تعتبر إيطاليا الشريك الاقتصادي الأول، ونقطة العبور الرئيسية لألبانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي. وتعزز هذا الاتجاه منذ انفتاح تيرانا على العالم الخارجي عام 1991. وتملك العلاقات الثنائية بين ألبانياوإيطاليا بعداً خاصاً يدين بالفضل للنظرة الخاصة التي يملكها الألبان عن إيطاليا والروابط الخاصة التي تربط العائلات الالبانية بالعائلات ذات الأصل الألباني التي تنتشر في المجتمع الايطالي، لاسيما في المناطق الساحلية، وهي عائلات هاجرت إلى إيطاليا وقت دخول القوات العثمانية قبل نحو خمسة قرون وتفضيل الكثيرين من المسيحيين الهجرة بدلاً من اعتناق الدين الإسلامي. وقال ل "الحياة" فيتشينسو تشيميسو مالك مجموعة "أوتيما" الإيطالية للبذار والمنتجات الزراعية التي تبلغ عائداتها 70 مليون دولار سنوياً إنه يزور تيرانا لفتح أسواق جديدة لمجموعته محاولاً الافادة من علاقاته العائلية المنقرضة. واضاف: "أنا ألباني الأصل هاجرت عائلتي منذ أكثر من أربعة قرون إلى إيطاليا وهناك إمكانات عملية لي للحصول على مساعدة بعض الاقرباء نظراً إلى أن ألبانيا، مثل جنوبإيطاليا ومناطقها الساحلية، تقيم وزناً للروابط الأسرية والعشائرية حتى تلك التي تعود إلى قرون عدة". وتسيطر البرامج التي تبثها قنوات التلفزيون الايطالية الخمس على أوقات الفراغ لدى العائلات الالبانية. وتنتصب على الشرفات والدور، في مختلف أنحاء ألبانيا، صحون التقاط للبث الفضائي تشكل المدخل الأول لتعميم أنماط الاستهلاك الغربية ومعها أساليب الحياة الثقافية التي تشكل إيطاليا نموذجها الأول الذي يقبل عليه الألبان. وتبعد إيطاليا، في المتوسط، 130 كلم عن ألبانيا التي يفصلها عنها البحر الأدرياتيكي. إلا أن دورها في الحياة الاقتصادية الألبانية يُعتبر دوراً مهيمناً يشبه إلى حد كبير الدور الذي يمكن أن تمارسه الاقتصادات المتطورة على الاقتصادات الأضعف، المحاذية لها براً. ولهذا الوضع أهمية استراتيجية في منطقة جنوب شرق أوروبا، نظراً إلى التنافس القائم بين أكبر دولتين مجاورتين لألبانيا، وأكبر شريكين اقتصاديين لها وهما: إيطاليا واليونان. وعلى رغم امتلاك اليونان وألبانيا حدوداً برية مشتركة، ووجود جالية كبيرة من المهاجرين الألبان في اليونان، إلا أن أثينا تبقى عاجزة عن منافسة النفوذ الايطالي الذي يفرض سيطرته على كامل سواحل الادرياتكي والجزء الشمالي من البحر الأيوني. وتعكس المبادلات الاقتصادية قوة سياسية يحاول الطرفان تعزيزها. إلا أن الكفة مالت لصالح إيطاليا التي تموّل، مثلها مثل اليونان، حزباً سياسياً صغيراً يدافع عن مصالحها في الحياة السياسية الألبانية، وفي طريقة صناعة القرار في هذا البلد البلقاني الذي يسعى جاهداً إلى قبوله في الفضاء الاقتصادي الأوروبي. وقال الكاتب الألباني الكبير النائب في البرلمان ديتيريو آغوللي ل"الحياة": "وضع ألبانيا يشبه إلى حد كبير وضع اسبانيا التي عادت إلى الاحضان الأوروبية بعد عزلتها نصف قرن في ظل حكم فرانكو الفاشستي. وألبانيا التي عزلت أيضاً أثناء حكم أنور خوجه ورامز عليا لمدة 47 عاماً تريد العودة إلى أوروبا حيث موقعها الجغرافي والتاريخي. وأهمية الموازنة بين إيطاليا واليونان حاسمة لأنها ستقرر البوابة التي ندخل عبرها إلى أوروبا". وفي السنوات الأولى للانفتاح قفزت حصة إيطاليا بسرعة لتتصدر جميع المبادلات التجارية لألبانيا مع العالم الخارجي، في وقت ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين من ألبانيا إلى 150 ألفاً، 70 في المئة منهم من الذكور. مما اقتضى من الحكومة الايطالية توقيع اتفاق عام 1997 لاستقدام عمال موسميين ألبان بقصد الحد من الهجرة غير الشرعية، علماً أن ثلث الألبان المقيمين في إيطاليا لا يقيمون في صورة شرعية. وقبل عام 1990 كان 45 في المئة من مبادلات ألبانيا يتم مع أوروبا الشرقية، إلا أن 80 في المئة منها يتم حالياً مع أوروبا الغربية التي ارتبط بها الاقتصاد الألباني. وبعدما كانت ايطاليا تستحوذ على عشرة في المئة من الصادرات و12 في المئة من الواردات الألبانية عام 1991 ارتفعت حصتها إلى 06،45 في المئة و2،64 في المئة على التوالي العام الماضي. أما اليونان فارتفعت حصتها من تسعة في المئة للصادرات وعشرة في المئة للواردات إلى 23 في المئة و9،29 في المئة على التوالي خلال الفترة ذاتها. إلا أن كامل الميزان التجاري الألباني يبقى مختلاً لصالح إيطاليا. وقال المستشار التجاري في السفارة الايطالية في تيرانا ليوناردو سكاردينيو ل "الحياة" إن الميزان التجاري الألباني يعاني من حالة تبعية مزمنة تجاه الخارج. وصدرت إيطاليا إلى ألبانيا العام الماضي بضائع بقيمة 62،480 مليون دولار واستوردت بقيمة 3،120 مليون دولار، ما أوصل العجز في المبادلات بين البلدين إلى 3،360 مليون دولار. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة المبادلات نظراً إلى أن هناك أكثر من 500 شركة ايطالية تنشط في البانيا ويعمل فيها 2500 إيطالي، حسب إحصاءات السفارة الايطالية. وقال سكاردينيو: "تأتي الشركات الايطالية إلى هنا لتفتح شركات محلية لا تحتاج الواحدة منها إلى اكثر من 714 دولاراً كلفة التأسيس. وتقوم بعد ذلك باستيراد مواد لتصنيعها في ألبانيا حيث اليد العاملة الرخيصة، ومن ثم تصديرها إلى الأسواق الأروبية. وعمر هذه الشركات المحلية رهن بمدة العقد الذي تبرمه الشركات الأم الايطالية عادة". وتستحوذ صادرات الألبسة والأحذية والمنسوجات على 52 في المئة من إجمالي الصادرات الألبانية. وهذه تعتبر المجالات الرئيسية لعمل الشركات الايطالية. ومن شأن إعلان الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الماضي أنه ينوي رفع نسب الضرائب التي تراوح بين 15 و20 في المئة على الواردات الألبانية أن يشجع قدوم المستثمرين الايطاليين. وقال سكاردينيو: "نكتفي في الفترة الحالية بفتح خطوط إقراض للمستثمرين. ونقدم في الوقت مساعدات للحكومة الألبانية عبر القنوات الثنائية والمتعددة". وسبق لإيطاليا أن منحت ألبانيا عام 1998، وبموجب برنامج يستمر ثلاثة أعوام، قروضاً بقيمة 130 مليون دولار لتحسين القطاعات الرئيسية للخدمات لا سيما الطاقة والمياه والخدمات البلدية.