في ظل انعدام الثقة بين قيادة قوات الاحتلال الإسرائيلي وحليفها "جيش لبنان الجنوبي" لما آلت اليه التطورات الأمنية أخيراً داخل "الشريط الحدودي" المحتل، يعيش كلا الطرفين حال ارباك وخوف مما تحدثه اختراقات الأجهزة الأمنية اللبنانية والمقاومة لضباط جهاز أمن "الجنوبي" وعناصره من جهة، والخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي وحليفه على السواء من جهة ثانية، بفعل العمليات النوعية التي ينفذها "حزب الله" في عمق المنطقة الحدودية والتي أضحت بكاملها مسرحاً لنشاطه ما عكس حال توتر دائم وجعل الاحتلال والميليشيات في موقع صعب. وأخفقت كل المحاولات التي قامت بها قوات الاحتلال للملمة أوضاع الميليشيات المنهارة والمحبطة لاعادة التواصل في ما بينها، ما زاد في تفككها وتعدد ولاءات الوحدات فيها لجهات عدة، وأضحت عبئاً على الاحتلال نفسه الذي يعيش هو الآخر مأزقاً صعباً بعدما فشل أمنياً وعسكرياً في تأمين الحماية لجنوده. وما يزيد في حال الانهيار لدى "الجنوبي" اخفاق قيادته وقيادة الاحتلال في تجنيد عناصر جدد لسد الفراغ الكبير الذي أحدثته عمليات الفرار والاستقالات وسقوط القتلى والجرحى والأسرى من جراء عمليات المقاومة، واحجام الشبان القادرين على حمل السلاح من الالتحاق بصفوف الميليشيات على رغم النداءات المتكررة ترغيباً عبر رفع الرواتب وتقديم المغريات وترهيباً عبر التجنيد الاجباري تحت طائلة السجن وابعاد عائلاتهم. إذ أن كل هذه الوسائل لم تؤثر في رفض هؤلاء الانخراط عنوة أو طوعاً خصوصاً في ظل تزايد حال العداء في صفوف السكان ل"الجنوبي" وللاحتلال الذي لم يعد بدوره يحتمل وزر هذه الضغوط. وتضاف الى كل ذلك مراقبة حركة قوات الاحتلال وضربها في المناطق التي يعتبرها الأكثر أمناً له، خصوصاً بعد تفكيك شبكات كثيرة كانت تعمل لمصلحته داخل المنطقة وخارجها، فعمد في المدة الأخيرة الى خفض عديد جيشه وحدّ من تحرك دورياته محاولاً قدر الإمكان الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع المقاومة والاحتماء في مواقع أقل احتكاكاً، وسلم مواقعه الأمامية الى وحدات من الميليشيا الأكثر وثوقاً لديه لتتحمل الضربات بدلاً منه. وفيما يتزايد الحديث عن انسحاب اسرائيلي من الجنوب، فإن الإعتقاد السائد لدى "الجنوبي" ان عملية الانسحاب أصبحت مسألة وقت وتشمل كمرحلة أولى ما بعد حدود عملية الليطاني عام 1978، وأن ما يعزز هذا الشعور لدى غالبية عناصر "الجنوبي" بأن شيئاً ما بدأ يحضر على هذا الصعيد، اجراءات عملانية ميدانية شرعت القوات الإسرائيلية حديثاً في القيام بها على الخطوط الخلفية داخل الشريط المحتل تزامنت مع تصريحات لقادة ألوية يخدمون في الشريط تطالب بالانسحاب الفوري ومن جانب واحد بسبب اخفاق اسرائيل في الحد من هجمات المقاومين وعجزها عن القيام بأعمال عسكرية لاقتناعها بأكلافها الباهظة. وعلى جبهة أخرى تشهد حال سخونة دائمة، فإن اشاعات بدأت تروّج في منطقة جزين بأن ميليشيا "الجنوبي" تود اخلاء المنطقة التي أصبحت ساقطة عسكرياً ومغادرتها الى المنطقة الحدودية، بعدما وصلت الى مرحلة لم تعد قادرة معها على السيطرة على الوضع الميداني فيها نتيجة ضربات المقاومة المتواصلة، وان هذه التطورات دفعت بقيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي وبعد اجتماعات عدة في أكثر من منطقة مع قائد "الجنوبي" اللواء انطوان لحد وقيادة أركانه الى صدور قرار اسرائيلي بإلحاق جزين ومنطقتها أمنياً بمنطقة حاصبيا - مرجعيون. خصوصاً بعدما فشلت كل المحاولات في تعيين قائد جديد للفوج العشرين في المنطقة، وهو منصب شغر بإصابة قائده الأول بجروح خطرة ومقتل الثاني وعدد من ضباط الفوج وعناصره، الأمر الذي أحدث حال ارباك وانهيار في صفوفه وقلص عديده. وتفيد المصادر الأمنية ان قيادة "الجنوبي" تواجه عجزاً كبيراً في تأمين عناصر بدلاء لملء الفراغ في المواقع الأمامية وبفعل حالات الفرار التي سجلت أخيراً وتراجع الميليشيات الى داخل القرى واخلاء الكثير من المواقع المتقدمة. وتضيف المصادر ان من الأسباب أيضاً شعور ميليشيا "الجنوبي" وجهاز الأمن فيها بأن المنطقة أصبحت مسرحاً للعمليات العسكرية ولنشاط المقاومين وانهم باتوا مكشوفين ومراقبين حتى من داخل صفوفهم وتزويد المقاومة تحركاتهم، وهذا ما تؤكده صور كاميرا الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية لهم ولمنازلهم وسياراتهم قبل تفجيرها وأسر البعض منهم في محيط مواقعهم. وما يعزز هذا التوجه معلومات من المنطقة تفيد عن تراجع الدوريات الراجلة والمؤللة في شكل لافت إذ نادراً ما عاد يشاهد السكان أو يسمعون هدير آليات أو دوريات تجوب شوارعهم، ومن يخرج من المقاتلين من موقعه يشاهد شاهراً سلاحه كأنه في وضع قتالي وهو في أقصى حالات الحذر، مخافة أن يتعرض لهجوم في أي لحظة أو تحسباً لانفجار عبوة ناسفة. وتؤكد المصادر ان ما يدفع الإسرائيليين وقيادة "الجنوبي" الى هذا الخيار حال الاستياء الشديد في جزين اليوم، وما يعانيه سكانها بسبب وجودهم، وما ينتج عنه من عمليات وتفجير وسقوط ضحايا بريئة، فضلاً عن تفاقم الأزمة التي بلغت ذروتها بفعل الحصار المفروض على المدينة واقفال المعابر والممارسات التي تقوم بها ميليشيا "الجنوبي" في حق الأهالي مع كل عملية تحدث في المنطقة، وبالتالي توقهم الى العودة الى أحضان الشرعية ورفضهم جهراً العيش تحت ظل الاحتلال. وتشير المعلومات الى عوامل أخرى ميدانية تنبىء بأن القوات الإسرائيلية تفكر جدياً في اخلاء المنطقة والتراجع الى المناطق الخلفية، نحو منطقة حاصبيا - مرجعيون في الشريط الحدودي الذي كانت أنشأته اسرائيل خلال اجتياح العام 1978 وسلمته الى "جيش لبنان الحر" بقيادة الرائد سعد حداد الذي خلفه بعد وفاته اللواء المتقاعد لحد. وفي هذا السياق، تؤكد المعلومات الواردة من القطاع الشرقي ومشاهدات السكان ان جرافات اسرائيلية تشق منذ نحو شهر، وبحماية ناقلات جند مدرعة، طريقاً عسكرية بطول كيلومترات عدة، بدءاً من بلدة مرجعيون مقر قيادة "الجنوبي" المشرفة على الليطاني، وقلعة الشقيف غرباً وتمتد الى محيط حاصبيا في منطقة العرقوب شرقاً. وتعمل الجرافات على ازالة العوائق من أشجار وصخور بعد تفجير وحدات الهندسة الإسرائيلية لها، وتقيم على التلال المحيطة التي أحاطتها سواتر محصنة خصوصاً في مرتفعات نقار كوكبا مواقع عدة عززتها بأجهزة للمراقبة والرصد. وتفيد المعلومات ان القوات الإسرائيلية دفعت أخيراً بتعزيزات لوجستية الى موقع زغلة القائم على تلة كبيرة تشرف على حاصبيا والجوار داخل المنطقة الحدودية، وعلى الجهة المقابلة من المنطقة المحررة بعد استحداث أبنية جديدة، ودشم اسمنت مسلحة ضخمة فيها. ويؤكد أبناء المنطقة انهم شاهدوا ثلاث جرافات تعمل منذ نحو عشرة أيام في محيط الموقع الذي تشغله قيادة القوات الإسرائيلية على جبهة حاصبيا والى جانبه مبنى يشغله ضباط من قيادة "الجنوبي" في المنطقة. وادخلت شاحنات محملة بمكعبات الباطون المسلح الى موقع "الجنوبي" في تلة عين قنيا وشوهدت جرافة تقوم بأعمال تدشيم وتحصين فيه. وعلى الخطوط الخلفية لحاصبيا ذكر وافدون من المنطقة المحتلة أن أصوات هدير الجرافات لا يهدأ ليلاً ونهاراً منذ نحو أسبوعين في تلة الشريفي، وهي مركز عسكري ضخم يضم مربض مدفعية ثقيلة ويقع على المدخل الشمالي لبلدة الخيام الحدودية ويشرف على نبع ابل السقي وسهل مرجعيون وجبل الشيخ ويتولى قصف المناطق المحررة البعيدة. وافاد سكان محليون يتنقلون داخل المنطقة انهم شاهدوا هذه الجرافات تعمل على توسيع الموقع المذكور وتحصينه وحفر خنادق متعرجة واحاطتها بسواتر ترابية وأسلاك شائكة. وهذه المنطقة تعتبر خط دفاع ثانياً لجبهة حاصبيا. وتشير مصادر أمنية في جانب آخر، وبعد الاختراقات التي سجلتها المقاومة في عمليات نوعية في عمق المنطقة الحدودية ونجاحها مع الأجهزة الأمنية اللبنانية في اختراق ميليشيا "الجنوبي" العسكرية وأمنها اضافة الى عمليات الفرار التي تسجل من حين الى آخر بين صفوفها عبر المناطق الوعرة، الى أن قيادة وحدة الارتباط في الجيش الإسرائيلي العاملة في الشريط المحتل عمدت الأسبوع الماضي الى اطلاق منطاد استطلاع فوق مقر قيادتها في ثكنة مرجعيون، هو الثالث من نوعه، بعد اثنين أطلقا قبل مدة، واحد فوق منطقة المجيدية مركز تدريب عسكري للميليشيات المحاذية لسهل الحولة والتي يملكها الأمير مجيد ارسلان، وآخر فوق جبل الشيخ المعروف بجبل حرمون. إذ ان هذا المنطاد يمكنه تغطية المنطقة التي يرفع فيها بقطر يزيد عن ثلاثة كيلومترات ويرصد "التحركات المشبوهة" داخل الأحراج وفي الوديان وخلف التلال. وتأتي هذه التدابير بعد فقدان الثقة بقدرة "الجنوبي" على الإمساك أمنياً بالمنطقة وبأجهزته الأمنية والعسكرية إذ بعد كل عملية ناجحة تسجلها المقاومة في المنطقة الحدودية تتهم اسرائيل "الجنوبي" وتعتقل ضباطاً وعناصر منه بحجة تسريب معلومات الى المقاومين.