أعادت النتائج السلبية التي اسفرت عنها مفاوضات واشنطن بين الحزبين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مناخات التوتر والقلق من معاودة اندلاع القتال مجدداً بين الجانبين. وكانت المفاوضات الشاقة التي استمرت اسبوعاً كاملاً اشارت الى توصل الطرفين الى حلول وتفسيرات مشتركة لنصوص "اتفاق واشنطن" الذي أبرم برعاية الادارة الاميركية في ايلول سبتمبر الماضي. وعلمت "الحياة" ان وفدي الحزبين اتفقا على تجنب تبادل الحملات الاعلامية وعلى فتح مكاتب لكل طرف في مناطق الطرف الآخر وعودة المهجرين من مدينتي السليمانية وأربيل وتجمعات اخرى الى مناطقهم الأصلية بمعدل 25 عائلة كل شهر وعلى تسوية قضية العائدات الجمركية بشكل منصف بالتوافق بينهما. ووفقاً لمصادر كردية توقفت الاجتماعات عند اقتراح تقدم به الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني بالحق في "الملاحقة الساخنة" لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يخترقون مناطق "الديموقراطي" للقيام بأعمال عسكرية انطلاقاً من مناطق الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني. لكن الولاياتالمتحدة نجحت في وضع حل وسط يقضي بأن يقوم كل طرف بمسؤولياته داخل مناطقه فقط. عناصر التوتر النفسي والسياسي التي قد تؤدي الى تفجير غير مقصود للقتال تزايدت خلال الاسبوع الماضي بعدما كشفت سلطات "الديموقراطي" ثلاث مجموعات مسلحة أرسلها، وفقاً لمصادر هذا الحزب عثمان اوجلان شقيق عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال المحكوم بالإعدام في تركيا، وبمساعدة لوجستية ايرانية وتنسيق عسكري من مناطق "الاتحاد". "الحياة" تحدثت الى مسعود بارزاني وتصور حزبه للوضع والعقبات الاساسية التي تقف في وجه احراز تقدم في تنفيذ اتفاق واشنطن، واكد بارزاني "التوصل الى صيغة معقولة جداً شملت مجمل النقاط الاساسية. واتفق على ان تكون هذه مرحلة أولى ننطلق منها الى النقاط الأخرى كتشكيل الحكومة المشتركة، وان يعقد البرلمان جلساته على اساس 51 في المئة للديموقراطي مقابل 49 في المئة للاتحاد. ولكن للأسف في اليوم الأخير المخصص للتوقيع انسحب وفد الاتحاد ورفض التوقيع على الاتفاق، في حين كان قد وافق على جدول الاعمال وشارك في اللقاءات التي استمرت اسبوعاً". وعن الموقف الاميركي من هذه التطورات السلبية قال بارزاني: "وجدنا ان الاميركان مصممون على مواصلة دورهم كوسيط محايد. ولكني اتصور انهم في النهاية، وفيما اذا استمر طرف في رفض التزام تعهداته سيكون لهم موقف. خصوصاً ان الاتحاد الوطني ألزم نفسه وفقاً لاتفاق واشنطن في ايلول الماضي بعدم السماح لحزب العمال بإقامة اي قواعد في المنطقة. أقول لم يلتزم لأنه ربما لم يرغب أو لم يستطع تنفيذ هذا البند وعلينا ان ننتظر لنرى اجاباته النهائية عن هذه القضية". وبرز في الأونة الأخيرة تسخين سياسي على جبهة كركوك التي تتعرض منذ سنوات طويلة الى حملة تغيير لهويتها القومية، حيث يعبر الى مناطق الاكراد كل يوم عشرات من العوائل المهجرة من المدينة ويرحل آخرون الى مناطق وسط العراق. وقال بارزاني عن هذه القضية: "هذا الإجراء مضر جداً ومؤسف جداً، وهو ينسف الجزء القليل من الثقة، إن كان هناك وجود للثقة بالحكومة العراقية. وقد تنسف حتى الآمال المستقبلية بانفراج سياسي. مسألة التعريب بالنسبة الى أي مواطن كردي لا تمكن المساومة عليها. وهي مسألة مضرة ستضر بمستقبل العراق ومستقبل العلاقة بين الكرد والعرب. والتجربة الماضية اثبتت ان موضوع تعريب كركوك كان السبب الرئيسي في نسف اتفاق آذار مارس 1970". وسئل عن موقف حزبه من كركوك على المستوى السياسي فأجاب: "قبل كل شيء نحن لم نطلب انفصال كركوك عن العراق. ونحن لا نطالب بالإنفصال عموماً. كركوك مدينة عراقية كما بغداد وكما هي البصرة وأربيل ودهوك مدن عراقية. ولكن كركوك تاريخياً مدينة كردية ولا يمكن التنازل عنها بأي حال. والاجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة العراقية تزيد من تعقيد هذه المسألة وتضع العقبات في طريق حلها". وعن الحد الأدنى الذي يقبل به الاكراد بالنسبة الى كركوك ومنطقتها أوضح بارزاني: "في مفاوضات 1991 اتفقنا على ورقة تطبيع تضم مدينة كركوك الى جانب بقية كردستان. بمعنى عودة الاكراد المهجرين والمرحلين. وتقريباً كانت هذه احدى النقاط الاساسية. لكن يبدو انه جرى التراجع عنها في الفترة الأخيرة من قبل الحكومة". وأضاف: "إذا كانت هناك نية للتفاهم والتوصل الى حل لهذه المشكلة فيمكن بالتأكيد التوصل الى اتفاق مقبول. نحن نعرف ان كركوك مدينة لها خصوصية عراقية عامة بسبب موقعها وبسبب وجود شركة النفط فيها، وبسبب تركيبها، لكن يمكن ان نجد صيغة نتفق عليها بحيث يكون للحكومة المركزية سلطة معينة عليها، أي ان تكون تابعة للسلطة المركزية من دون ان يعني ذلك ان نتخلى عن كركوك ونعترف بالتعريب الذي جرى فيها. كركوك ستبقى كردية ولا يمكن لاحد ان يسلبها هذه الصفة". وعن العلاقة بين حزبه والحكومة العراقية أكد بارزاني: "نحن لسنا في وارد ان نكون بديلاً للسلطة المركزية في العراق. وكنا قمنا بواجبنا إزاء المعارضة العراقية لسنوات، ولكن للأسف المعارضة العراقية لم تستفد من دعمنا. اذن بالنسبة الينا أصبح واضحاً ان صون أو حماية التجربة والوضع الموجودين في كردستان هو الأهم بالنسبة الينا لأنه يوفر ضمانة لملايين من البشر المهددين".