قال وزير المال والاقتصاد فتح الله ولعلو ان المغرب يراهن على تحقيق نمو في اجمالي الناتج يراوح بين ستة وسبعة في المئة بعد سنة 2000 لمواجهة العولمة والمنافسة الدولية وتوفير مزيد من فرص العمل التي اعتبرها من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي وتعيق تنميته. وكشف في حوار مع "الحياة" في مكتبه في الرباط ان الحكومة بصدد فتح رأس مال عدد من الشركات المملوكة للدولة في سياق تسريع وتيرة التخصيص وتطوير أداء القطاعات المرشحة للمنافسة الدولية على ان تظل الدولة المساهم الأكبر في تلك الشركات التي تشمل "اتصالات المغرب" و"الخطوط الملكية الجوية" و"مصرف البنك الشعبي" و"القرض العقاري والسياحي". وتوقع الوزير ان تعاود بورصة الدار البيضاء ارتفاعها بعد طرح اسهم بعض الشركات للاكتتاب. وقال ان المغرب لم يتأثر كثيراً بانتقال رؤوس الاموال من الاسواق الناشئة الى الدول الصناعية بعد أزمة جنوب شرق آسيا وروسيا والبرازيل. واعتبر ان الوضع الاقتصادي والقرب الجغرافي في المغرب يؤهله لجلب مزيد من رؤوس الاموال العربية والدولية. وفي ما يأتي نص الحديث: في حديث سابق مع "الحياة" قبل عام قلتم ان المغرب يعيش مفارقة بين الاقتصادي والمالي، هل لا يزال عندكم الانطباع نفسه وانتم تقدمون الموازنة الثانية امام البرلمان؟ - اعتقد ان المفارقة بالمفهوم الضيق موجودة بين معدل النمو ووتيرته ونوعيته وبين القانون المالي بالمفهوم الضيق، كذلك بسبب اشكالية المديونية الخارجية. ولكن وبصراحة اتضح لي الآن أكثر من أي وقت مضى انه توجد حركية مهمة للدولة خارج نطاق الموازنة خصوصاً عن طريق المؤسسات الشركات العمومية أو عن طريق مجموعة من العمليات الاستثمارية التي كانت تقوم بها الدولة سابقاً ضمن الموازنة وهي تقوم بها الآن، ولكن من خارج الموازنة، واعني بذلك مشاريع تنمية كبيرة مثل تشييد الطرق أو الاستثمار في الموانئ وتوسيع شبكة الكهرباء ومياه الشرب وغيرها. انها استثمارات تقوم بها الدولة ولكن خارج الموازنة وهذا ما يجعل تلك المؤسسات مرشحة لدور أكبر في الاستثمار مثل "المكتب الوطني للكهرباء" الذي نطلب منه ان يلعب الدور الأساسي في كهربة القرى، وكذلك "المكتب الشريف للفوسفات" و"الصندوق الطرقي" وهو خارج الموازنة العامة. إنها وسائل جديدة ومهمة واعتقد انه لإزالة الهوة بين الاقتصاد الكلي وبين نتائج الأداء المالي تنبغي مواصلة الاصلاحات. لذلك فإن البنك الدولي تفهم هذه القضية وقرر منح المغرب قرضاً استثنائياً يشارك فيه البنك الافريقي للتنمية بقيمة 450 مليون دولار. وربط البنك الدولي إقرار القرض ببرنامج الحكومة واعتمد كذلك على خطة الاصلاحات المواكبة له وهي نقطة اساسية فيها نوع من دعم المسار السياسي للمغرب من جهة وفيها كذلك دعم للاصلاحات النوعية التي تشمل التدبير الاقتصادي مثل الاصلاحات التي تهم القطاع الجمركي والتحصيل الضريبي وفتح رأس مال "البنك الشعبي" والقرض العقاري والسياحي و"اتصالات المغرب" و"الخطوط الملكية المغربية". وتشمل الاصلاحات كذلك المجال الاجتماعي عبر السعي الى محاربة الفقر وانشاء وكالة للتنمية الاجتماعية لهذا الغرض اضافة بطبيعة الحال الى اصلاحات اخرى ذات طبعية ادارية ميثاق حسن التدبير وغيرها. لكن برنامج الاصلاحات بدأ مع البنك الدولي منذ فترة طويلة تعود الى التقويم الهيكلي؟ - ربما نجح المغرب من قبل في تطويق الاختلالات المالية في الثمانينات، لكن ربما كان علينا منذ ذلك الوقت ان نواكب النجاح الكمي بالنجاح الكيفي. واعتقد ان الاصلاحات التي نحن بصددها ستمنح المغرب أدوات وآليات جديدة للارتقاء الاقتصادي والاجتماعي بهدف جعل وتيرة النمو في المغرب مستقلة عن التقلبات المناخية، وهو الهدف الذي يساعدنا في الوصول الى نسبة ستة في المئة من اجمالي الناتج المحلي سنة 2000. لاحظنا ان المغرب ومنذ عام 1992 يعيش على ايقاع سنة ايجابية واخرى سلبية في النمو لذلك فإن عمل الحكومة هو تفادي الانزلاق السلبي والعمل على تحقيق معدلات نمو متوسطة لا تقل عن خمسة في المئة مع احتمال ارتفاعها الى سبعة في المئة في الاعوام الجيدة على ان لا تقل عن اثنين في المئة في كل الحالات وهدفنا هو بلوغ نسبة ستة الى سبعة في المئة على امتداد اعوام متتالية. وفي هذه الحالة سيكون وضع المغرب افضل بكثير من الآن، أي خلق أرضية اقتصادية صلبة مع الاهتمام بالزراعة والري والانفتاح على الاستثمارات العربية والاجنبية. لكن الاستثمارات الاجنبية تراجعت العام الماضي في المغرب. - اعتقد ان المشكلة هي احصائية بالنسبة لوضع المغرب. المملكة حققت عام 1997 رقماً قياسياً في حجم الاستثمارات الاجنبية فاقت 1.2 بليون دولار بفعل عمليات استثمار مباشرة وبرامج تخصيص شركات عمومية الطاقة وعمليات تفويض الامتياز في قطاع الكهرباء الجرف الأصفر 1.5 بليون دولار. وفي عام 1998 انخفض حجم الاستثمار الاجنبي كما هو معروف. لكن الانخفاض كان أقل بكثير مما حدث في دول نامية أو دول منبثقة بسبب الأزمة الآسيوية وانعكاساتها. اذ فضل رجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال الذهاب الى اسواق الدول الصناعية وابتعدت الاستثمارات للاسف عن جل الدول النامية. ولذلك يجب التأكيد على ان ابتعاد تلك الاموال عن المغرب كان أقل بكثير من ابتعادها عن البلدان الآسيوية والأميركية اللاتينية وحتى المتوسطية الأخرى. لذلك عندما نقارن الأرقام نجد ان المغرب حافظ على وتيرة الاستثمار السابقة اذا استثنينا عمليات التخصيص التي لم تحدث العام الماضي. ونتوقع عودة قوية للاستثمارات الاجنبية سنتي 1999 و2000 وهي تشمل ثلاثة أنواع: أولاً، استثمارات بشكل مباشر كما هو في مشروع "طومسون" أشباه الموصلات، وكما ورد في مشروع "داييو" لصناعة السيارات والاجهزة الالكترونية، أو في مجال السياحة التي تشهد هذه الأيام طفرة لا بأس بها ووقعت مجموعات فرنسية وبريطانية والمانية عقوداً مع المغرب لانجاز مشاريع سياحية ضخمة. ثانياً، استثمارات بشكل غير مباشر كما هو منتظر في برنامج انشاء شبكة ثانية للهاتف الخليوي النقال الذي سيعلن عنه خلال اسابيع قليلة. وثالثاً، استثمارات تتم عبر برامج التخصيص وفتح رؤوس أموال مؤسسات كبرى مثل شركة "اتصالات المغرب" وشركات أخرى وهي عملية كبيرة جداً وستستغرق وقتاً أطول. وبالنسبة لشركة الخطوط الملكية المغربية؟ - نعم هي كذلك، ومن المؤكد ان هذه المؤسسة ستطرح 40 في المئة من رأس مالها للاكتتاب وسيبقى للدولة في هذه المرحلة حضور سائد. لكن فتح رأس المال ضروري خصوصاً ان نتائج الخطوط الملكية المغربية جيدة جداً 40 مليون دولار أرباح العام الما ضي ومن شأن ذلك حفز الشركة لتقوية قاعدتها التنافسية لمواجهة مستلزمات العولمة التي تمس قطاع النقل الجوي بالقوة نفسها التي تمس بها قطاع الاتصالات بحلول سنة 2000. وسيشكل هذا العام منعطفاً مصيرياً لهذا القطاع لذلك يجب على مؤسستنا ان تواكب التحولات وان تكون في مواعيدها الأساسية، ونحن نهيئ لها ذلك. اتجهت المغربية الى توسيع حضورها الافريقي اخيراً بشراء "ارسنغال". هل يدخل ذلك ضمن خطة المواكبة والعولمة؟ - هناك استراتيجية جهوية واخرى عالمية. واعتقد انه مع الخط الذي تملكه المغربية في اتجاه جوهانسبورغ في جنوب افريقيا والخطوط التي تربطنا مع شمال القارة الاميركية وأوروبا والشرق العربي يجب اعتماد استراتيجية جهوية - افريقية - اقليمية. وهذا ما سعت اليه "المغربية" ضمن خطتها الاستراتيجية الدولية لتعزيز حضورها وتقوية مناعتها وهو يدخل بطبيعة الحال ضمن نشاطها. تعيش بورصة الدار البيضاء تراجعاً في المؤشر بعدما حققت ارقاماً قياسياً في قيمة الاسهم في الاعوام الماضية... - بورصة المغرب تعيش مرحلة النضج مثلها مثل معظم بورصات الاسواق الناشئة. لقد انطلقت من الصفر في بدايتها ومرت بمرحلة الفتوة في منتصف التسعينات وشهدت ثلاثة اعوام من الارتفاعات الكبيرة المتتالية بلغت 50 في المئة. وتقول نظرية الاقتصاد المالي انه بعد كل حالات الارتفاع الكبيرة تأتي مرحلة اخرى يطلق عليها اسم "الاصلاحات التقنية" تعدل فيها الاسعار بشكل تصحيحي. ولكن من المؤكد ان البورصة المغربية ستشهد في الاسابيع المقبلة حركة ايقاع الارتفاع في القيم. هل لذلك علاقة بالقانون المالي موازنة 1999 - 2000 الذي يدخل التنفيذ في تموز يوليو المقبل؟ - لا اعتقد... ولكن من المؤكد ان البورصة تنتظر دخول مؤسسات جديدة وادراج اسهم جديدة لأنها تحتاج الى أوراق جديدة. وستكون هذه العمليات التي تشمل التخصيص وسبق ان ذكرتها سابقاً، حافزاً قوياً لتنشيط البورصة لأن الفاعلين في السوق المالية ينتظرون هذه العمليات ويتهيأون للمشاركة فيها. كذلك يجب القول ان بورصة المغرب لم تتأثر بالانخفاضات التي شهدتها اسواق المال الدولية في عدد من المناطق ومنها بورصات متوسطية وعربية ونامية، لذلك نحن مطمئنون الى الانطلاقة الجديدة المتوقعة لأنها ستكون مبنية على أسس صلبة في وقت تعرف سوق المال المغربية تطوراً نوعياً في قوانينها وتشريعاتها تجعلها تتجه نحو مزيد من الشفافية ومزيد من الانفتاح ولذلك فتطورها يندرج في نوع من المواكبة ما بين نمو الاقتصاد الحقيقي وتطور الاقتصاد المالي. وهذا هو المطلوب والطبيعي للاقتصاديات العصرية. لكن أداء البورصة كان عالياً في وقت كان أداء الاقتصاد المغربي سالباً. كيف تفسرون هذه المفارقة؟ - كما قلت سابقاً الاقتصاد المغربي فيه ازدواجية كما هو موجود في جل الاقتصادات العالمية. والبورصة بطبيعتها تمثل جزءاً من الاقتصاد المحلي نحو 40 في المئة في حال المغرب وبإمكانها توجيه نشاطها نحو الجزء الذي تختاره داخل الاقتصاد. يدخل المغرب تدريجاً مرحلة الاندماج والتمركز المالي. وأخيراً حدث تحول في تركيبة رؤوس أموال بعض المجموعات الاقتصادية الكبرى بعد صفقة شراء حصص فرنسية في شركة الوطنية للتأمين التي عادت الى مجموعة بن جلون المالية... - واكبت وزارة المال وبنك المغرب المركزي هذه العملية منذ اشهر عندما قررت مجموعة أوروبية لاعتبارات أوروبية صرفة جان بيع نصيبها في شركة الوطنية. تقدمت مجموعات مغربية عدة لهذه المناقصة الفرنسية وكنا البنك المركزي - وزارة المال - مكتب الصرف نحرص منذ البداية على الالتزام بقاعدتين: أولاً الشفافية والمنافسة الحرية بين المجموعات المهتمة. وثانياً السهر على ألا تؤدي العملية الصفقة الى خروج الاموال من المغرب بل بالعكس ان تؤدي الى خلق شراكة مع مستثمرين دوليين وهذا ما حصل بالفعل. وكما تعلمون رتبت مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية التي قررت شراء الاسهم قرضاً من السوق الدولية فرانكفورت 162 مليون يورو حصلت عليه بسهولة بفعل تحالفاتها الخارجية كومرتز بنك الالماني. لكن المهم في كل ذلك ان العملية دشنت حركية جديدة في قطاع التأمين في المغرب وستشمل قطاع المصارف واسواق المال. والمؤكد ان المغرب دخل مرحلة التمركز الاندماج وهذه بدايتها ونعتبرها تحولاً طبيعياً يساعد قطاع التأمين لإعداد نفسه لمواجهة تحديدات الانفتاح الدولي. ومن جانبنا الحكومة سنحرص على حماية الادخار الوطني وحقوق المؤمن عنهم، اما في حال المصارف التجارية فالحركة التمركز موجودة منذ فترة وهي ستستمر بشكل طبيعي. كيف تتصورون شكل التحالفات المرتقبة التي قد تحدثها برامج التمركز المالي والاقتصادي وماذا تتوقعون من منافع على الاقتصاد المحلي جراء عمليات الاندماج الدولي؟ - أعتقد ان الحركية الاقتصادية في المغرب ستتمحور حول ثلاث مجموعات اساسية أهمها اساساً هو تكوين نسيج متزايد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشكل خصوصاً في الصناعات والخدمات البناء الاساسي لقاعدة الاقتصاد المغربي ولها قدرة كبيرة على التأقلم والتكيف مع كل تطور أو تحول جديد. المجموعة الثانية هي بروز مجموعات كبرى اقتصادية إما مرتبطة بمجموعات بنكية مصرفية أو مالية أو مستقلة عنها وقد تكون تلك المجموعات ذات رأس مال مغربي أو رأس مال اجنبي أو متشارك وهي يمكن ان تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد المحلي خصوصاً تطوير مجالات التكنولوجيا والمهن الجديدة. اما المجموعة الثالثة وهو ما اسميه بالاقتصاد الباطني تقديرات 38 في المئة فإن استفادته تكمن اساساً في اخراجه من اقتصاد التهميش عبر مشاركته في الحركة الجديدة مما قد يدفعه تلقائياً الى الانخراط في الدورة الاقتصادية وضوابطها. ولذلك فهذه الثلاثية تتطور بشكل طبيعي وسليم. قمتم قبل اشهر بجولة في دول الخليج العربي على رأس وفد من رجال الاعمال. ما هي حصيلة المشاريع الاستثمارية التي نسجتها الزيارة؟ - الهدف الأول من الجولة التي اعتقدها واعدة هي ايجاد تجانس بين العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية بين المغرب ودول الخليج، فإذا كانت العلاقات السياسية جيدة جداً فإن الجانب الاقتصادي يحتاج الى تفعيل، وهذا ما حرصنا عليه في الزيارة. أما الهدف الثاني فيكمن في اظهار المغرب أمام المستثمرين العرب في الخليج، ولذلك كانت تركيبة الوفد متنوعة تشمل رجال اعمال واصحاب مقاولات وممثلين عن مصارف تجارية وعن سوق المال لكي نعرّف بالمغرب وفرص الاستثمار فيه. والهدف الثالث هو تبليغ رسالة مؤداها انه في عالم اليوم المعولم يحتاج العالم العربي الى استراتيجية للتعاون لمنافسة التجمعات الاخرى ونعتقد ان المغرب هو البوابة العربية الاقرب الى أوروبا واسواق الاتحاد الأوروبي وان الخليج هو البوابة العربية للاسواق الآسيوية، وعلى هاتين البوابتين ان تلعبا دوراً اساسياً في عولمة التجارة والاقتصاد. أما بالنسبة للعلاقات الثنائية فإن المغرب يسعى الى علاقات قائمة على منطق الاستثمار عوض منطقة علاقات المديونية. وظهرت نتائج مباشرة من خلال عودة الصندوق السعودي الى الاستثمار في المغرب وستشمل تدخلاته مجال التعليم العالي عبر بناء كليتي الطب في فاس ومراكش وتمويل طريق سيار بين الدار البيضاء والجديدة اضافة الى المساهمة في بناء مساكن اجتماعية وتدخلاته التقليدية. كذلك لنا مشاريع مع الصندوق الكويتي والصندوق الاماراتي في مجالات الطرق السيارة والسدود وغيرها. اما الجانب الآخر من الزيارة فهو العمل على نسج علاقات مباشرة بين المستثمرين الخليجيين وزملائهم المغاربة. ونحن كحكومة أداة للتواصل وتسهيل مهمة الفاعلين الاقتصاديين لا نتدخل في أي علاقة ولكننا نخلق في المقابل بنية استقبالية لتسهيل المهمة واعتقد ان الاشياء تتطور وهي واعدة بكل تأكيد.