يبدو أن عيون «داعش» تتجه الى الغرب، ولأجل الوصول الى الغرب تركّز على دول البلقان كجسر عبور، وبالتحديد على الجسر الألباني – الايطالي، وذلك لتجنيد الشباب من المناطق الفقيرة برواتب مغرية والبحث عن مصادر تمويل في المنطقة ولو بواسطة تجارة المخدرات المربحة. تشير الأشرطة المتداولة على الانترنت وتقارير أجهزة الأمن والاستخبارات إلى اهتمام «داعش» بدول البلقان في الفترة الأخيرة، حيث يفيدها في ذلك الوجود المسلم المؤثر في غرب البلقان (البوسنة وجنوب صربيا ومقدونيا وكوسوفو وألبانيا) والفساد المستشري في الطبقة السياسية الحاكمة الذي يؤدي الى تفشي البطالة في وسط الشباب والى تزايد الفوارق الصارخة بين الأغنياء الجدد والفقراء الذين يتزايدون بكثرة. وإذا أخذنا جمهورية كوسوفو نموذجاً، وهي بمساحة لبنان وبأقل من مليوني نسمة، لوجدنا أن أجهزة الأمن قد وثقت مشاركة أكثر من 300 شاب كوسوفي في «الجهاد» بسورية والعراق منذ 2012 وأن خمسين «مجاهداً» من هؤلاء قتلوا في المعارك الدائرة في سورية والعراق. وفي بلد تصل فيه البطالة في صفوف الشباب الى حوالى 50 في المئة لا يعود من الصعب على «داعش» وغيره تجنيد المزيد من الشباب، حيث تبرز المعطيات أن معظم الشباب الذين انضموا الى «داعش» انما يتحدرون من المحافظات الأشد فقراً في كوسوفو مثل فريزاي وشتيميا وخان الياس (جريدة «زيري» 21/1/2015). ماذا وراء التركيز على ألبانياوايطاليا؟ إذا نظرنا الى خريطة أوروبا الجنوبية الشرقية (شبه جزيرة البلقان) وجدنا الموقع المناسب لامتداد «داعش» نحو الغرب. فالوجود المسلم في البلقان، بما فيه من إحباطات وسط الشباب بسبب الفساد المستشري والبطالة، يمثل تربة خصبة ل «داعش» لتجنيد الشباب ومدّ حدود «دولة الخلافة» باتجاه الغرب. ومن ناحية أخرى فإن تحول دول البلقان الى ممر لعبور اللاجئين الى وسط أوروبا (المانيا والنمسا) خلق فرصة لزرع خلايا نائمة هنا وهناك تفيد وقت الحاجة إليها. وفي هذه الخريطة تبدو بوضوح أهمية ألبانيا كرأس جسر نحو ايطاليا القريبة، كما أن الوجود الألباني في ايطاليا (حوالى 300 ألف لجأوا اليها بعد انهيار النظام الشيوعي) يساعد «داعش» على التغلغل في ايطاليا ذاتها. وقد كشف تقرير للاستخبارات الإيطالية عن تداول أشرطة دعائية ل «داعش» تغري الشباب للانضمام اليه برواتب مغرية (حوالى ألفي يورو) مع إعطاء الأفضلية لمن يعرف اللغة الألبانية ولديه مهارات في الحاسوب. وإذا كان الشرط الثاني يمكن تفهمه فوراً أخذاً في الاعتبار اهتمام «داعش» بالترويج لنفسه في الشبكة العنكبوتية، فإن الشرط الأول (معرفة اللغة الألبانية) يكشف عن تركيز «داعش» على ألبانيا والألبانيين في إيطاليا. صحيح أن الألبان يتوزعون على خمس دول متجاورة (ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود) إلا أن معرفة اللغة الايطالية كلغة ثانية لا تتوافر إلا في ألبانيا بحكم الجوار والاحتلال الايطالي لألبانيا خلال الحرب العالمية الثانية. ومن ناحية أخرى، فإن هذا الشرط متوافر في شكل أفضل في ايطاليا ذاتها مع هذا العدد الكبير للألبان فيها، الذين حصلوا على الجنسية أو الاقامة. ويتيح تجنيد الألبان ل «داعش» أفضلية أخرى ألا وهي أن السحنة الأوروبية للألبان تخرجهم عن الشكوك بالمقارنة مع السحنة الشرق الأوسطية للقادمين من دول الشرق الأوسط الى ايطاليا، إضافة الى أن بعضهم قد تزوج من إيطاليات مما جعلهم أكثر اندماجاً في المجتمع الايطالي. تجارة المخدرات وحينما تُذكر ألبانيا يرد الى الذهن فوراً «نجاح» المافيات الألبانية الجديدة التي حولت ألبانيا خلال ربع قرن من دولة لا تعرف ما هي المخدرات (كان النظام الشيوعي يتباهى أن تيرانا «أنظف» عاصمة أوروبية) الى دولة مصدرة للمخدرات الى اوروبا من خلال جارتها إيطاليا. وتمكنت هذه المافيات خلال 2010-2014 أن تكون لها دولة داخل الدولة وبحجم تجارة يوازي تقريباً موازنة الدولة الظاهرة. وبسبب ضغوطات الاتحاد الأوروبي، الذي كانت ألبانيا قدمت طلباً للانضمام اليه، قامت قوة كبيرة من الجيش والشرطة باقتحام لازارات عاصمة «دولة المخدرات» في صيف 2014 بعد معارك استمرت أياماً. لكن سقوط عاصمة «دولة المخدرات» لا يعني أن مافيات المخدرات قد انهارت، بل إن الجديد في الأمر أن «داعش» مع تركيزه على ألبانيا تنبّه أيضاً الى ما يمكن أن تدرّه عليه هذه التجارة ولذلك فقد دخل مؤخراً في هذه التجارة المربحة بالتعاون مع المافيات الألبانية الموجودة. كشفت قبل أيام الجريدة البريطانية «دايلي ميرور» (17/1/2016) عن حجم هذه التجارة الذي يصل الى أربعة بلايين دولار سنوياً، حيث تقوم المافيات بزراعة الحشيش في أنحاء مختلفة من ألبانيا ثم يتم تهريبه بالسفن وحتى بالطائرات الخاصة الى ايطاليا المجاورة، ومن هناك تقوم المافيات الألبانية بدورها في توصيل المخدرات الى الدول الاوربية الأخرى وصولاً الى بريطانيا التي تحولت الى «المركز الرئيس لتجارة المخدرات الألبانية». ومع تورط «داعش» في هذه التجارة المربحة تنتهى الجريدة الى التحذير بأن «كل من يشتري هذه المخدرات إنما يساهم في تمويل داعش». ومع أن بعض الصحف الألبانية («كوها ديتوره» وغيرها في 17/1/2016) تحفظت قليلاً على حجم هذه التجارة وعلى كون ألبانيا ليست المصدر الوحيد للمخدرات التي تتاجر بها المافيات الألبانية، إلا أن المهم هنا هو دخول «داعش» على الخط في تجارة المخدرات لتأمين المزيد من الدخل لها بعد انحسار العائد من تهريب النفط نتيجة القصف الجوي وهبوط الأسعار!