بين 10 و12 نيسان ابريل الماضي عقد في دمشق "اجتماع دولي لوضع استراتيجيا للتقريب بين المذاهب الإسلامية" نظمته مؤسسة الإمام الخوئي وحضره ممثلون عن المذاهب الإسلامية: الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي والجعفري والزيدي والإباضية. الموضوع ليس جديداً، كما أن الاجتماع يضاف الى عشرات المؤتمرات التي عقدت لمعالجة الموضوع نفسه منذ منتصف هذا القرن. وإذا كانت البحوث التي قُدمت في الاجتماع أغنت البحث نظرياً إلا أن المقترحات العملية ما زالت غائبة على مستوى الدول الإسلامية. ولا شك في أن هناك اجماعاً على القول أن الاختلاف المذهبي هو اختلاف اجتهادي في فروع الدين وليس في أصوله. لذلك يمكن القول إن المؤتمرين لم يخرجوا من اجتماعهم بأكثر من النصح كما في المؤتمرات السابقة. وإذا كان من طبيعة الإمبراطوريات عبر التاريخ أن تنشأ قوية منيعة الجانب ثم لا تلبث مع مرور الزمن أن تنهار بفعل عوامل عدة، لعل أبرزها تخلي الخلف عن القيم والقواعد والتقاليد التي قامت على أساسها... فالإمبراطورية الإسلامية لم تشذ عن هذا النمط التاريخي هي الأخرى. فما هي الأسباب ولماذا حدث الانهيار؟ قبل أن ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى جوار ربه، ترك لخلفائه وسائر المسلمين قيم وقواعد الدولة العادلة ذات الأبعاد الإنسانية المنفتحة على المعارف والعلوم. ولكنه ترك باب الاجتهاد مشرعاً أمام خلفائه ومن جاء بعدهم من فقهاء وعلماء دين. وإذا كان القرآن الكريم هو قاعدة التشريع، اضافة الى الأحاديث والسنّة النبوية، فإن غياب النبي وضع المسلمين وأولي الأمر فيهم أمام واقع مستجد كان عليهم مواجهته بما اكتسبوه من تعاليمه وارشاداته. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة في بعض الأمور الدنيوية الطارئة على قاعدة "خذوا الأمر شورى بينكم" توحيداً للرأي، ويأخذ ببعض الآراء ولا يأخذ ببعضها الآخر، فإن هذه القاعدة الديموقراطية لم تطبق بعد رحيله كما أراد لها أن تطبق، فتعددت الاجتهادات واختلفت حول كثير من الأمور، وان كانت غير إيمانية. فأدى ذلك الى نشوء المذاهب والفرق الإسلامية وانحاز المسلمون الى هذه المذاهب وتفرقوا شيعاً وانعكس ذلك خلافات سياسية. يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في مقدمة كتابه "الفقه على المذاهب الخمسة": "... ومهما يكن، فكلنا يعلم أنه لم يكن في الصدر الأول للإسلام مذاهب وفرق حين كان الإسلام صفواً من كل شائبة، وكان المسلمون في طليعة الأمم، ويعلم علم اليقين أن هذه الفرق والمذاهب باعدت بين المسلمين، وأقامت بينهم حواجز وفواصل حالت دون قوتهم وسيرهم في سبيل واحدة ولغاية واحدة، وان المستعمرين وأعداء الإسلام وجدوا في هذه التفرقة خير الفرص للاستغلال". على أن المشكلة المركزية تبقى اليوم كامنة في تعدد المذاهب والمرجعيات الاجتهادية وتقيد الفقهاء المحدثين أو بعضهم باجتهادات الأقدمين من دون ان يأخذوا في الاعتبار تغير الأزمان وتطور ظروف الحياة العصرية والتقدم العلمي الهائل الذي بلغته الإنسانية في يومنا هذا. أليس في الحديث الشريف "ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها" ما يدعو الفقهاء وعلماء الدين أن يجددوا في أحكامهم واجتهاداتهم بما يتلاءم مع مقتضيات العصر؟ ان مراعاة مصالح الناس قاعدة أساسية في التشريع الإسلامي في أي زمان ومكان. وعند تضارب المصالح تُقدم المصلحة العامة على ما سواها. لذلك لا بد من السعي الجاد الى توحيد المذاهب الإسلامية خصوصاً أن نقاط الاختلاف قليلة جداً بينما نقاط الاتفاق كثيرة تكاد تقارب التسعين في المئة كما يذكر العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه آنف الذكر، حيث ركز على هذه النقاط من دون أن يبدي رأياً شخصياً تاركاً للفقهاء وعلماء الدين من مختلف المذاهب أن يتولوا هذه المهمة استناداً الى النص القرآني والأحاديث الشريفة المثبتة. ان التطور هو سنّة الحياة، ومبدأ "تغير الأحكام بتغير الأزمان" هو من الثوابت في التشريع الإسلامي. ولا بد إذاً للمسلمين من مواكبة هذا التطور الإنساني الذي نشهده في مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد وقضايا الإدخار والمصارف التجارية وعقود التأمين الخ... وهي أمور مستجدة ولكنها ملازمة لحياتنا المعاصرة، فلا يتهمون بالتخلف الذي يعزوه بعض المفكرين الغربيين الى الإسلام كدين سماوي لا الى المسلمين أنفسهم، ومنهم طائفة من الفقهاء يدعون الى الأخذ بأحكام صدرت في زمان وظروف غير هذا الزمان وظروفه. فهل نتجاهل الظروف المستجدة الملازمة لحياتنا اليومية أم نتصدى لها ونصدر بشأنها الأحكام الفقهية الموحدة تيسيراً لشؤون الناس وتجديداً لأمور دينهم، فضلاً عن إزالة الشوائب الماضية؟ ان توحيد كلمة المسلمين في الأمور الفقهية هو المدخل الى توحيد كلمتهم سياسياً واقتصادياً، وهو عبء يسير يقع على عاتق أولي الأمر فينا من فقهاء وعلماء ومفكرين... فهل يفعلون؟