قائد القوات المشتركة يستقبل نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح منتدى الرياض الاقتصادي    الرياض تجمع أفضل فرسان العالم في «قفز الحواجز»    العدوان الإسرائيلي يستمر في غزة ويتراجع بلبنان    هل يخاطر بايدن بالسماح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية    رئيس هيئة الأركان العامة يدشّن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    المجلس الدولي للتمور ينظم جلسة حوارية بمشاركة خبراء ومختصين عالميين .. الخميس المقبل    انطلاق النسخة الثامنة من منتدى مسك العالمي 2024 بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية    نزع ملكيات في لطائف    التشهير بمواطن ومقيم ارتكبا التستر في نشاط العطور والأقمشة    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    ورش عمل لتعزيز خبرات تقييم جودة التقنيات    من قمة العشرين.. بايدن يؤكد دعم إدارته القوي لأوكرانيا    الفضلي: المملكة عززت التعاون الدولي وعالجت تحديات الأمن الغذائي في «العشرين»    انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية السعودية - الصينية    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في افتتاح قمة دول مجموعة العشرين    نائب وزير الخارجية يستقبل نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية    الشورى يطالب باستراتيجية شاملة لسلامة النقل    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعزز السياحة الثقافية بمشروع وطني طموح    الفيتو الروسي يحبط وقف إطلاق النار في السودان    " طويق " تدعم شموع الأمل ببرامج تدريبية لمقدمي الخدمات لذوي الإعاقة    أمير تبوك يدشن مشروعات تنموية واستثماريه بالمنطقة    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً أجابت عليها وزارة التعليم عن الرخصة المهنية    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    أمير حائل يطلع على مشروع التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم    علوان رئيساً تنفيذيّاً ل«المسرح والفنون الأدائية».. والواصل رئيساً تنفيذيّاً ل«الأدب والنشر والترجمة»    وزارة الثقافة تحتفي بالأوركسترا اليمنية في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية ترتفع إلى مليار ريال    مستشفى الحرجة يُفعّل التطعيم ضد الحصبة و الأسبوع الخليجي للسكري    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1%    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    حسابات ال «ثريد»    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    أعاصير تضرب المركب الألماني    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حديث صريح مع "الحياة" عن قضايا التغيير والعهد الحالي والمستقبل : الملكة نور: لم أتدخل في الخلافة والملك المقبل يختاره الملك عبدالله والعائلة
نشر في الحياة يوم 19 - 07 - 1999

أكدت الملكة نور، أرملة العاهل الأردني الراحل الملك حسين، انها لم تكن صاحبة اي اهتمام شخصي ولم تمارس اي تأثير في قرار التغيير الذي اتخذه الملك حسين، وأسفر عن تنحي ولي العهد السابق الأمير حسن وتعيين الملك عبدالله ولياً للعهد قبل قليل من وفاته في شباط فبراير الماضي.
وذكرت، في حديث صريح وطويل مع "الحياة"، تناول ملابسات التغيير والعلاقات داخل الأسرة ومستقبل ولي العهد ودورها المستقبلي، ان الملك حسين كان واعياً تماماً لقراراته بهذا الخصوص وانه كان واثقاً من شفائه، حسبما ابلغه الأطباء، وكان ينوي نقل بعض صلاحياته الى ولي العهد ليتفرغ لقضايا اخرى. وقالت ان التوقعات كانت تشير الى احتمال بقائه حياً 20 عاماً اخرى لولا الانتكاسة الصحية التي مُني بها اثر عودته الى الأردن.
ونفت في شكل كلي اي فتور بينها وبين الملك عبدالله، وقالت ان المودة التي تكنّها له مماثلة للمودة التي تكنّها للأمير حمزة وانها تعتبر نفسها بمثابة سند له وانها تتحدث معه دورياً وبكل صراحة وصدق. وأكدت ان ابنها ولي العهد الأمير حمزة سيكون سنداً لأخيه وسيحدد معه دوره كولي للعهد، مشيرة الى انها واثقة من ان الملكة رانيا، قرينة الملك عبدالله، قادرة على تقديم الكثير للأردن.
وأكدت انها تشتاق الى الملك حسين مع كل نسمة هواء تتنشقها. وقالت انها تسعى من خلال عملها الانساني والدولي داخل الأردن وخارجه الى ابقاء ذكرى الملك الراحل حية والحفاظ على الطابع الانساني في القيادة الذي ميّز عهده.
وأشادت بالبادرة الانسانية الخاصة لولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وتعاطفه مع الملك الراحل. وقالت انه حمل اليه ماء زمزم أثناء مرضه وأجرى معه حواراً شخصياً مفتوحاً يخص قضايا عربية وإقليمية عدة.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
متى عرفت بإصابة الملك حسين بالسرطان وكيف كان موقفك تجاه الأمر؟ ومتى قررتما اعلان النبأ؟
- اعلنا الاصابة بعد ساعات فقط من ظهور النتائج. كان ذلك في تموز يوليو الماضي.
كان الغرض من هذه الفحوصات التعرف الى اسباب التهاب فيروسي، نادر من نوعه، عانى منه زوجي قرابة ستة شهور. وكان يجري علاجه منه بالمضادات الحيوية. استجاب في شكل جيد للمضادات الحيوية حينما كان يتناولها لكن حاله اختلفت عندما توقف عن تناول هذه الأدوية.
كل شيء كان يبدو، مع ذلك، تحت السيطرة. وعدنا الى البلاد بعد الفحوصات الطبية التي كانت واحدة من جملة الفحوصات الدورية التي كان يجريها كل عام في عيادة مايو، حيث سبق له ان اجرى عام 1992 عملية استئصال لخلايا ما قبل السرطانية، أصيب بها في المسالك البولية.
الأمر اصابنا بالصدمة لأننا لم نكن نتوقع ذلك. تتنهد... وكان عليّ ان اخبر زوجي بنفسي بالنبأ. وتحدثت والاطباء معه.
الاطباء اخبروك أولاً؟
- نعم، وقررنا ان نواجه هذا التحدي. لقد واجه تحديات كثيرة من قبل وواجهنا مصاعب عدة معاً بالطريقة نفسها: بالايمان والتصميم والعزم ومعتمدين على كل ما لدينا من قدرات نفسية وعاطفية في متناولنا. واعتزمنا أن نستغل كل سانحة ثمينة متاحة من حياتنا المتبقية معاً. وكل لحظة رأيناها بمثابة هبة سماوية لا تقدر بقيمة.
وكنا قد قررنا منذ سنوات ان نكون منفتحين تماماً بخصوص هذه المسألة مع عائلتنا الاردنية. وتوالت البيانات الصحافية طوال تلك الفترة، في كل مرة كان الأمر مناسباً، نظراً الى الاهتمام الذي كان الملك حسين وصحته يثيرانه.
والسبب وراء ذلك ليس فقط لأننا اعتقدنا ان هذه هي السياسة الأصح التي يجب اتباعها، بل لأنه في هذا الجزء من العالم يصبح دخوله الى المستشفى مسألة رئيسية تخضع للتحوير والمزايدة في وسائل الاعلام. والوسيلة الافضل للتعامل مع هذه المسألة هي تقديم الوقائع على حقيقتها مباشرة وفي شكل دقيق.
لكن السبب الآخر، كان معرفتنا التامة من خلال اقرباء وأصدقاء لدينا عانوا من السرطان، الى اي حد يعتبر هذا الموضوع "تابو" محظوراً في منطقتنا كما في مناطق اخرى من العالم، مما يحول دون سعي الناس الى البحث عن العلاج المناسب في شكل مبكر، وبما يكفي لحل المشكلة.
لقد اردنا ان نرسي مثالاً يظهر للآخرين ان بوسعهم ان يفعلوا الأمر نفسه: واجهوا السرطان وجهاً لوجه، من دون خوف ولكن بعزم. وخوضوا، بعون الله، معركة مناسبة مع المرض واسعوا الى العلاج المناسب لذلك.
هكذا قررنا ان نخوض هذا التحدي. وقد فعلناه وكلنا أمل.
الاحصاءات ليست سيئة في ما يخص احتمالات الابلال في نوع السرطان الذي أصيب به الملك حسين. وقد استعدينا لكل الاحتمالات ولكننا أبداً، وعلى الاطلاق، لم يراودنا حتى اللحظة الاخيرة اي شعور بالاخفاق.
كنا جميعاً نواجه الأمر، وكان هو خصوصاً يتصدى للمسألة، باستسلام كامل للقدرة الالهية وبكل شجاعة. وكنا، الملك وأنا، جاهزين لتقبل الارادة الالهية كانت ما كانت، طوال فترة المرض.
لمَ اذن عاد الملك حسين الى الأردن؟ ومن الذي اقنعه بالعودة؟
- عندما عدنا الى البلاد في كانون الثاني يناير الماضي، فعلنا ذلك في اعقاب عملية لزرع النخاع العظمي اقتضت زهاء ثلاثة الى اربعة اسابيع من المتابعة الصحية. وبعد تلك الفترة اجاز لنا الاطباء العودة الى الوطن لمدة ثلاثة اشهر على ان نرجع في آذار مارس للقيام بالفحص الطبي الأول. وهذه كانت المرة الأولى التي تولّد لدينا شعور بالارتياح، ذلك أننا أُبلغنا بكل وضوح في المستشفى ان كل المؤشرات يظهر انه بات في طور التعافي.
دعونا الله ان يكون هذا التعافي متواصلاً لمدة خمس سنوات، وهي الفترة التي يحتاجها اي تعافٍ ليكون كاملاً ومطلقاً. اي مريض بالسرطان يعرف انه بحاجة الى فترة تعافٍ مدتها خمس سنوات قبل ان يعتبر انه قد شُفي. وكنا واعين ان اي شيء يمكن ان يحدث ولكننا احتفلنا بتعافيه عندما عدنا الى ربوع الوطن.
ولم نعد الى الأردن، كما يظن البعض مستنداً في ظنه الى السرعة التي تجدد فيها السرطان خلال الاسابيع القليلة التي تلت، بسبب معرفتنا بأن السرطان سيعاوده.
لم تكن لدينا على الاطلاق اي معرفة بذلك وكنا مصدومين، وكان الاطباء مصدومين عندما عدنا مرة ثانية الى عيادة مايو... ولكن الأمر حدث.
عرفنا خلال فترة السرطان، من اردنيين وعرب آخرين وأشخاص حول العالم كتبوا لنا عن قصصهم حول معاناتهم من السرطان، ان هناك اشخاصاً كثيرين مروا بما مررنا به بأنفسنا على صعيد العلاج ومسار المرض. وعرفنا لاحقاً ان هناك ايضاً اولئك الذين يتعافون ثم فجأة يعاودهم المرض وبسرعة فائقة، وغالباً في فترة اسابيع بعد التعافي. وهذا ما جرى لنا.
الحمد لله على ما أتانا منه. لقد كان رؤوفاً بنا. وربما كان اكثر ما شملنا من هذه الرأفة الالهية اننا استطعنا ان نعود الى وطننا ملؤنا الفرحة ولتغمرنا محبة ابناء الناس الطيبين.
كيف كانت حياته في العيادة في الشهور الاخيرة من حياته؟
- لقد أمضى ستة شهور في العيادة ساعياً الى موازنة عمله مع علاجه واتصالاته مع عائلته وبقية المسؤولين في الأردن والمسؤولين ايضاً في العالم العربي، ومن دول اخرى.
كان يشاهد التلفزيون الأردني كل يوم، وكان واعياً تماماً لما يجري، ولكنها كانت المرة الأولى في حياته التي كانت لديه مسافة كافية فيها للابتعاد عن المماحكة السياسية اليومية. واستطاع ان يمضي فترة الشهور الستة وهو ينظر الى الصورة في اتساعها الكبير، صورة الأردن والمسؤوليات التي شعر بها تجاه مستقبل البلاد، بغض النظر عما اذا كان مرضه سيقضي عليه ام لا.
عاد الى الوطن قادراً على استخراج افضل ما كان يعتقد أنه لدى جيل التغيير من امكانات.
يخفت صوتها من التأثر كان لديه الوقت الكافي فقط للقيام بذلك عندما عاودته عوارض المرض وغادرنا فوراً لنرجع الى المستشفى.
البعض يقول انه كان مريضاً وتحت العلاج ولذا لم يكن بوسعه اتخاذ القرارات المناسبة، لا سيما لتغيير الخلافة. ماذا تقولين في ذلك وأنت التي رافقتيه 21 سنة وكنت بجانبه في كل أيام مرضه الاخيرة؟
- لقد كان يتحدث عن الخلافة لمدة سنوات. كان يتحدث عن ذلك داخل الاسرة وعلناً وفي شكل مفتوح في الاردن، وان الخلافة ليست امراً راسخاً لا سبيل لتغييره.
الخلافة تغيرت مرات عدة في عهده، ودائماً وفق ما ترتأيه مصلحة البلاد. والذين اختارهم كانوا اولئك الذين شعر انهم الافضل للعمل معه لصالح البلاد في ذلك الوقت. لكنه تحدث غالباً عن ضرورة جمع كل الاسرة معاً لاتخاذ قرارات لتحديد الاكثر كفاءة، وبأسلوب اكثر ديموقراطية، لتحديد خليفته، او لنقل بأسلوب اكثر ديموقراطية لتحديد الدور القيادي الذي ستلعبه العائلة في البلاد خلال المستقبل.
وفي ما يخص الادوية التي تناولها، انا اكيدة ان هناك الذين يقدمون اي تحليلات تراودهم بصددها، وهي ربما تخمينات منطقية تصدر لدى البعض لتفسير شيء لم يفهموه.
القرار لم يأت من فراغ، وهو كان على مدى ستة شهور قادراً على التأمل في مسألة كان يفكر فيها على مدى سنوات. وهو فكّر، كما كان شأنه دائماً، في ما كان يراه الافضل لدور العائلة وكيف بوسعها ان تلعب هذا الدور في مستقبل البلاد.
هذا القرار نجم عن قدر كبير من التفكير. وعندما اتخذ هذا القرار لم يكن يظن ان الامور ستجري بهذا المقدار من السرعة. كان ينتظر ان يعمل لمدى سنوات مقبلة وان يكون لديه قدر اكبر من الوقت.
من هنا فان القرار لم يكن قراراً صادراً في النزع الاخير من قبل رجل كان واعياً ان مرضه يدنيه من اجله، لا بل على العكس من ذلك تماماً.
وفي الليلة الثانية التي اعقبت وصولنا من المملكة المتحدة، وردتنا نتائج آخر الفحوصات الطبية من انكلترا. وكانت ممتازة. كانت تتضمن قراءة لأداء النخاع العظمي وصور اشعة وغيرها من الفحوصات التي اجراها قبل عودته، لأنه لم يكن يريد ان يمنح الاردنيين آمالاً كاذبة بأي طريقة مؤلمة وغير صحيحة.
لكن في النهاية لم تكن الامور رهناً بإرادته، بل كانت ارادة الله. ثارت لدينا الآمال وكنا جميعاً فرحين للغاية للنتائج. وقد اتخذ كل ما بوسعه من احتياطات ليكون نزيهاً وصادقاً في كل ما يعلنه. وكما سبق وقلت احتفلنا في تلك الليلة.
كانت تلك النتائج تأكيداً لما أُبلغنا به في المستشفى. هذا امر يمكن ان يحدث. وفي حالتنا حدث ذلك ايضاً.
هل كان يفكر في التنازل عن العرش بعد عودته؟
- ما كان ابداً ليتنازل عن مسؤولياته تجاه شعب الاردن. كان قد فكر ملياً قبل تلك الفترة في تحويل مزيد من المسؤوليات الى ولي العهد. كان من شأن هذا الامر ان يسمح له بأن يخصص مزيداً من الطاقة والوقت لقضايا تخص العالم العربي والاسلامي وكان يشعر انه قادر على التصدي لدعمها.
احد المجالات ذات الاولوية، التي كان يعتقد ان بوسعه ان يشارك في خدمتها، كان الاسلام والتحديات التي تواجهه.
هل كان واعياً تماماً لما يحدث في الاردن اثناء اقامته في عيادة مايو؟
- نعم. ولكن ليس كل التفاصيل الصغيرة. وهذا ما اعطاه الفرصة لينظر الى الصورة الكبيرة في اتساعها. نعم، كانت ترده تقارير يومية بالفاكس وتقارير اخبارية. وكان هناك مسؤولون حكوميون وغيرهم يأتون اليه في شكل يومي ويخبرونه بما يجري.
كان واعياً الى حد كبير لما يجري، وان كان لا يشرف على كل ما كان يحدث.
ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز زاره خلال فترة المرض، وكان الموقف مشحوناً بالود والتعاطف. هل يمكن ان تصفي لنا كيف جرى هذا اللقاء الذي يقال انه فتح صفحة جديدة في العلاقات الاردنية - السعودية؟
- ولي العهد السعودي الأمير عبدالله شخصية عربية استثنائية ومميزة. كان زار الاردن قبل ذلك بشهور عدة سبقت مغادرة زوجي الى الولايات المتحدة بسبب مرضه. كانت زيارة رسمية جرت عام 1998. ولكن الزيارة التي اتذكرها افضل الشيء، ربما لأنها ذات طابع شخصي اكثر ورسمي اقل، ولانها تمت في فترة العلاج، حينما اتى ليرى "سيدي" في واشنطن، حيث كنا نتوجه الى هناك بين فترات العلاج.
تلك الزيارة كانت مثار تأثر وانفعال لدينا جميعاً، لانها بدت طبيعية للغاية لنا كعائلة، ولأنها عبّرت عن قدر كبير من العاطفة والمودة والاحترام، ولأن الحوار شمل الاردن والسعودية والعالم العربي والمستقبل والتحديات. كانت هناك مادة لتفاعل سياسي ولكنه كان يتم على مستوى شخصي للغاية. مثلاً، ولي العهد السعودي أتى معه بماء زمزم من مكة المكرمة قدمه للملك حسين. هذه البادرة ولّدت تأثراً بالغاً في ذلك الظرف. واللقاء كان، كما قلت، شخصياً للغاية. تلك كانت لحظات نادرة، لأن اللقاءات السياسية لا تتيح المجال غالباً امام هذا النوع من المبادلات. لكن في هذه الحالة كان جهداً استثنائياً لقي كل الاستحسان والقبول.
هل تعتقدين ان صفحة جديدة فُتحت بين البلدين نتيجة هذا اللقاء؟
- اعتقد ان صفحة جديدة فتحت من قبل. كان زوجي قد عاد من زيارة الى السعودية التقى فيها الملك فهد قبل عامين من ذلك، وكانت زيارة اخوية وسادها حوار اخوي تركت تأثيراً عميقاً في القلب. وبعد ذلك جرت زيارة ولي العهد الأمير عبدالله ولكنها كانت زيارة رسمية.
اما هذه الزيارة فهي كانت ذات مغزى سياسي وشخصي في الوقت ذاته. هي شكلت استمرارية للمسيرة التي سبق ان بدأت قبلاً.
الى اي حد تعتقدين ان ذلك اللقاء ساهم في تطوير العلاقات اذاً بين البلدين؟
- هذا طبيعي. نحن عائلة واحدة. تاريخاً ومنطقياً نحن شركاء واخوة وأخوات. نحن أيضاً على المستوى العملي نحتاج واحدنا الآخر. والعلاقات المفيدة لكلينا على أكثر من صعيد تخدم مصالح شعبينا.
هل يمكن ان تحدثينا عما وعد به ولي العهد السعودي الأمير عبدالله تجاه الأردن خلال تلك الزيارة؟
- على الأقل استطيع ان أقول انه وعدني بأنه سيسعى الى تقديم السعودية الدعم لقضية حظر انتشار الألغام. وكان لطيفاً للغاية ببادرته هذه. ولكن هناك اشياء اخرى قالها ولا يمكنني ان أتحدث بخصوصها اكثر من ذلك.
زارتكم شخصيات عربية ودولية اخرى بارزة. هل لك ان تذكري لنا بعضها؟
- غمرتنا طيبة الأردنيين والناس من جميع انحاء العالم. كانوا يتمنون لجلالة الملك الشفاء العاجل وكنا نحاط علماً بصلواتهم وبمحبتهم وبهذا الدعم الاستثنائي الكبير الذي كنا نتلقاه في العالم كله.
على الصعيد الآخر، كانت هناك ايضاً بعض الشخصيات العربية التي كانت استثنائية في كرمها روحياً وبالوسائل الأخرى. احد افراد عائلة رئيس دولة الامارات الشيخ زايد كان يتلقى العلاج هناك ايضاً. وخلال الوقت الذي كنا فيه هناك لم تكتف قرينة الشيخ زايد الشيخة فاطمة بالاتصال يومياً - وزارتنا ايضاً ابنتاها حين قدمتا لعيادة قريبهما - بل ايضاً، ولعلمهم ان هناك اطباقاً من الطعام نحبّها ولم يكن بوسعنا ان نتدبرها هناك، أرسلوا لنا طباخيهم وأرسلوا لنا مأكولات... كانوا استثنائيين.
في الوقت ذاته كان امير البحرين الحالي الأمير حمد، وكان لا يزال حينذاك ولياً للعهد، يتحدث يومياً بالهاتف مع ابننا الأمير حمزة. ولم يرغب على الاطلاق في ازعاج جلالة الملك في مرضه ولكنه كان يتصل كل يوم.
أعرف ان السلطان قابوس كان يتصل بنا عبر افراد آخرين من العائلة في الأردن وكانت شقيقته على اتصال دائم بي. والشيخة موزة من قطر. وأمير قطر أتى لزيارة جلالة الملك.
هناك الكثيرون ايضاً ممن كانوا على اتصال دائم وممن لا يسعني الاتيان على ذكرهم جميعاً، وبينهم الرئيس مبارك وأبو عمار وسهى عرفات ورفيق الحريري والرئيس علي عبدالله صالح والعقيد القذافي. ومن الكويت زارنا أيضاً في عيادة مايو نائب رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد. كانوا يتابعون تطور الحالة الصحية طوال فترة بقائنا هناك. لقد عبّروا جميعاً عن قدر عظيم من المحبة.
كيف كان شعوركم عندما عدتم الى الأردن؟
- سبق ان قلت اننا احتفلنا في الليلة الثانية لوصولنا، عندما تلقينا الانباء الاضافية من المستشفى في انكلترا والتي اشارت الى عدم وجود اي نتيجة سالبة.
عاد 1992 الى بلاده، ثم عندما عاد في شباط الماضي كانت تلك لحظات خاصة لأنها كانت لحظات عفوية. احس بالسعادة وسط هذا السيل من المحبة الذي استقبله به الشعب الأردني متحدياً البرد والمطر.
بدا وجه الملك حسين جذاباً عندما ظهر بصلعته بعدما ادى العلاج الى سقوط شعر رأسه.
- نعم، اعتقد ذلك. وأعتقد انه كان محظوظاً في الظهور بهذا الشكل. لأن كثيرين لا يشعرون بالثقة للظهور في العلن بعد سقوط شعرهم. وكما لاحظت هو لم يحاول ابداً اخفاء ذلك. لم يغطِ شعره او يسعى الى وضع شعر مستعار. وكنت أصر عليه لارتداء قبعة فقط عندما كان هناك برد.
لم يشعر بأي سبب يدفعه الى الاختباء او عيش هذا التحدي في خوف، بل عاش في كرامة كما كان عهده دائماً، يحفزه الأمل.
مجدداً، وعودة الى السؤال الخاص بالعودة الى الأردن. لم يكن هناك اذاً اي علاقة لقراراته الخاصة بالخلافة والعلاج الذي خضع له؟
- لا، لا يجب سؤالي عن ذلك بل سؤال الاطباء انفسهم الذين سيكونون صريحين تماماً ودقيقين علمياً في ردهم على سؤالك هذا. لا سبيل على الاطلاق في ان تكون عملية اتخاذ القرار تأثرت، ولا بأي شكل من الاشكال، بتناول الدواء او حتى بالمرض. المرض فقط أتاح له ان ينأى بعض الشيء ليتمكن من رؤية الأمور كما قلت في صورتها الكلية.
لكن المرض لم يكن عاملاً، وعندما اتخذ القرار، وفق ما قاله الاطباء ووفق كل ما كنا نعرفه، كنا نأمل، لو سمح الله بأن يبقى معنا عشر، او 51، او 20 سنة اخرى من الحياة والعمل. لم نكن نعلم ان المقادير ارتأت شيئاً آخر. ولكن هذا ما كنا نخاله.
كيف يُعقل اذاً، اذا كان الملك حسين قد تحدث عن تغيير خليفته، ان ولي العهد السابق الأمير حسن لم يكن مطلعاً على ذلك؟
- كما سبق وقلت، على مدى سنوات تحدثا. زوجي تحدث بكل وضوح عن الطرق المختلفة التي ينظر فيها الى مسؤولياته في المستقبل وتجاه البلد، سواء كان ذلك يخص الخلافة او جملة معطيات اخرى.
ولكن في ما يخص الخلافة تحدث عن ذلك... وهما تحدثا عن ذلك. وقد اتفقا على ذلك، وهذا امر معروف. وقد تحدث الى اخيه قبل اتخاذ القرار. وأخوه قدم له... موقفه بنّاءٌ للغاية. قدم دعمه لأخيه ليمنحه الفرصة ليقرر الخطوة التالية. كان هناك حوار خلال تلك الفترة.
ألا تعتقدين انه كان هناك انشقاق في الأسرة المالكة بسبب هذا القرار؟
- اعتقد ان العائلة كما أراها هي عائلة موحدة. كان يمكن ان تكون لديه وجهات نظر مختلفة تجاه القرارات المصيرية، لكن العائلة تبقى متماسكة وموحدة ما بينها.
الأمير حسن كان في وضع صعب في شكل خاص، ولم يكن يُسهّل هذا الوضع سيل الشائعات والتقديرات والقصص غير الدقيقة التي كانت تشيع، وهي تشيع دائماً حول الشخصيات السياسية، وهذا ينطبق على منطقتنا أيضاً. هذا أمر صعب... صعب للغاية، ولكنه دائماً اعلن مساندته الكاملة لأخيه في أداء مهامه بما في ذلك هذه المهمة أيضاً.
يقال انك لعبت دوراً في التأثير على الملك حسين في جعله يتخلى عن أخيه الأمير حسن وان...؟
- ترد بسرعة وحيوية لا، لا. القرار الخاص بالخلافة اتخذ على اساس ما هو الأفضل على صعيد مسؤوليات الملك حسين تجاه الأردن. لم يتخذ أبداً قراره المصيري الخاص بالبلاد استناداً الى اعتبارات شخصية. وأعتقد ان سجله الشخصي يظهر ذلك بكل وضوح.
محبته لأخيه كان يشعر بها مثلما في محبته وعاطفته لبقية أفراد العائلة. كان يحب اخاه وهذا القرار لم يتخذ في شكل يتعلق بالمشاعر. كان قراراً يتعلق بتغير بين جيل جيل وبهدف تحقيق ما كان يعتقد انه الأفضل لخدمة مصالح كل فرد من افراد العائلة والوطن.
يقال انك لم تكوني على علاقة جيدة بالأميرة ثروت زوجة الأمير حسن؟
- الانسان سيقضي حياته بأكملها لو أراد ان يرد على كل القصص والاشاعات التي تثور حول الشخصيات السياسية، وليس فقط في الأردن. هناك اشاعات وأقاويل ولغط يثور حول كل شخصية سياسية. ومجتمعنا لا يختلف عن باقي المجتمعات.
لقد سعيت دائماً، لكوني قرينة لزوجي، وأيضاً بسبب طبيعتي الخاصة، الى لعب دور توحيدي وبنّاء في العائلة. انا لست شخصاً يشعر بالنفور تجاه الآخرين. لا كراهية في قلبي. جلالة الملك وأنا كنا نتولى مسؤولية الاهتمام برفاهية العائلة وأن نجعل كل فرد فيها يقدم أفضل ما لديه، مرتقين، في الوقت ذاته، فوق اي شعور بالكبت او الغيرة، وتجاوز المشاكل الاخرى التي كانت ربما قائمة وموجهة سواء ضدنا او ضد غيرنا، من اجل السعي الى جعل كل فرد في العائلة يخرج أفضل ما لديه.
نرى وضعاً مشابهاً لما رأيناه مع الملك حسين وأخيه الأمير حسن. لدينا اليوم أيضاً شقيقان احدهما، عبدالله، هو الملك، والثاني الأمير حمزة ولياً للعهد. هل يمكن ان يتكرر الأمر نفسه؟
- انه الوضع نفسه في كون الأخوين شريكين في مسيرة واحدة: ولي العهد يرى ان دوره هو تقديم الدعم والمساندة ليتيح للملك والعائلة والوطن ان يقدموا الى المستقبل بكل ثقة واستقرار... وهو يرى ان دوره هو دعم اخيه وخدمة وطنه. وهما يتمتعان بعلاقة ممتازة.
نحن هنا امام شخصين مختلفين عن زوجي وأخيه. هما اخوان سيعملان معاً لضمان مستقبل الأردن.
أعلم ان ابني سيكون سنداً كبيراً لأخيه، تماماً كما خصص كل طاقته لوالده ودعمه بكل طريقة يقدر عليها.
وهو سيسعى الآن الى تحويل هذا الدعم الى شخص أخيه.
الناس يسألون أيضاً عما اذا كان ابنك الأمير حمزة سيصبح ملكاً ذات يوم؟
- لن يكون الا ما يريد الله.
أليس هناك اتفاق أقرّه العاهل الراحل الملك حسين لنقل الملكية الى...
- مقاطعة حمزة اختاره الملك عبدالله والعائلة للعب دور ولي العهد.
هل بالامكان طرح مزيد من الاسئلة... الدقيقة ربما، في هذا الخصوص؟
- بوسعك طبعاً. ليس هناك شيء في هذا الموضوع لا اشعر بالراحة في التعامل معه. ولكني لا افهم لماذا يصرّ الناس على الألقاب؟ لماذا الهوس بالألقاب؟ ما يهم هو الخدمة وليس اللقب.
بالامكان شرح التركيز على هذه الاسئلة.
- حسنا، ما هو السبب؟
لأن هناك أخوين عرفهما الأردن من قبل. أحدهما كان ولياً للعهد لمدة 35 سنة. ماذا لو حدث الأمر نفسه للأمير حمزة بعد 35 سنة أيضاً؟ والسؤال هنا هو: هناك سابقة موجودة، وبالتالي أليس ممكناً ان يلجأ الملك عبدالله الى تغيير الترتيبات الخاصة بولي عهده ذات يوم؟
- أولاً، هذا ليس سؤالاً يوجه اليّ. وأكثر من ذلك من المؤلم لي ان أتخيل... في أي وقت من الاوقات - وهذا ليس من المواضيع التي يحلو للمرء الحديث عنها - تتم عملية الخلافة، يجب ان تجري، وهذا جعله جلالة الملك واضحاً، وهو أمر عموماً توافق عليه الأسرة بأجمعها، يجب ان تشمل الشخص الأكثر كفاءة في ذلك الوقت لتمثيل العائلة الهاشمية وقيادة المملكة.
لقد كانت هذه قناعتي على الدوام. ولهذا لم أدعم او أروّج لأحد ما دون آخر في المناقشات التي جرت على مدى الأعوام الماضية بخصوص الخلافة، لأني كنت اعرف ان زوجي سيقوم بأفضل خيار ممكن لصالح البلاد. وأنا فعلاً آمل ان يكون هذا ما سيقوم به الملك عبدالله وأعلم ان هذا ما ينوي القيام به، لذا لا أشغل بالي بالموضوع.
بعد ما قلتِه، أنت تؤكدين اذاً انك لم تحاولي التأثير على عملية اختيار ولي العهد؟
- لا، على الاطلاق. من الصعب على الناس ان يتخيلوا ذلك. يبدو انه من المستحيل على الناس ان تتخيل انني لم أتدخل... اني لم اشعر بأي اهتمام شخصي بهذا الأمر. من الصعب شرح موقفي في اني كنت قرينة زوجي وشريكة له لمدة 21 عاماً. وقد عرفت أفضل من أي شخص آخر حجم المعاناة والهموم التي تحملها في حياته بحكم المنصب، كما يكتشف ذلك الآن الملك عبدالله.
هناك ضرورة لتخطي المصالح الشخصية والتركيز على أمر أكثر أهمية، هو مصلحة كل الناس الذين سيكون لديك تأثير عليهم.
هذا ما عشته مع زوجي وهذا ما سمح لهم بأن يعيشوا بهدوء وسكينة وأن يتعايشوا مع الضغوط المدمرة والمصاعب التي تصاحب غالباً هذا الوضع، لأننا كنا نبقى مركزين على مسووليات اكبر من انفسنا، وليس على اي نوع من المصلحة الشخصية.
لم أر الأمر بهذه الطريقة التي يُوحي بها السؤال. أردت للشخص الذي يتولى هذا المنصب، كائناً من كان، ان يكون الأفضل القادر على النهوض بأعبائه.
كيف هي علاقتك مع الملك عبدالله؟. يُقال إنها فاترة لأنك لم تحضري حفل تنصيبه؟ كانت هناك تفسيرات عدة حول الموضوع.
- أنت تعلم كيف هم الناس. انا في الواقع مدهوشة انهم يجدوا شيئاً اكثر مغزى للحديث عنه، شيئاً يكون مستنداً الى معلومات حقيقية.
في ما يخص حفل التنصيب، عندما كان الملك عبدالله يتحدث عن موعد لاحتفال هادئ، ناقش الأمر معي وكان يعرف اني لن اكون قادرة على الحضور لأنه كان لا يزال يتعين عليّ ان اصطحب اولادي للخروج من المدرسة، حيث كانوا يدرسون في الولايات المتحدة إبّان مرض زوجي.
وأنا كنت في الولايات المتحدة لأشهد ايضاً احتفالات تأبين أقيمت للملك الراحل. وهو كان مدركاً لذلك. ولكن قبل يومين فقط من حفل التنصيب أُبلغنا انه سيكون هناك احتفال آخر اكبر مما كان الملك سابقاً قد رغب وتحدث عنه. فاتصلت به حينها وتمنيت له التوفيق والنجاح.
وكما سبق وقلت كان يدرك اني لن اكون قادرة ان اكون هناك. وقد قدمت له أماني بالتوفيق باسمي واسم أولادي الذين كانوا لا يزالون في طور مغادرة المدرسة ولم يكونوا قادرين على تقديم التهاني له.
وهذا الأمر لم يكن له أي مغزى على أي صعيد. للأسف التوقيت، وتاريخ الاحتفال الذي اختاره لأسباب منطقية، لم يتح لنا الحضور. لذا قرأ البعض في ما حدث أمراً مغايراً للواقع... عندما رأى ان هناك جزءاً من العائلة قد اتخذ قراراً متعمداً بعدم الحضور. لكن الواقع انه لم يكن هناك اي مغزى لهذا الأمر.
ألم يكن من الافضل في هذه الحالة الحضور لتجنب اعطاء تبريرات لاحقاً تدفع هذه التكهنات؟
- أولاً، الأمر لم يكن ممكناً. عندما أدركنا ان الاحتفال سيكون حدثاً كبيراً كان ذلك قبل يومين فقط، وكان لديّ اطفال سيخرجون من المدرسة. وكنت اعلم ان عبدالله شعر، كما شعرت أنا بنفسي، ان الاطفال في هذا الوقت، يجب ان تعطى لهم الاولوية بعد وفاة والدهم. وكان عليّ ان أحاول ابقاءهم معاً ومنحهم المساندة التي يحتاجونها.
وكما قلت لم يكن المقصود في البداية ان يكون الاحتفال حدثاً عاماً كبيراً بهذا المقدار.
ومحتمل ان الناس في البلاط الملكي كان بوسعهم ان يتوقعوا مسبقاً ردات الفعل بسبب عدم حضورنا الحفل، لكنا كنا جميعاً مهتمين بقضايا عدة مختلفة اكثر أهمية وليس فقط ما اذا كنا حضرنا أم لا.
ولو لم تكن لدينا علاقة جيدة مع الملك عبدالله، لكان التعامل مع المسألة جرى بطريقة مختلفة. ولكن لأننا ابدينا علناً وفي المجالس الخاصة دعمنا الكامل للملك عبدالله، فليس هناك بالتالي اي شك في نفسه أو نفسي يخص مشاعرنا تجاه بعضنا البعض وبهذا أقصد: الدعم بالاضافة الى المشاعر الشخصية. وما كان بالتالي ليخطر على بالي او باله ان علينا ان نتظاهر بغير ما نكنّه لبعضنا البعض.
وما يمنع ان يكون ما نشهده هو طريقة ديبلوماسية لتقديم الأمور؟
- نحن نتحدث غالباً معاً، بكل صراحة وبكل صدق. هو يسافر كثيراً وأنا لديّ عائلتي وحفلات التأبين التي تقام لزوجي. وهذا يجعلنا ننطلق كلاً في جهة مختلفة. ولكننا نتحدث بكل صراحة وكل صدق. وقد عبّر خلال هذه المحادثات بكل وضوح انه يراني بمثابة عضو أساسي في الفريق وهو يظهر تقديراً لمكانتي، كأرملة والده وللدور الذي اقوم به في الوطن والخارج. وعبّر عن امله الكبير في ان أتابع هذا الدور كشكل من اشكال الدعم للبلاد وله هو شخصياً وللقضايا التي التزم بها.
وكما سبق وقلت، نحن نعتبر علاقتنا أمراً مفروغاً منه، ولكن من الطبيعي ان يصدر الناس تكهنات وأقاويل في المرحلة الانتقالية. وهذا امر مؤسف انه حدث بخصوص حفل التتويج لأنها كانت مجرد كلمات جوفاء.
كيف هي علاقتك مع الملكة رانيا؟
- بالقدر نفسه من الشعور الذي أكنّه تجاه الملك عبدالله، كما لو كان ابناً لي، أشعر أيضاً بالعاطفة نفسها تجاهها وباهتمام بالغ بنشاطها في الأردن. ومنذ زواجهما، سعيت إلى تشجيع عملها ودعمه في مجالات شتى، لأني على يقين أن لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه. وأنا واثقة أنها ستكون مصدر عطاء للملك عبدالله وللوطن.
وهي تعلم اني سند ودعم مُتاحين لها في اي وقت تحتاجني فيه.
كيف ترين دور الأمير حمزة؟
- هو والملك سيطوران دوره مع الزمن. والملك تحدث اليه عن مجالات عدة يريده ان يركز عليها. وأثناء وجوده في كلية ساند هرست، حصل على اجازة لمدة شهر، فناب عن اخيه عندما كان مسافراً.
وهو يقوم بأدوار عدة مختلفة وطنية ومهام اخرى. وسينظم مكتبه تدريجاً. وفي كانون الأول ديسمبر عندما يغادر ساند هرست سيعود الى الأردن ويعمل في شكل وثيق مع الملك لتحديد أين يمكن أن يكون ليقدم له أفضل دعم ومساندة.
هذا امر يخصهما مباشرة، وبالتالي لن اكون معنية مباشرة بالدور الذي سيلعبه.
وما أراه في عبدالله هو انه بمثابة ابن لي. وهو يعلم انني سند له. وفي حال احتاجني سأكون سنداً له كما لحمزة ولأي فرد آخر في الأسرة... هذا واجبي.
متى تتوقعين ان يتزوج الأمير حمزة. أتحدث اليك كأم؟
- أعلم اني ام. ولكني لو كنت من هذا النوع من الامهات الذي يتدخل في حياة ابنه بهذا الشكل، لما كانت لي علاقة مع ابني.
تضحك ولو ظن ان لدي افكاراً محددة عمن وأين ومتى سيتزوج فربما كان ذلك أقصر طريق لقطع الاتصال بيننا.
لا، آمل وأصلّي ان ينهي تعليمه ويحقق نفسه في مسؤولياته تجاه الأردن وعمله مع الملك وبعد فترة من تحقيق ذاته سيحتاج الى شخص رائع قادر على اخراج أفضل ما في نفسه ويكون شخصاً محباً ووفياً ومتفائلاً، كما كنا قادرين، أنا ووالده، على ان نعيش ذلك. كانت تلك نعمة كبيرة. ولكن الأمر سيكون رهناً باختياره.
نعم ولكنك قلت "بعد فترة". كم ستستغرق هذه الفترة؟
- رأيي معروف في العائلة ان الشرط الأول لنجاح الزواج هو أن يتم بعدما يكون الشريكان حققا نفسيهما كأفراد، وان يكونا منتجين ومستقلين على المستوى الشخصي وتجاه عائلتهما.
لذا آمل ان يلتقي فتاة متعلمة سبق لها ان عملت ومستعدة للالتزام وتضحية نفسها لأشياء أوسع من ذاتها. هذا ما يحتاجه.
هل تمانعين لو تزوج غير عربية؟
- أتمنى ان يتزوج الشخص المناسب وأن تكون شخصاً مستعداً للالتزام كاملاً بخدمة الأردن لأني أعلم أن هذه هي الشريكة الوحيدة التي ستجعله سعيداً معها.
العمل الانساني
لديك حملات كبيرة ذات طابع انساني تقودينها. أين ستحملك رحلاتك المقبلة؟
- في عملي الدولي اهتم بقضايا التربية والبيئة ونزع الألغام والأسلحة وهذا امر عزيز على قلبي. ويتعين عليّ الذهاب في تشرين الأول اكتوبر الى ماليزيا من اجل مؤتمر دولي عن البيئة وسأستغل هذه الفرصة لأزور تايلند وكمبوديا وفيتنام لتفقد ضحايا الألغام.
في أعين الرأي العام أنت وجه أنيس يحبه الجمهور ويعرف ملامحه في كل مكان. ليس الأمر متعلقاً بالاثارة بل بكون الجمهور معتاد عليك.
- إذا كان من شأن هذا الجانب أن يسهم في تسهيل شرح الأفكار والقضايا التي أدافع عنها فهو إذاً أمر حسن.
انها ميزة ايجابية. ولكني لا اريد ان يكون التركيز منصباً على هذا الجانب وحده بل ان يكون هناك توازن مفيد للجميع لضمان تغطية صحافية متوازنة.
وكيف ترين دورك في المستقبل؟
- أسلوب حياتي سيتغير بعض الشيء الآن، لكن المضمون سيبقى بأغلبه، على ما هو عليه. العمل الذي أواصله على صعيد العلاقات والمسؤوليات التي اشعر بها تجاه عائلتي الأردنية، والعمل التنموي الذي أتولى مسؤوليته في الأردن والذي لديه تأثير أيضاً في العالم العربي عبر برامج مختلفة.
وهناك ايضاً "مؤسسة الملك حسين"، وهي تحدٍّ جديد بالنسبة اليّ. سأستخدم فيها كل الخبرة التي اجتمعت لي. واتمنى أن تقدم هذه المؤسسة لهذا الجيل والجيل القادم إرث الملك حسين في الاسلوب الانساني في القيادة.
هناك الكثير الذي حققه الملك حسين، في الأردن، في اعوام حكمه ال47، الى حد يجعله مثالاً في شكل ما للمنطقة بأكملها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. لكن هذا لم ينته بعد في مجالات عدة هناك الكثير الذي لا يزال يتعين القيام به. والملك عبدالله سيسعى مع حكوماته بأفضل الوسائل لمواصلة التقدم، بإذن الله، على صعيد مسيرة الديموقراطية في الأردن في ما يخص اعادة الهيكلة الاقتصادية وعلى مستوى العلاقات الاقليمية والدولية. والأهم يخص التصدي للقضايا الاجتماعية الرئيسية من فقر وبطالة ونوعية الحياة.
لذا آمل ان تساهم هذه المؤسسة في المجالات الرئيسية، التي كانت تشغل بال جلالة الملك، وكشريك مع منظمات اخرى قائمة في البلاد، من خلال تحديد مجالات عمل لم يتم التركيز عليها قبلاً، ومن خلال الاتصال بمنظمات دولية لاجتذاب موارد الى البلاد يمكن لها ان تدعم تلبية حاجاتنا في مجال التربية والصحة والبيئة والديموقراطية من خلال ضمان تكافؤ الفرص على كل المستويات، ليس فقط اقتصادياً بل ايضاً سياسياً، من القاعدة الشعبية صعوداً. والصحة والبيئة من المسائل الرئيسية. لأنه لم يتم القيام بجهد كافٍ لتحديد العلاقة بين التراجع البيئي والمشاكل الصحية. والسرطان هو احد المجالات الرئيسية التي سأتولى التركيز عليها.
هناك مجالات عدة اخرى موضع اهتمام، وآمل ان تتمكن المؤسسة من خلالها من دعم جهود الملك عبدالله لمواصلة الارث الذي خلّفه والده. وهناك مشاريع اخرى تخص اقامة مكتبات عامة لإحياء ذكرى الملك الراحل وجهوده، ولتعرف الاجيال القادمة كم كان رجلاً متميزاً في تاريخ الأردن.
كيف تذكرين الملك الراحل؟
- اشتاق اليه في كل نسمة هواء اتنسمها. وفي الوقت ذاته أشكر الله للنعمة التي منحني اياها لأنه علّمني الكثير كما علّم الكثيرين غيري. ولا أريد أن تضيع الرسالة التي حملها في حياته، وما سأسعى الى الحفاظ عليه من خلال المؤسسة ومن خلال أي مشروع آخر اعمل فيه هو قوة ايمانه وحسه الانساني اللذان كانا الحافز وراء كل قراراته التي اتخذها وكل علاقاته وعمله في العالم العربي والعالم ككل. كان يحاول دائماً ان يظهر اهمية البعد الانساني في ممارسة السياسة. ولم يكن يقبل أبداً بأي تسوية غير عادلة في أي مفاوضات. وكان قومياً عربياً.
هل ترك وصية ما مكتوبة لم يعلنها على الملأ؟
- ما تركه من كلمات مكتوبة لعائلته كان كل التصريحات العامة التي ادلى بها على مدى 47 سنة ولكن لم يكن هناك اي وصية سرية او خفية.
هل أنت متأكدة من ذلك؟
- تضحك أنا متأكدة من ذلك. على الأقل هذا ما أعرفه. وما تركه لعائلته تركه في قلوبها والعِبَر التي تركها من خلال عمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.