تواجه صناعة النقل الجوي في العالم العربي تحديات كبيرة أبرزها عدم قدرتها على التكيف مع التطورات السريعة التي تشهدها الأسواق الأكثر نضجاً في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، والأسواق السريعة النمو في جنوب شرقي آسيا وآسيا- الباسيفيك. وتحتاج الأساطيل الجوية العربية إلى شراء قرابة 700 طائرة على مدى 17 عاماً بقيمة تناهز 55 بليون دولار، مما يعني تبني خطط استثمار جديدة، وضخ مبالغ تعادل ما انفقته الشركات العربية حتى الآن على بناء أساطيلها وتطويرها. إلا أن أياً من مشاريع التطوير لا يتضمن رؤية حقيقية تتضمن حفز نمو الأسواق والسعي الى تطويرها، بل يأخذ باعتبارات ذاتية هدفها السيطرة على سوق النقل الجوي الوطنية، اعتماداً على الحماية الحكومية، التي شهدت أهميتها تراجعاً في السنوات الأخيرة. ويتركز جلّ اهتمام مسؤولي شركات الطيران العربية، وأغلبها يخضع للاشراف الحكومي، على حماية حصتها داخل السوق القائمة، وليس تحقيق نمو أوسع في إطار تنافسي إقليمي أو دولي. ويعود سبب هذا القصور في التفكير الى افتقار الناقلات العربية إلى الرؤية الأوسع، التي تعيشها الشركات الغربية والآسيوية الطامحة إلى التخلي عن القيود ذات الطابع المحلي، والاستفادة من التغيرات الليبرالية الكبيرة التي تقود العالم وتسهم في حفز النمو في صناعة الطيران. وتحارب الناقلات الجوية العربية بعضها بعضاً، كما تحارب الناقلات الوطنية الخاصة، للحفاظ على حصتها في السوق الداخلية، من دون أن تبذل أي جهد حقيقي لحفز نمو الطلب وتشجيع المسافرين على الاستفادة من الميزات التي يتيحها النقل الجوي، مقارنة ببقية أنماط المواصلات. ويعيق هذا الموقف السالب تطور رأس المال الوطني، وهو صغير، ويمنع تعزيز دوره في السوق الى جانب شركات القطاع العام التي باتت بحاجة إلى ترك المجال لمبادرة القطاع الأهلي، بعدما أدت دورها المرحلي السابق، تاريخياً. ويشكّل هذا المشهد المؤسف ظاهرة تتميز بتخلف بيّن يتناقض إلى حد بعيد مع التجربة التاريخية التي تعيشها الأسواق الرئيسية في أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب شرقي آسيا، حيث القاعدة المتبعة لجميع شركات الطيران هي التوسع والفتح التدريجي والمتواصل للأجواء، والسعي الى بناء تحالفات تجارية يتم من خلالها بناء أسواق أكبر قادرة على حفز النمو في الطلب وخفض كلفة السفر. ولا يسعى أي من الشركات العربية، باستثناء ما شهدناه من تجربة مجهضة قامت بها "الخطوط الكويتية" و"طيران الخليج" في الهند، إلى توسيع مشاركته في السوق الدولية. ويعتبر التوسع اللافت والطموح الذي قامت به "طيران الامارات" العام الماضي، من خلال تملكها حصة غالبية في الناقلة الوطنية السيلانية، تجربة مميزة في عالم الطيران العربي. لكنه الاستثناء وليس القاعدة لأن استثمارات التملك التي تقوم بها شركات الطيران العربية خارج أسواقها لا تزال محدودة وخجولة. ويبقى مؤسفاً أن هذا الخجل لا يشبه، بأي شكل من الأشكال، الحماس البيروقراطي الذي تبديه الناقلات العربية الحكومية لقتل مبادرات القطاع الخاص الوطني، حينما يحاول تقديم خدمات منافسة بكلفة أرخص، أو رفض فتح الأجواء. وتشكل البادرات التي يقوم بها "الاتحاد العربي للنقل الجوي" لتوحيد المشتريات في السوق الدولية جهداً يحتاج إلى مزيد من التطوير في المستقبل، ذلك أنه يمهد لاستغلال أمثل للثقل التجاري والاقتصادي الذي تمثله الشركات العربية مجتمعة، ومن خلال قدرتها على التحرك ككتلة موحدة في علاقاتها مع مورّدي الخدمات والتجهيزات والطائرات. الا أن طريقة تعامل رؤساء هذه الشركات - وأغلبهم موظف حكومي أو يتبع الحكومة بطريقة أو بأخرى ويتخوف من المبادرة خشية التعرض إلى المساءلة السياسية - تبقى أبعد من الاستجابة للحاجة الماسة لدى العالم العربي لقيام صناعة نقل جوي حقيقية ترفد التنمية الاقتصادية وتخضع لاعتبارات مهنية بحتة، وتكون قادرة على نقل الفائدة التي تحققها إدارة هذا القطاع بطريقة مجدية، إلى المستهلك العربي مباشرة، وعلى غرار ما يشهده المستهلك في الأسواق الأكثر نضجاً. ويقدم هذا الملحق فكرة محدودة عن صناعة النقل الجوي في العالم العربي من خلال عرض ظروف تطور بعض الناقلات العربية، وإن كان من الصعب الاحاطة بوضع جميع شركات الطيران في ملحق واحد، مما يفتح الباب أمام إعداد ملحق آخر في موعد آخر لاحق.