المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    ميقاتي عقب لقاء لاريجاني: الأولوية لوقف عدوان إسرائيل وتطبيق «1701»    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الرابعة والعشرون . بوش : قال لي دينغ ان التطويق السوفياتي للصين استمر منذ فترة خروتشوف الى الآن وبعد تيانانمين ذكرته في رسالة بمبادىء بلدي ... الديموقراطية وحرية الكلام والتجمع
نشر في الحياة يوم 21 - 10 - 1998

يركّز هذا الفصل الرابع من كتاب "عالم تحوّل"، وعنوانه "فكُّ عقدة" على العلاقات الصينية - الاميركية، ويتضمن رواية شيقة لمحادثة جرت بين الرئيس الاميركي جورج بوش والزعيم الصيني دينغ شياو بنغ يشرح فيها الاخير اسباب مخاوف بلاده من "التطويق" السوفياتي. وقد دار ذلك الحديث بينهما قبل اربعة اشهر من حادثة ميدان تيانمين في بكين، والتي عرضت العلاقات بين واشنطن وبكين لهزّة قوية .
نقرأ في هذا الفصل ان وفاة الامين العام للحزب الشيوعي الصيني هو ياو بانغ أُقصي عن منصبه في 1987 بسبب ليبراليته في 15 نيسان ابريل 1989 ادت الى خروج آلاف الطلبة الى ميدان تيانمين اظهاراً للحداد ولكن ايضاً للمطالبة بمزيد من الحريات الديموقراطية والتحسينات العملية للاحوال في جامعاتهم.
كان دينغ شياو بنغ قد شرع في بذل جهد جديد للاصلاح الاقتصادي، لكن التغييرات التي احدثها أثارت مخاوف الحرس القديم في الحزب الذين وفّرت لهم تظاهرات الطلبة في 1986 و1987 الفرصة لخلع هو ياو بانغ وتعيين جاو جيانغ مكانه.
وكان من المقرر ان يزور الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الصين في 15 ايار مايو 1989 ولذلك كانت شبكات التلفزيون الغربية قد ارسلت طواقمها الى بكين لتصوير المناسبة. لكن العدسات والاضواء ركزت على احداث تيانمين. وعشية وصول غورباتشوف بدأ مئات من الطلبة اضراباً عن الطعام في الميدان ولم تستطع السلطات اخراجهم من هناك، واضطرت الى اجراء الاستقبال الرسمي لغورباتشوف في المطار بدلاً من اجرائه عند صالة الشعب الكبرى المتاخمة للميدان، والى الغاء فقرات عدة من برنامج زيارته.
غادر غورباتشوف بكين الى شنغهاي في 18 ايار مايو، وعندئذ عادت الزعامة الصينية الى مواصلة معركتها المؤجلة مع الطلبة. ومساء ذلك اليوم، وفي برنامج تلفزيوني حامٍ، جادل رئيس الوزراء ممثلي الطلبة وحاضرهم عن الفوضى التي يسببها الطلبة معلناً ان الحكومة لن تقف مكتوفة الايدي.
وفي ليل 2 حزيران يونيو شقّ جنود ودبابات طريقهم الى الميدان واطلقوا الرصاص منهين الاعتصام في الميدان نهاية دموية.
يقول جورج بوش: "كنت أراقب الاحداث في الصين بتحسب كبير، لكن وحشية الاجراء الصارم النهائي بعد اسابيع من التسامح النسبي فاجأتني. يوم الاحد، 4 حزيران يونيو، كنت في كنيبنكبورت لقضاء عطلة نهاية الاسبوع بعد رحلتنا الاوروبية. اتصلت فوراً بجيم ليلي، الذي كان منذ نيسان ابريل سفيرنا في بكين. أبلغني جيم ان الامور كلها كانت هادئة صباح يوم الاثنين ذاك، حسب توقيت بكين. لكنه كان قلقاً بشأن سلامة الطلبة الاميركيين في الجامعة. …".
"كانت النقطة الاولى والواضحة ان نظهر اننا نعتبر الاجراء العسكري الصارم غير مقبول وان نصوغ بياناً علنياً … لم أرد معاقبة الشعب الصيني على اعمال حكومتها. كنت اعتقد ان الروابط التجارية بين بلدينا قد ساعدت في فتح الطريق للمطالبة بمزيد من الحرية. اذا كان عند الناس حوافز تجارية، سواء في الصين او اي انظمة اخرى شمولية، فان التحرك نحو الديموقراطية يصبح عنيداً. لهذا السبب أردت تجنب قطع العلاقة التجارية برمتها. وبدلاً من ذلك، قررت تعليق المبيعات العسكرية والاتصالات. …".
ويتابع بوش قائلاً "… شعرت بثقة اننا نتخذ الخطوات الصحيحة. وكان لي اهتمام شديد بالصين واعتقدت انني افهمها جيداً الى درجة معقولة، تكفي لقيامي بتوجيه سياستنا نحوها عن قرب. كانت خبرتي تعود الى الايام التي كنت فيها سفيراً لدى الامم المتحدة … لكن الوقت الذي قضيته رئيساً لمكتب التنسيق الاميركي في بكين هو الذي اكسبني تقديري العميق والدائم لذلك الشعب الرائع، الذي يشكل خمس سكان العالم … قضيت اكثر من سنة في الصين وحاولت معرفة الزعماء والناس قدر ما استطعت. كانت ديبلوماسيتنا مع الصين في ذاك الوقت نشيطة جداً ومع ان وزير الخارجية هنري كيسينجر سيّر قدراً كبيراً منها، فقد كان العمل مثيراً وابقاني مشغولاً …".
يروي برنت سكوكروفت ان فريق الرئيس بوش فكّر خلال فترة الانتقال الرئاسي في امكانية قيام الرئيس بزيارة الى الصين في الاسابيع المبكرة من عهد الادارة، خصوصاً بعد ان اعلن غورباتشوف انه سيزور الصين . ثم يقول انه لم يكن هناك سبيل لتبرير رحلة الى الصين في ربع السنة الاولى من عهد الرئيس. ولكن لاحت الفرصة عندما قرر بوش حضور جنازة امبراطور اليابان هيروهيتو في 7 كانون الاول ديسمبر 1989، وحدد يوم 24 شباط فبراير موعداً لتشييع الجنازة. ويقول سكوكروفت ان الرحلة الى اليابان وفّرت فرصة للتوقف في بكين لاجراء مناقشات استراتيجية قبل تاريخ زيارة غورباتشوف بوقت طويل. وهكذا جرى ترتيب "زيارة عمل" ومحادثات مع كبار الزعماء الصينيين، بمن فيهم دينغ شياو بنغ، ولي بنغ، وجاو جيانغ. و"هذه الرحلة جعلت الرئيس بوش اول رئيس اميركي يسافر الى آسيا قبل اوروبا وهي من علائم الاولويات في العهد الجديد".
جورج بوش
"مساء وصولنا الى بكين في 25 شباط فبراير، اجتمعت مع الرئيس يانغ شانغكون. اكد لي ان العلاقات الصينية مع الاتحاد السوفياتي لن تكون كما كانت عليه في الخمسينات. لن يكون هناك تحالف عسكري او علاقة عسكرية . واضاف: "لن نعرض للخطر لأي سبب مصالح اي بلد ثالث بتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفياتي …".
"صباح اليوم التالي عقدت اجتماعاً رسمياً مع لي بنغ، ومعه نائب رئيس الوزراء وو شوكيان، ووزير الخارجية كيان كيشين في غرفة شنيانغ في قاعة الشعب الكبرى. ومثل يانغ، شدد لي على ان زيارة غورباتشوف المقبلة هي جزء من جهد لجعل العلاقات عادية مع الاتحاد السوفياتي، لكنهم لا يسعون الى تحالف. قال: "بصراحة لا نعرف الى اي مدى سيغيّر الاتحاد السوفياتي سياسية لا بد لنا ان ننتظر لنرى". قال انه يعتقد ان ثمة امكانية بأن السوفيات سيضطرون الى خفض نفقاتهم العسكرية لكي يطوروا اقتصادهم. وليس من شأن هذا الا ان يخفف التوترات العالمية. "لكن الاتحاد السوفياتي يواجه مصاعب هائلة في تطبيق بيريسترويكا. نشعر ان ]هذه[ حدثت لأن المواطنين السوفيات لم يكسبوا اي فوائد عملية من بيريسترويكا، هناك كلام طنان اكثر من الفوائد، لذا فان الناس غير متحمسين… …".
ثم يقول بوش ان رئيس الوزراء الصيني اعرب عن امله، في ما يتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة، عن تحقيق المزيد في المجال الاقتصادي، بزيادة الاستثمار الاميركي، لكنه حذر من محاولة الاميركيين التأثير في سياسات الصين.
دينغ يتحدث
يصف بوش لقاءه التالي خلال الزيارة: "بعد المناقشة مع لي بنغ اجتمعت على الفور تقريباً مع دينغ شياو بنغ، زعيم الصين المتقدم في العمر، وهو احد المخضرمين في كفاح الحزب للوصول الى السلطة. كان دينغ شخصية فاتنة. كنت قد التقيته للمرة الاولى عندمما ترأست مكتب التنسيق وقام كل من فورد وكيسينجر بزيارة …".
ثم يعود بوش الى وصف اللقاء مع دينغ خلال زيارة العمل فيقول: "في اجتماعنا في 1989، كان اكثر ما اراده دينغ التحدث عن العلاقة الصينية - السوفياتية. اكد لي هو ايضاً ان رحلة غورباتشوف ليس القصد منها اعطاء اشارة الى تجديد تحالف قديم ضد الولايات المتحدة. قال هازّاً رأسه: "حتى الآن لا اعرف كم هدية سيحضر. لا اعرف حتى ما سيحدث بخصوص انسحاب القوات الفيتنامية من كمبوديا". تذكر دينغ فترتي في الصين واهتمامي بهذا البلد، وقال ان هذه الزيارة علامة جيدة للمستقبل. وقد لا نتفق في كل شيء، لكنه يأمل بنمط جديد في العلاقات الصينية - الاميركية. وأقرّ بأنها لن تكون علاقة استراتيجية، وانما علاقة ثقة متبادلة نستطيع فيها تقليص المشكلات بيننا الى ادنى حد. ثم بدأ دينغ تقديم وصف فاتن لنظرته الى العلاقات الصينية - السوفياتية. كان نفاذاً نادراً الى افكاره، وسررت بأنه شعر بارتياح كاف ليشاطرني إياها وأنه أراد للولايات المتحدة ان تفهم نياته.
"بدأ بالقول: "الصين، كالولايات المتحدة، تحسن علاقتها مع الاتحاد السوفياتي". ولكن، كما وجدت مشكلات كثيرة كبيرة بين الاميركيين والسوفيات، فان الشيء نفسه كان قائماً بين بكين وموسكو. وذكّرني: "في الحقيقة، الصين والاتحاد السوفياتي قطعا الاتصال بينهما في 1963. خمس وعشرون سنة كاملة انقضت منذ ذلك. العلاقات الصينية - الاميركية قطعت في 1949 واستؤنفت في 1972... كان هذا قبل ست عشرة سنة. لقد استمرينا في تحقيق تقدم...". اذا نجحت المحادثات مع غورباتشوف، وصارت العلاقات عادية، ما الذي سيتبع ذلك؟ مجيباً عن سؤاله قال: "شخصياً، اعتقد ان هذا ما يزال امراً مجهولاً. الواقع هو ان هناك مشكلات متراكمة كثيرة. والاكثر من هذا، ان لها جذوراً تاريخية عميقة. الشعب الصيني يعنى عناية خاصة بالتاريخ. في الصين المسألة هي ان الصين اخضعت لاذلال وغزو من جانب قوى اجنبية تدخلت في شؤونها الداخلية. لقد استمر ذلك مئة وخمسين سنة، من اندلاع حرب الافيون في 1840. في فترة القرن ونصف القرن تلك، كبدت قوى اجنبية الشعب الصيني خسائر فادحة. ولكن بصورة عامة، كان هناك بلدان سببا معظم الضرر. اولهما اليابان، والثاني روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي. من ناحية مَن حصل على اكثر الفوائد الملموسة من هذه الحروب مع الصين، الجواب هو روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي. اليابان سببت معظم الضرر. عشرات ملايين الارواح فقدت، والضرر لا يمكن تقديره من ناحية مالية. ولكن، في النهاية، لم تحصل اليابان على اي ارض صينية. من ناحية المسائل الجغرافية بين الصين واليابان، هناك فقط جزر ديوايوتي... اقترحنا وضع هذه المشكلة على الرف في الوقت الراهن...
وتابع قائلاً: "الوضع مختلف بخصوص روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي. ما اكتسبه السوفيات بعد الحرب العالمية الثانية كان ارضاً صينية - اكثر من مليون كيلومتر مربع... أودّ أن اضيف ان احدى نتائج مؤتمر يالطا الذي عقده الاتحاد السوفياتي وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت تقسيم الصين... هذه المسألة كانت بصورة رئيسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. لكن لأن تشيانغ كايشيك هزم في الصين، لم تكسب الولايات المتحدة اي شيء. انني اتحدث تاريخياً ولا احاول الاساءة اليك".
"قلت: "انت لا تسيء اليه. انا ايضاً لا احب يالطا. بالنظر الى الماضي، لم تكن يالطا امراً جيداً. لقد وعدت بانتخابات حرة في أوروبا الشرقية، وهي لم تحدث بعد".
استمر قائلاً: "يالطا لم تفصل منغوليا الخارجية عن الصين وحسب، وانما وضعت ايضاً الجزء الشمالي الشرقي من الصين في الفلك السوفياتي. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية كانت مطالباتنا الأولى للاتحاد السوفياتي هي استعادة سكة حديد تشانغتشون وميناء آرثر الى السيادة الصينية. عندئذ فقط تأكدت سلطة جمهورية الصين الشعبية في شمال شرقي الصين... اثرنا مسألة منغوليا الخارجية، لكن السوفيات لم يستجيبوا. ....
"السيد الرئيس، انت صديقي. آمل بأن تنظر الى الخريطة لترى ماذا حدث بعد ان سلخ الاتحاد السوفياتي منغوليا الخارجية عن الصين. اي وضع استراتيجي وجدنا أنفسنا فيه. اولئك الذين يزيد عمرهم عن خمسين في الصين يتذكرون ان شكل الصين كان مثل ورقة القبقب. الآن، اذا نظرت الى خريطة، رأيت قطعة كبيرة من الشمال مقطوعة... الوضع الاستراتيجي الذي ذكرته سلبي جداً بالنسبة الى الصين... هذا التطويق استمر من فترة خروتشوف وعبر فترة بريجنيف الى الوقت الحاضر.
"على الحدود الشمالية والغربية للصين حشد السوفيات اعداداً ضخمة من الجنود والصواريخ. اضيفت الهند ثم فيتنام. الآن السوفيات لهم حقوق عبور جوي عسكري فوق كوريا الشمالية، تسمح لهم بالاتصال بخليج كام رانه في فيتنام. طائراتهم تستطيع الآن القيام باستطلاع جوي فوق الصين. كيف لا يمكن ان تشعر الصين ان التهديد الأكبر يأتي من الاتحاد السوفياتي؟ ان هذا هو السبب في اننا نعالج مسائل تطبيع العلاقات الصينية - السوفياتية. لقد اثرنا عقبات عديدة ينبغي ازالتها بالخطر الذي يمثله التطويق على الصين يجب ازالته.
"بسبب ما تقدم تحديدا اولت الصين في زمن الزعيم ماو ورئيس الوزراء شو انلاي اهتماما لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، واليابان. لقد قلت هذا كله لأبين ان الصين توصلت الى هذا القرار الاستراتيجي مراعاة لمصالحها الخاصة. لم يكن ذلك مسألة لعب "اوراق" بعضنا ضد بعض، ولم يكن مسألة ملاءمة. لقد شرحت هذه الفقرة من التاريخ لأعطي الناس نقطة انطلاق واضحة لفهم سياسة الصين الخارجية وتنميتها الاقتصادية. في السنوات القليلة الماضية لم نؤد عملاً جيداً في مجال تعليم الشباب في الصين. لا يفهمون هذه النقطة. بدأنا نولي هذه المشكلة اهتماماً، ولكن سيكون من الصعب اظهار نتائج فورية.
"قلت قبل قليل اننا لسنا على بينة مما سيحدث بعد ان يأتي غورباتشوف الى بكين. اهم مسألة هي ما اذا كان السوفيات سيفككون تطويقهم للصين. في هذا الصدد، افغانستان وكمبوديا هما اهم مسألتين. لنا حدود مشتركة مع افغانستان، برغم انها قصيرة جداً. ومسألة اخرى هي ماذا يجب ان يكون الأساس لتطبيع العلاقات الصينية - السوفياتية؟ بسبب هذا التاريخ الماضي، هل يستطيع اي احد ان يقول حقا ان الصين والاتحاد السوفياتي سيستعيدان علاقات وثيقة، مماثلة لما كانت عليه في الخمسينات؟ لا، هذا لا يمكن عمله...".
في ذلك اليوم اجتمعت مع جاو جيانغ، الذي قال لي ان الاصلاح الاقتصادي لا يمكن عكسه في الصين. الشعب الصيني يدعم الاصلاح، لكن من المحتمل انهم غير مستعدين عقلياً لمدى الصعوبات والتعقيدات ...".
ثم يقول بوش: "كنت غادرت بكين متفائلاً بأننا قد أرسينا بعض الأسس المهمة لفترة مثمرة في علاقاتنا الديبلوماسية، برغم مخاطر الاضطراب في شؤون الصين الداخلية. الآن، بعد اشهر قليلة من ذلك، اضرت احداث تيانمين المفجعة، وهي احداث بدأت ببعض الأمل في حل سلمي، ضرراً خطيراً بمكاسبنا التي اكتسبناها بمشقة. ...".
كتب بوش في مفكرته يوم 5 حزيران يونيو: "... تحدثت الى نيكسون في الساعة 8.00 صباحاً، وكان يقول: "لا تعطل العلاقة. ما حدث عولج بطريقة سيئة ويستحق التنديد، لكن انظر الى المدى الطويل". قلت له انني لن استدعي السفير ليلي، ورأى ان هذا جيد. ...".
لكن الوضع المعقد ازداد سوءاً عندما ظهر منشق شهير، فانغ ليزهي، وهو عالم فيزياء فلكية محترم جداً، في السفارة الاميركية في بكين وطلب اللجوء. وكان فانغ منتقداً للحكومة بصوت مرتفع منذ بعض الوقت.
حاول بوش الاتصال هاتفياً مع دينغ لكنه لم يفلح. ويقول بوش: "كنت محبطاً عندما صد الصينيون محاولتي لبحث الامور في صورة مباشرة. ... ان لم استطع التحدث الى دينغ، فقد قررت ان اشرح برسالة ما اشعر به وامكانية ارسال مبعوث، لمحاولة اعادة العلاقة الى سكتها، مهما يكن ذلك تدريجياً. اردت رسالة من قلبي مباشرة، لذا الفتها بنفسي".
عبر بوش في رسالته عن حرصه الشديد على المحافظة على العلاقات مع الصين، مؤكداً انه بذل قصارى جهده لعدم التدخل في شؤون الصين الداخلية او الظهور بمظهر من يملي عليها "كيف يجب ان تدير ازمتها الداخلية". ثم قال في الرسالة:
"... لدي اجلال عظيم لتاريخ الصين، وثقافتها وتقاليدها. لقد قدمتم الكثير لتطور المدنية الانسانية. لكنني اطلب منك كذلك ان تتذكر المبادئ التي اسس عليها بلدي الفتي. تلك المبادئ هي الديموقراطية والحرية - حرية الكلام، حرية التجمع، والحرية من السلطة المتعسفة. ان الاجلال لهذه المبادئ هو الذي يؤثر في صورة حتمية في الطريقة التي ينظر بها الاميركيون الى الاحداث في البلدان الاخرى ويستجيبون لها. … وهذا يقودني مباشرة الى المشكلة الجوهرية. الايام الباكرة لتظاهرة الطلبة، بل والمعاملة الباكرة للطلبة على ايدي الجيش الصيني، اسرت خيال العالم برمته … بناء على المبادئ التي وصفتها اعلاه، فان الاجراءات التي اتخذتها كرئيس للولايات المتحدة ما كان يمكن تجنبها … هناك ايضاً مسألة فانغ ليز هي. في الدقيقة التي سمعت فيها انه موجود في سفارتنا، عرفت ان اسفيناً بارزاً سيُدقُّ بيننا. فانغ لم يُشجَّع على المجيء الى السفارة، ولكن في ظل تفسيرنا المقبول على نطاق واسع للقانون الدولي لم نستطع رفض ادخاله".
عرض بوش ارسال مبعوث الى الصين وطلب من دينغ ان يبلغه ما اذا كانت هذه المفكرة مساعدة في نظره لكي يتعاونا بعدئذ في ضمان سرية مهمة المبعوث. وسلم برنت سكوكروفت رسالة رئيسه الى السفير الصيني في واشنطن هان شو، شارحاً له ان الرئيس بوش يريد الاتصال مباشرة مع دينغ ولكن في سريّة تامة. "قال هان انه يستطيع عمل ذلك وكان متحمساً لفكرة ارسال مبعوث".
اختار بوش مستشاره لشؤون الامن القومي مبعوثاً الى الصين لمقابلة دينغ وقرر ان يرسل معه لورانس ايغيلبيرغر. وكانت المهمة حرجة وحساسة وتطلبت درجة عالية من التكتم، اذ، كما يقول بوش في مفكرته في 24 حزيران يونيو: "… الصين تهاجم الولايات المتحدة لتدخلها في شؤونها الداخلية، ونحن ننتقد الصين، ولكن ليس بالحدة التي يود معظم اعضاء الكونغرس استخدامها … الصين عادت قليلاً الى المسار مع السوفيات، ويمكنهم الصينيون فعلاً ان يعودوا في صورة اقوى اذا قطعناهم عن الغرب. دينغ ما زال يقلق من "التطويق"، وانا ايضاً. …".
سافر سكوكروفت وايغيلبيرغر الى الصين على متن طائرة شحن عسكرية في سرية تامة، الى درجة ان الدفاعات الجوية الصينية التي لم تبلغ بأمر رحلتها كادت ان تسقطها.
التقى سكوكروفت وايغيلبيرغر مع دينغ الذي بدأ حديثه باشارته الى انه يثق بالرئيس بوش. قال: "انه لا يقول الشيء الكثير لجهة استعمال كلمات فارغة او كلمات غير صادقة. هذا هو السبب في انني حتى قبل انتخاباتكم العامة عبرت عن الامل بأن ينتخب رئيساً… غير انه لم يكن محظوظاً بالمرة لأنه بعد وقت قصير من تسلمه المنصب … اندلع الاضطراب في الصين. كان هذا حادثاً مزلزلاً ومن المؤسف جداً ان الولايات المتحدة متورطة اعمق مما يجب فيه… اننا نشعر منذ بداية هذه الحوادث قبل اكثر من شهرين ان الاوجه المتنوعة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية قد وضعت الصين في زاوية. هذا هو شعورنا هنا… لأن هدف التمرد المضاد للثورة كان اطاحة جمهورية الصين الشعبية ونظامنا الاشتراكي. اذا ما نجحوا في بلوغ ذلك الهدف فان العالم سيكون عالماً مختلفاً. بصراحة، يمكن حتى ان يؤدي هذا الى حرب".
ثم يرى سكوكروفت ان دينغ قال ان الشيء الكثير مما يقال عن الحوادث في ميدان تيانمين كان اشاعات، وان الكونغرس الاميركي اتخذ اجراءات ضد الصين بناء على مثل تلك الاشاعات. واعتبر ان العلاقات الصينية - الاميركية في حال خطرة، لكنه اضاف ان كون الرئيس بوش قد ارسل مبعوثين هو عمل حكيم. واستدرك قائلاً: "يبدو لي انه ما يزال هناك امل في الحفاظ على علاقاتنا الطيبة اصلاً. اعتقد ان هذا هو امل الرئيس بوش. انه ايضاً الامل الذي اشاطره اياه. غير ان مسألة هذه طبيعتها لا يمكن ان يحلها شخصان من منظور كونهما صديقين".
يواصل سكوكروفت السرد مشيراً الى دينغ: "جادل بأن سبب الخلافات بين بلدينا لا يعود الى ان الصين اساءت الى او اعتدت على مصالح الولايات المتحدة. انها الولايات المتحدة التي اعتدت على نطاق واسع على المصالح الصينية وجرحت الكرامة الصينية". بخصوص كيفية حل القضية، هناك مثل صيني - "يتوقف على الشخص الذي ربط العقدة ان يفكها". ان املنا هو ان الولايات المتحدة ستسعى في معرض عملها في المستقبل الى فك العقدة". يتوقف على الولايات المتحدة الكف عن اضافة وقود الى النار. اضاف ان بكين لم تفرغ من قمع الزعماء المضادين للثورة. "الصين ستثابر في معاقبة اولئك المحرضين على التمرد ومديره من وراء الستار وفقاً للقوانين الصينية. …".
قال سكوكروفت في سياق رده على دينغ ان الجانبين الاميركي والصيني كليهما افادا من العلاقة "استراتيجياً في ما يتعلق بالاتحاد السوفياتي، ومن ناحية الاستقرار الذي جلبته علاقتنا للعالم ككل. واخذنا اقتصادياً ايضاً. …". واوضح لدينغ ان "الرئيس بوش اتخذ خطوات معينة يعتقد انها ضرورية ومناسبة ايضاً في ظل الظروف. لقد احتجيتم على خطواته هذه، بينما هاجمه الكونغرس وقسم كبير من الصحافة على عدم التصرف بقوة كافية". وشرح له ان ما يفعله الصينيون الآن، وكيف يفعلونه "سيكون له وقع كبير على الرأي في الولايات المتحدة وفي كل انحاء العالم الغربي".
قال دينغ انه يأمل بأن تفهم الولايات المتحدة وشعبها نقطة واحدة. "اعتقد ان المرء يجب ان يفهم التاريخ. لقد حققنا النصر المتمثل في تأسيس جمهورية الصين الشعبية بخوض حرب استمرت احدى وعشرين سنة بكلفة تزيد عن عشرين مليوناً من الارواح، حرب خاضها الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي. … الشيء الثاني هو يجب ان يتفهموا ان الصين بلد مستقل، مما يعني عدم التدخل من قبل الاجانب …". ويعلق سكوكروفت بأن دينغ لم يتفق مع الكثير مما قاله، وتابع يقول: "بالنسبة الى انهاء هذه الحلقة غير السارة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، دعني اكرر فقط ان علينا ان نرى اي نوع من الخطوات ستتخذ الولايات المتحدة". وبتلك الكلمات غادر دينغ النقاش.
يشير سكوكروفت بعدئذ الى اللقاء مع رئيس الوزراء لي بينغ: "كان مقتنعاً بأن ليس لدينا فكرة واضحة عما يحدث، او معلومات دقيقة. اصر على ان حصيلة القتلى التي اعطيت في الغرب مغلوطة، لم تكن 1000 او عشرات الآلاف وانما 310 او نحو ذلك، والعدد يشمل اعضاء في جيش التحرير الشعبي كذلك وان 36 طالباً فقط توفوا. …".
يقول جورج بوش في نهاية هذا الفصل: "برنت ولاري انجزا الرحلة على نحو جميل، وجاء برنت الى مين لاطلاعي في 3 تموز يوليو، في اليوم التالي لعودته. حتى الآن نجح جهدنا لابقاء النقاش مع الصينيين طي الكتمان. ومع شدة انشغال تفكيري بالصين، طرت الى اوروبا الشرقية".
ثم يقول في مفكرته: "اليوم هو 9 تموز يوليو، ونمضي منذ ثلاث ساعات في طريقنا الى بولندا. تحتنا محيط اطلسي ازرق مشرق يمكنك ان تراه الى الأبد، ومحركات طائرة سلاح الجو رقم واحد، الزرقاء والفضية اللامعة، وراء كتفي الأيمن… الصين ما زالت تقلقني… لسنا نرى اي شيء اريد حقاً ان تفعله الصين لكي نحل المشكلة الحالية في العلاقات المتوترة، ولا اعتقد ان اي بلد غربي آخر يرى شيئاً كهذا. … ما دامت الصين تحاول ان تقول ان مذبحة لم تحدث في ميدان تيانمين، وانه لم تفقد ارواح سوى ارواح جنود صينيين، فان المسألة لن تكون هادئة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.