جاء الشريط الأخير لماجدة الرومي، الذي انتجته شركة فرسان، ليذكرنا بأغانيها الأولى. وسبق أن أنتجت مؤسسة فرسان لماجدة الرومي قبل أكثر من عشر سنوات شريطاً مميزاً هو لأنك عينيّ. واحتوى الشريط الأخير لماجدة وعنوانه "أحبك وبعد" على ثماني أغان تعدد كتّاب كلماتها وتنوع ملحنوها. وتميز الشريط أيضاً بوجود شعراء خليجيين مثل الناصر الذي كتب أغنية "أحبك وبعد" ولحنها ملحن خليجي أيضاً وهو المطرب والملحن السعودي عبدالرب ادريس. ومن قصائد الشاعر السوري نزار قباني غنت ماجدة "طوق الياسمين". غنتها باقتدار، وبالاضافة الى ذلك تم ادخال صوت آخر لامرأة شارك صوت ماجدة في بعض المقاطع الغنائية التي تستدعي تصويراً صوتياً وذلك أعطى ديناميكية فائقة للنص المغنى يمكن معه الاكتفاء بعدم تصوير أغنية "طوق الياسمين" على طريقة الفيديو كليب. فالتوزيع الموسيقي والصوتي للأغنية وتعدد الجمل الموسيقية شكّل خيال المشهد الشعري في ذهن المستمع. وبالمقارنة مع الأغاني الأخيرة التي كانت ماجدة الرومي أدتها في السنوات الأربع الماضية، نلاحظ أن الهدوء الذي تميزت به ماجدة في أدائها، والذي غاب عن تلك الأغاني ليحل محله ضجيج كبير، عاد في الأغاني الجديدة التي يحملها شريط "أحبك وبعد"، وعادت معه أناقة التوزيع الموسيقي أيضاً وبخاصة في أغنية "طوق الياسمين" التي وزعها د. خالد فؤاد والمطرب كاظم الساهر الذي لحنها أيضاً. فالناي مثلاً يطل اطلالة تذكرنا بتلك المقطوعات الموسيقية لتشيكوفسكي. وموزارت، وبتلك الموسيقى التي ترقص عليها راقصات الباليه. بدت موسيقى طوق الياسمين مجال أداء رقصة باليه عربية ترقصها ماجدة ولكن بصوتها وبخاصة في هذا المقطع: "ولمحت طوق الياسمين/ في الأرض مكتوم الأنين كالجثة البيضاء تدفعها جموع الراقصين ويهم فارسك الجميل بأخذه فتمانعين وتقهقهين لا شيء يستدعي انحناءك آه لو تعلمين ذاك طوق الياسمين". والرقصة نفسها يرقصها صوت ماجدة في أغنية "يقول أني امرأة" التي كتب كلماتها الشاعر الخليجي الناصر ومنها: "يقول أن كل اللغات/ تحار دائماً بوصفي وانني له الحياة/ والحب امضائي ورسمي". والطريف أن "طوق الياسمين" مكتوبة من شاعر الى امرأة أي أنها تخاطب المرأة، وقد غنتها امرأة وأدتها بحس عال، فأتى اداؤها بشكل يدفعنا الى التساؤل هل لو غناها مطرب هل كان في امكانه أن يعبّر عن أحاسيس العاشق المحبط فيها كما عبرت عنه ماجدة التي أوجدت نوعاً من التكامل عندما عبّر صوت الأنثى عن احساس الرجل؟ في ظل التكرار الممل الذي يعيشه اللحن العربي بشكل عام في هذه الأيام وفي ظل جنون الموسيقى تأتي أغنية "اليوم عاد حبيبي" من شعر عبدالجليل وهبي وتلحين عبدالحليم الرومي بلحن هادئ يختفي مثله الآن وتشكو الآلة الموسيقية فيه من خفة التعامل معها حيث يبدو الأمر وكأن هناك سكاكين تعزف فيما تغيب العقول التي تتذوق طعم العزف. وفي أغنية "أنت الماضي" التي لحنها ووزعها د. جمال سلامة جاء أداء ماجدة أداء لا يسبق فيه الصوت الموسيقي أو العكس، بل هناك توازن دقيق عادل بين الأداء واللحن. والموزعون في هذا الشريط قدروا الطبقة الصوتية العالية عند ماجدة فقللوا من تعدد الآلات الموسيقية وصخبها بحيث لا تطغى على صوت ماجدة، واكتفوا بآلات قليلة مع صوت مكتنز بالموسيقى. وان كان هناك حضور للموسيقى الصاخبة فذلك يكون في بداية الأغنية أو في النهاية أو في مقطع شعري يحدد موقفاً ما. كل ذلك جعل المستمع لهذا الشريط يخلط بين صوت كأنه موسيقى وبين موسيقى كأنها صوت... تلك هي ماجدة الرومي في شريط "أحبك بعد".