول ان "الرأي العام السوفياتي لا يمكنه أن يبقى مغمض العينين تجاه واقع ان واشنطن اعطت رجل بكين منبراً كبيراً وعالمياً، يفتري من خلاله على الاتحاد السوفياتي، وذلك في حضور مسؤولين أميركيين". طبعاً، تعاملت السلطات الأميركية بحذر مع ذلك كله، وسرب مسؤولون أن واشنطن مستاءة من تصريحات دنغ. لكن كل ذلك لم يكن مجدياً. فالقيادة الصينية التي تشعر الآن بحاجة كارتر اليها، من أجل التصدي لتوسع النفوذ السوفياتي في آسيا ولا سيما في الهندالصينية، أدركت ان في امكانها أن تتدلل، وهكذا، خلال زيارة تالية قام بها دنغ كيساو بنغ الى الولاياتالمتحدة، في الشهر التالي، أصرّ الزعيم الصيني على أن يتضمن البيان الرسمي المشترك بين البلدين تنديداً واضحاً ب"الهيمنة السوفياتية". ومرة أخرى اضطرت واشنطن الى التوضيح، وبخجل. لكن بكين كانت تعرف انها أصابت المرمى. وهكذا ما أن حل شهر نيسان ابريل التالي حتى اعلنت الصين نقضها لمعاهدة الصداقة التي كانت عقدت مع الاتحاد السوفياتي في العام 1950. صحيح ان العمل بتلك المعاهدة كان توقف منذ زمن بعيد، لكن اشارة بكين كانت مليئة بالرمز. كانت رسالة واضحة. وكارتر فهم تلك الرسالة. لذلك حين كان ثمة نوع من التقارب لاح في الأفق، في العلاقات السوفياتية الأميركية، أواسط شهر حزيران يونيو التالي، حين وقع كارتر مع بريجينف، في فيينا اتفاقية "سالت 2"، كانت الادارة الأميركية تعلم ان عليها، في المقابل، ان تقدم هدية ما، لبكين، في سبيل خلق نوع من التوازن. وكانت "الهدية" في اعلان واشنطن يوم 7 تموز التالي عن منح الصين صفة الدولة الأكثر حظوة. وكانت تلك لحظة تاريخية في العلاقة بين أمتين اعتادت كل منهما ان تكن للأخرى حذراً وعداء شديدين، فجاء الموقف المشترك ازاء موسكو ليجمع بينهما.