كانت عينا يوسف قد دمعتا وهو يغلق باب شقته غصباً عنه لا لشيء، إلا لأنه رأى جارته أم صابر تعنف صغيرها صابر، الى درجة أنه لم يحتمل النظر، خصوصاً وأنه لمح في يدها سكيناً من ذلك النوع الذي يخشى مجرد الإمساك به، لا استعماله. ما أن نزل يوسف السلم ووضع قدميه على رصيف الشارع، حتى شعر بالخجل أو شيء كهذا لأنه أولاً لم يكن قد عرف حقيقة الأمر، وأن المسألة كانت بالنسبة له دوماً، لا أن تقوم أم بتعنيف ابنها أو حتى ضربه، بل أن تكون لهذا الشخص أو ذاك أم أصلاً. قال يوسف ربما كان هذا هو السبب إذاً. خرج يوسف من الشارع الجانبي، ودخل الطريق الرئيسي، فوجد الكثير من الأمهات يمسكن بأيدي، أو رقاب، الكثير من الأولاد، فظن أن هناك احتفالاً ما، ولكنه استغرب الأمر، وكان على أي حال ذاهباً للقاء صديقته سلمى، التي راحت تصر، خصوصاً في المرة السابقة التي التقاها فيها بأنها ليست مجرد صديقة وإنما هي أكثر من ذلك، ولم تتركه حتى قال بلسانه بأنها "حبيبته"، مع أنه كان يقصد ذلك على وجه التحديد. حتى وان كان قد نطق بغير ذلك. لم يكن الكازينو الذي سيلتقي فيه سلمى بعيداً، إذ سرعان ما وصل فوجدها جالسة في انتظاره، ولأنها كانت قد اعتادت على تأخره، فإنها لم تهتم، ولكنها اهتمت حين راح يرمق سيدة في عمر أمه كانت تجالس شخصاً في عمر ابنها، لكنها، لم تتحدث بشيء عن هذا الموضوع في بادىء الأمر، ولكنها حين لاحظت أنه راح يكرر نظراته الى تلك المرأة، نبهته الى أن ذلك قد يكون أمراً غير ملائم، خصوصاً وأنها لاحظت أن الشاب الصغير الذي يرافق المرأة الكبيرة، كان يشعر بالحرج، ولكنها حين نظر مرة أخرى وكانت تحدثه عن أمر كانت تراه مهماً للغاية، يتعلق بمستقبلهما معاً، اضطرت لتنبيهه بشكل مباشر. قالت سلمى: ما الذي يجعلك تواصل النظر لهذه المرأة الكبيرة؟ قال يوسف: لا. إنني أنظر للرجل الصغير. قالت سلمى بعناد: لا، أنت تنظر للمرأة. قال: لا. انني أنظر للرجل. قالت: لا. انه ليس رجلاً حتى. انه مجرد شاب صغير. قال: إذاً أنت لاحظت ذلك؟ قالت: ما الذي لاحظته؟ قال: ان الرجل شاب صغير، والمرأة امرأة كبيرة. قالت: ومن الذي لا يلاحظ ذلك. ان الفرق واضح جداً. قال: لكن الرجل الصغير يبدو سعيداً على أي حال. قالت: ربما يكون الأمر أمر مصلحة. قال: وما الذي يدفعك لقول ذلك؟ قالت: الأمر واضح كالشمس. قال: الأمر واضح هنا، لكن يمكن أن يكون مختلفاً في مكان آخر. قالت: أي مكان آخر؟ ما الذي تقصده؟ قال: قد يكون هو سعيداً معها. هذا ما أردت قوله. قالت: لا. أنت تقصد شيئاً آخر. قال: ربما. قالت: هذه الدنيا... قال: ما الذي تقصدين؟ قالت: أف. الدنيا مليئة بأشياء غريبة. ثم أردفت: هذه الأيام. قال: هذه الأيام فقط؟ كانت الدنيا مليئة بهذه الأشياء طوال الوقت. لكننا لا نريد أن نرى. قالت بشبه غضب: آه. وهل سنستمر في الحديث في أمر الرجل الصغير والمرأة الكبيرة. هل سنستمر طويلاً؟ قال: لا. يمكننا أن نتحدث في شيء آخر. قالت: هيا. تحدث. قال: في أي شيء؟ قالت: في أي شيء آخر. ألم تقل أنت ذلك؟ كان الغضب قد وصل الى قلب يوسف، لكنه لم يكن قادراً على التعبير عنه، خوفاً من انكشاف أمره، كما أنه، وقد كان يود مواصلة النظر الى المرأة الكبيرة، وجد أن الأمر لا يحتمل، فطلب أن يتركا المكان. خرج يوسف ومعه سلمى وتعمد أن يسير بها وسط الزحام. لم يكن يوسف يعرف ما الذي جرى إذ يجد في نفسه رغبة لا يستطيع مقاومتها للبحث عن ذلك الشاب وتلك المرأة على الرغم من أنه كان قد تركهما للتو هناك، في ذلك الكازينو، لكنه، ولأن تلك الرغبة كانت أقوى من أن يتخلص منها وجد نفسه يندس بين الزحام حتى ابتعد عن سلمى وتاه. أخذ يوسف يمشي زائغ العينين لا يعرف ما الذي جرى. عاد يوسف من نفس الطريق. لم يكن يبحث عن سلمى. عاد يوسف الى بيته. وضع المفتاح في ثقب الباب ونظر خلفه. قال: أين هي؟ * روائي مصري مقيم في الكويت.