سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بون مستوردة رئيسة للنفط الليبي والسعودي والجزائري . تباطؤ الانتعاش الاقتصادي الالماني يقدم للعرب فرصة جيدة لجذب قسم من رؤوس الأموال الهاربة إلى الدول الاخرى
تشير تقديرات اولية إلى أن نحو ثلثي التجارة الخارجية العربية تتم مع القارة الأوروبية، سيما مع غربها. وتأتي ألمانيا على رأس دولها التي شهدت علاقاتها الاقتصادية مع البلدان العربية نمواً مطرداً خلال السنوات القليلة الماضية إذ ازدادت قيمة التبادل التجاري العربي الألماني بنسبة حوالي 16 في المئة بين عامي 1994 و 1997 من 32 إلى 37 بليون مارك ألماني. تنبع أهمية المانيا بالنسبة للبلدان العربية من كونها في قائمة الدول المهمة المستهلكة والمستوردة لسلع عربية عدة على رأسها النفط الليبي والسعودي والجزائري والسوري ومنتجات زراعية أخرى، سيما المصرية والتونسية والمغربية بشكل مباشر. كما أن الكثير من المستثمرين العرب يملكون أسهماً في بنوك وشركات ألمانية مثل البنك الألماني وهوست ولورغي وغيرها. وعلى الصعيد غير المباشر فإن المنتجات العربية التي يتم تصديرها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا... الخ وتدخل في صناعات هذه البلدان يصل قسم منها إلى السوق الألمانية التي تعتبر أهم الأسواق الأوروبية قاطبة. فوراء هذه السوق يقف ثالث أقوى اقتصاد في العالم، بعد اقتصاد كل من الولاياتالمتحدةواليابان. كما أنه أحد أقطاب اقتصاديات البلدان الصناعية السبع وقاطرة الاقتصاديات الأوروبية. فضعف حركته ونموه ينعكس سلباً على ديناميكية هذه الاقتصاديات. وفي المقابل فإن زيادة معدلات نموه تجر وراءها انتعاشاً في مختلف الأسواق الأوروبية. وعليه فإن تطوره يلعب دوراً مهماً في تطور العلاقات الاقتصادية العربية - الأوروبية التي يتوقع لها مستقبلاً أفضل في ضوء مشروع الشراكة المتوسطية الذي وضع حجر أساسه مؤتمر برشلونة وساهم في دفعه نحو الأمام قمة كولونيا الخاص بهذه الشراكة مؤخراً. ومما لا شك فيه أن نقل هذه العلاقات إلى مستويات متقدمة سينعكس إيجابياً على مثيلاتها في المجال السياسي. وسيساهم هذا الأمر في دفع صناع القرار السياسي الألماني إلى اتخاذ مواقف أكثر توازناً تجاه القضايا العربية وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني. تُرى كيف يبدو الوضع العام للاقتصاد الألماني انطلاقاً من أهميته بالنسبة لنا هذه الأيام؟ شهد الاقتصاد الألماني مع حلول النصف الثاني من العام الماضي تباطؤاً في معدلات نموه. وارتبط هذا التباطؤ بالأزمة الآسيوية وتداعياتها في روسيا وأمريكا اللاتينية. فبنتيجة ذلك تراجعت الصادرات الألمانية التي تشكل قيمتها ما لا يقل عن ثلث قيمة الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملموس. ومع بدء عودة الاستقرار إلى اليابان وبلدان شرق آسيا الأخرى وتجنب وقع أزمة برازيلية وأميركية لاتينية على غرار الروسية ظهرت قبل أسابيع بوادر جديدة تبشر بعودة الانتعاش إلى الاقتصاد المذكور. وإذا كان انتعاش هذا العام سيبقى محدوداً فإن مثيله للعام القادم سيكون أفضل. فوفقاً لآخر تقارير غالبية المعاهد الاقتصادية الألمانية فإن متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سيزيد على 2.5 في المئة خلال العام القادم في مقابل 1.5 في المئة لهذا العام. يلعب تزايد الصادرات وتحفيز الطلب المحلي دوراً مهماً في زيادة معدلات النمو المرتقبة. فبوادر عودة الاستقرار إلى أسواق آسيا سيزيد الطلب على السلع الألمانية التي أصبحت أكثر قدرة على المنافسة بفضل انخفاض سعر المارك الألماني تجاه الدولار الأميركي. ويؤدي انتعاش الصادرات بدوره إلى زيادة الطلب المحلي على مختلف السلع الاستثمارية منها والاستهلاكية. ويتم ذلك في مناخ ملائم يوفره الإطار المالي للاستثمار في ألمانيا وباقي بلدان يورو، فالبنك المركزي الأوربي يتبع سياسة نقدية تقوم على ضمان استقرار الأسعار وإبقاء معدلات الفائدة الرئيسية على مستويات متدنية. وهذا ما يوفر شروطاَ جيدة للاقتراض من أجل الاستثمار في الفرص المتاحة أو للاستهلاك. غير أن استغلال الكثير من هذه الفرص حالياً يتم بشكل أساسي في الولاياتالمتحدة بسبب معدلات النمو والفوائد العالية هناك والتي تصل تقريباً إلى ضعف مثيلاتها في ألمانيا وباقي بلدان منطقة اليورو. لكن توقعات خبراء معهد البحوث الاقتصادية في برلين تقول بأن معدل نمو الاقتصاد الأميركي سيتراجع إلى نحو 2.5 في المئة خلال العام المقبل. ويدعم هذا الرأي معظم الخبراء والمراقبين في أوروبا وخارجها. ومن شأن ذلك أن يدفع المودعين والمستثمرين الألمان والأجانب إلى تحويل قسم مهم من رؤوس أموالهم إلى ألمانيا وباقي بلدان منطقة يورو، مما يعزز فرص النمو والإزهار فيها من جديد. الانتعاش والبطالة لكن معدلات النمو المتوقعة لن يرافقها تغيرات جوهرية على صعيد الحد من مشكلة البطالة التي تعتبر المشكلة الرئيسية التي تؤرق ألمانيا منذ إعادة توحيدها وقيام غالبية شركاتها بإعادة هيكلة راديكالية لا تزال مستمرة. فوفقاً لتقديرات المعاهد البحوث الاقتصادية الألمانية فإن عدد العاطلين عن العمل سيبقى بحدود 3.6 مليون مع نهاية العام القادم مقابل 3.9 مليون عاطل حالياً، أي ما لا يقل 10 في المئة من نسبة قوة العمل. وسيأتي تراجع عدد العاطلين عن العمل بنحو 300 ألف كنتيجة لنقص عرض الأيدي العاملة في السوق أكثر منه كنتيجة لتشغيل المزيد منها. ويعود هذا النقص لأسباب عدة منها تراجع نسبة المهاجرين إلى ألمانيا والبنية الديمغرافية التي تظهر اختلالاً بين نسب المتقاعدين من جهة والشباب في سن العمل من جهة أخرى. آفاق التطور تفيد غالبية التوقعات أن النمو الاقتصادي الألماني سيبقى في إطار محدود لأن الشروط الخارجية الملائمة لا تكفي لزيادته بنسب عالية فمثيلاتها الداخلية تشكل العوامل الأكثر حسماً على صعيد هذه الزيادة. وبما أن هذه الأخيرة غير متوافرة حالياً فإن تحقيق نقلة نوعية على صعيد النمو المذكور لا تلوح في الأفق بعد. فالسياسات الاقتصادية الفعالة لا تزال متعثرة. فهي لا تنطوي فقط على الضرائب العالية والأجور المرتفعة وحسب. فالبيروقراطية الألمانية شديدة التعقيد في غالبية الأحيان. وعلى رغم اقتناع الحكومة والمعارضة والنقابات منذ سنوات طويلة بضرورة إصلاح النظام الضريبي وتخفيض الأعباء الاجتماعية المترتبة على تشغيل الأيدي العاملة بشكل جوهري فإن الخطوات التي اتخذت حتى الآن لا تزال محدودة. فهي على سبيل المثال لا تزال غير كافية لتحفيز الشركات الألمانية على زيادة استثماراتها داخل البلاد بشكل ملموس. وبدلاً من ذلك تراها تبادر لإقامة مشاريعها وبشكل متزايد في جنوب أوروبا وخارجها حيث يتوفر مناخات استثمارية افضل. كما أن قسماً مهماً من رؤوس الأموال النقدية المحلية يجد طريقه إلى بنوك اللكسمبورغ وسويسراً ..الخ هرباً من الضرائب. وفي الوقت الذي لا يتوقع فيه حدوث إصلاحات اقتصادية راديكالية على غرار التي حصلت في بريطانيا أيام حكومة مارغريت تاتشر بسبب التركيبة السياسية الحالية في البلاد فإن قسماً مهماً من رؤوس الأموال الألمانية سيستمر بالتدفق إلى الخارج بحثاً عن ريعية وربحية أعلى. وسيزداد هذا التدفق مع استمرار عملية العولمة التي تشكل البنوك والمؤسسات الألمانية أحد أهم لاعبيها الرئيسيين. رؤوس الأموال الألمانية والعرب إزاء توقع استمرار خروج رؤوس الأموال الألمانية من بلادها الى بلدان أخرى توفر لها مناخات استثمارية أفضل يمكن الجزم بأن هناك حظوظاً جيدة أمام البلدان العربية لجذب قسم من هذه الأموال للمساهمة في مشاريعها المختلفة. ويخص بالذكر منها تلك التي تساعد على الاستفادة من التكنولوجيا والمعارف الألمانية المتطورة. غير أن من أهم ما يتطلبه ذلك القيام بحملة ترويجية هدفها تعريف رجال الأعمال الألمان على فرص الاستثمار المتاحة لهم هناك. ومما يستدعي ذلك حقيقة أن غالبيتهم ما يزال يجهل التحسن الذي طرأ على مناخ الاستثمار في البلدان المذكورة خلال السنوات القليلة الماضية. ويزيد من هذه الحظوظ عزوف المستثمرين الألمان عن روسيا وترددهم في العودة إلى شرق آسيا وأمريكا اللاتينية بانتظار جلاء الأوضاع الاقتصادية هناك. وأخيراً فإن تجربتي كل من تونسودبي خلال السنوات القليلة الماضية تدعو إلى التفاؤل بإمكانية جذب المزيد من رؤوس الأموال الألمانية إلى بلداننا. فالمستثمر منها في الأولى يقدر حالياً بما لا يقل عن 2 بليون دولار. وإلى دبي لا يتدفق السائحون الألمان بكثافة وحسب. فهناك معلومات تتحدث عن أن العشرات من فروع الشركات والبنوك الألمانية اتخذت خلال العامين الماضيين من هناك مركزاً للإنتاج والتوزيع والتمويل وتقديم مختلف الخدمات في منطقة الخليج وباقي مناطق الشرق الأوسط. * اقتصادي سوري