قال رئيس حزب التجمع اليساري السيد خالد محيي الدين إن التسوية السياسية الدائرة حالياً، لن تكون نتائجها في صالح العرب، إذا استمرت التوازنات القائمة، والتي تتطلب صياغة سياسات جديدة، لامتلاك عناصر القوة في المستقبل، وشدد على أن الصراع المصري - الإسرائيلي سيصبح الأقوى في المنطقة بعد التسوية، ورفض اتهام أعضاء "جماعة كوبنهاغن" ب"الخيانة"، وقال إن إسرائيل ليست "كتلة صماء"، ورد على اتهام حزبه بپ"التطبيع"، وقال: "أسسنا حركة مقاومة التطبيع ومستمرون فيها". وهنا نص الحوار الذي أجرته معه "الحياة": كيف تنظرون، كحزب اليسار المصري، للصراع العربي - الإسرائيلي في المرحلة الحالية؟ - الصراع سيظل ممتداً، ما دام توازن القوى في المنطقة ليس في صالح العرب. وما يجري حالياً تسوية سياسية، تمثل أحد جوانب السلام. لكنها لا تحقق السلام الكامل، وبحكم أن موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية في صالح إسرائيل، فالتسوية لن تكون في صالح العرب في هذه المرحلة. هل يعني ذلك أنكم ترفضون مشروع التسوية الحالية على الساحة العربية؟ اختلال الموازين لا يعني رفض التسوية السياسية، لأن البديل، وهو الحرب، غير ممكن، وكذلك التأخر في التسوية سيتسبب في أضرار أكثر فداحة على الأرض. من هنا نحن نتحدث عن طرح سياسة لمواجهة تداعيات نتائج التسوية الدائرة، فهناك اتفاقات تعترف بوجود إسرائيل، وتتحدث عن علاقات معها، لكن في الوقت ذاته ستستمر عملية المواجهة بين أهداف الطرفين في المنطقة، لكن من دون استخدام القوة المسلحة، وهو ما يتطلب استراتيجية عربية صحيحة، تحتوي بها الأهداف الإسرائيلية، وتمنعها من الانتشار والسيطرة. هل تعتقدون بوجود مؤشرات على تحقيق هذه الفكرة؟ - حينما تصبح أمام خيار وحيد، لا تملك سوى الدعوة إلى وسائل للتعامل معه. فالعرب مطالبون ببناء أنفسهم كقوة اقتصادية وعلمية، وتحقيق تنمية بشرية حقيقية، تمنحهم القدرة على بناء مستقبل أفضل، لأن الصراع سينحصر في محاولة السيطرة على المنطقة، والأكفأ تكنولوجياً وديموقراطياً وعلمياً واقتصادياً، هو المرشح للسيطرة. هل يعني ذلك أن احتمالات الحرب ما زالت قائمة في المنطقة؟ - المؤكد أن المعركة ممتدة، ومسألة السلام الكامل ما زالت بعيدة، لأن السلام العادل والشامل يعني في الجوهر، نزع الأسلحة النووية من منطقة الشرق الأوسط، ووقف سباق التسلح، وهذا ما لا يحدث وترفضه إسرائيل وتطرح مفهوماً مخالفاً قائماً على الربط بين السلام والتطبيع، ولذلك نتحدث عن تسوية سياسية تمنع العدوان والحرب فقط. تقصدون إذن أن التسوية السياسية لن تحقق تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل؟ - هذه مسألة مرتبكة عند الكثيرين، فتوقيع اتفاقية مع إسرائيل يعني الاعتراف بها، وإقامة علاقات طبيعية رسمية معها، لكن استمرار مخططاتها إسرائيل للسيطرة على المنطقة، يدفعنا الى رفض التطبيع الرسمي معها ومقاومته، فالمؤشرات تؤكد أن الصراع المصري - الإسرائيلي - ولأسباب تاريخية - سيكون الأقوى بعد التسوية، لمواجهة سياسات السيطرة التي تتبعها إسرائيل، وهذا ما يفسر الاصرار على بناء قوتنا المسلحة، ليس من أجل الانتصار وفقط، ولكن حتى يفهم العدو أن أي معركة ستسبب له خسائر فادحة، حتى لو انتصر فيها. إذن كيف تقبلون التسوية السياسية إذا كانت هذه هي معطيات الواقع ومستقبله؟ - الرئيس جمال عبدالناصر طرح شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها"، والقوة هنا تشمل كل العناصر، ومصلحتنا في عدم استمرار الأوضاع الحالية لأن ظروفنا ليست أفضل، ومن هنا التسوية ليست في صالحنا إذا لم نفهم ذلك، والمهم ألا تكون التسوية معرقلة لنضالنا المستقبلي، وصراعنا ضد المشروع الصهيوني - الامبريالي الذي سيظل قائماً حتى نقضي عليه في المنطقة. الفترة الأخيرة شهدت اتهامات من بعض المثقفين لحزب التجمع بپ"التطبيع"؟ - حزبنا أول من قاد حملة ضد االتطبيع في نهاية السبعينات، وما زلنا مستمرين فيها، ليس لأننا ضد السلام، ولكن لأن اتفاقات كامب ديفيد حل فردي، لا يحقق الأهداف المشروعة، ونحن مع سلام مختلف الأهداف والمعاني، وأيضاً غير مستعدين أن تمارس الحكومة تطبيعاً رسمياً ونحن نستكمله شعبياً. كيف تفهمون "التطبيع"؟ - التطبيع لا يكون بالتحية أو المصافحة، كما يصور البعض، وإنما هي علاقة دائمة ومستمرة ومتسقة وهدف سياسي تسعى لتحقيقه في إطار رؤية متكاملة، ويجب هنا التفرقة بين دعاة سلام وبين متستر خلف الشعار. هذا يعني موافقتكم على وجود قوى سلام في إسرائيل؟ - بالطبع، هناك قوى سلام أقامت تظاهرة من نصف مليون مواطن ضد غزو لبنان، وبعضهم أقام دعاوى قضائية لمنع طرد الفلسطينيين. يجب أن نضع الأمور في إطارها، نحن نتحدث عن تحرك ضد أهداف الصهيونية وإقامة دولة اليهود في العالم، ومن ثم نفرق بين هؤلاء وبين شمعون بيريز المسؤول عن مذبحة قانا، فالأمور يجب أن تبتعد عن المزايدة، وإذا كانت قاعدتنا هي استمرار المواجهة ضد المشروع الصهيوني حتى بعد التسوية، فإن خطوات التطبيع ستظل مرتبطة بما نسترده من حقوقنا، ونحدده في انتهاء آثار عدوان حزيران يونيو 1967. أنصار "جماعة كوبنهاغن" يقولون إنهم يتحاورون مع قوى سلام في إسرائيل؟ - هناك عناصر في إسرائيل تطالب بالدولة الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير، ودولتين متجاورتين، هذا صحيح، لكني اعتقد أن جماعة كوبنهاغن جزء من المفاوضات الرسمية بين الدولتين، ومن هنا لا نعتبر بيريز ومشاركته في مؤتمر القاهرة دعماً للسلام. هل تعتبرون ممارسة هذه الجماعة "خيانة" للحقوق العربية؟ - نحن في التجمع ضد لفظ الخيانة لمجرد الاختلاف في وجهات النظر. هم تقديرهم مختلف، ويتصورون أنهم يلعبون دوراً لتحقيق السلام. نختلف معهم، ونتواجه، وننتقدهم بعنف، لكن لا نتهمهم بالخيانة. هناك اتجاه في اليسار المصري يرى أن الحوار مع إسرائيل ليس تطبيعاً؟ - هذا يتوقف على القوى التي يتم التحاور معها، مثلاً بيريز لا يمكن اعتباره من حركات السلام الإسرائيلية، وإذا تصور البعض أن إسرائيل "موجة واحدة" أو "كتلة صماء" فهذا خطأ، ونحن نضع في اعتبارنا المصلحة العربية والفلسطينية في سلم أولوياتنا. إذا كنتم تعتقدون أن الديموقراطية أحد عناصر القوة في الصراع فكيف تقومون الأوضاع الداخلية في بلادكم؟ - مصر تحتاج الى إصلاح ديموقراطي حقيقي، يجب أن يبدأ من حزب الغالبية، لأن ضعف الحزب الوطني الحاكم ينعكس على المعارضة، ولا يمكن الاعتراف بوجود تعددية في ظل سيطرة الغالبية على 90 في المئة من المؤسسات المنتخبة، ولذا نطالب بانتخابات حرة. لكن حزب الغالبية يتهم المعارضة بالضعف؟ - هذا ليس صحيحاً، فغالبية مرشحي الحزب الوطني فشلوا في الانتخابات الأخيرة، وقامت قيادة الحزب بضم الفائزين من المستقلين. ودعني أؤكد أن الديموقراطية ليست في الانتخابات البرلمانية، وإنما في "دمقرطة" المجتمع وأدواته، يعني تطبيقاً شاملاً للديموقراطية في كل أوجه الحياة، والتجمعات والفعاليات المختلفة، وقبول الرأي الآخر. ظهرت آراء داخل "التجمع" مضادة لمواقفه الرسمية بالامتناع عن التصويت في الاستفتاء الرئاسي المقرر في أيلول سبتمبر المقبل؟ - قادة الحزب رصدوا ردود الفعل على قرار الامتناع، والذي تأسس على رفض اسلوب الاستفتاء، ولاحظ الكثيرون وجود قبول شعبي لموقفنا، وهذا مؤشر على أن الناس ترفض استمرار هذا الاسلوب وتطالب بنظام الانتخاب الحر المباشر، وفي اعتقادي أن قضية الإصلاح الديموقراطي في مصر، ستظل قائمة، حتى تتأكد الحكومة أنه لا مفر من الاستجابة لمطالب الرأي العام، الذي بات مقتنعاً بالتعددية، ويتابع ما يدور من حولنا في هذا الصدد.