استخدم الحلف الاطلسي احدث ما طورته مصانع الاسلحة الاميركية والأوروبية في حملته ضد يوغوسلافيا، متبعاً استراتيجية القصف الجوي التي تهدف الى استنزاف الخصم وتحطيم قدرته على الصمود والمقاومة. وعلى رغم عدم تمكن الحملة من تحقيق اهدافها بالسرعة المنشودة لأسباب سياسية عدة، اهمها سوء تقديرات قيادة الحلف، الا انها تعتبر انجازاً عسكرياً في حال قارنّا الاهداف التي تم تدميرها مع حجم خسائر الاطلسي القليلة جداً. فالتطور الذي دخل على اجهزة الرصد والتشويش والتوجيه الغت الى حد ما اهمية العمق الاستراتيجي والعوائق الطبيعية وحشد القوات والعتاد وقلّصت من فعالية بعض الاسلحة الدفاعية مثل "صواريخ سام" والمدافع المضادة للطائرات. وأدى هذا التطور الى اعادة النظر في نظريات عسكرية كانت تعتبر جزءاً من عقيدة الجيوش في العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط، اذ تملك اسرائيل التكنولوجيا العسكرية ذاتها التي يستخدمها الاطلسي في هجومه على يوغوسلافيا. تتمثل عوامل تفوق الاطلسي التكتيكية في المجالات الآتية: - اجهزة الرصد والمراقبة والتنصت: وهي تؤمن عبر اقمار اصطناعية وأسراب من طائرات القيادة والسيطرة اواكس وطائرات دون طيار المجهزة بكاميرات تلسكوبية. وتوفر هذه المعدات معلومات عن التحركات الميدانية، مستخدمة اجهزة اتصال يصعب تحديد موقعها او التشويش عليها. وتؤمن هذه الوسائط معلومات في فترة زمنية قصيرة تمكن من التعامل معها فوراً. وهكذا، يحتفظ الأطلسي دوماً بزمام الأمور وحرية الحركة ويحرم خصمه من عنصر المفاجأة وسرعة الحركة. - القنابل والصواريخ الموجهة بأشعة الليزر وغيرها، التي مكنت الطائرات من اصابة اهدافها من علو متوسط او مرتفع لا تستطيع غالبية الصواريخ والمضادات الأرضية الوصول اليه. وهذا قلل من خسائر الاطلسي بشكل ملحوظ أحبط معنويات الصرب. - الصواريخ الجوالة والقاذفات والمقاتلات الاستراتيجية التي قلّصت من صعوبة العمق الاستراتيجي وقللت من اهمية بعد الهدف عن ساحة العمليات المباشرة. لا تملك اسرائيل صواريخ جوالة، الا انها تملك صواريخ باليستية تستطيع اصابة اي هدف في ارجاء العالم العربي. وحصلت حديثاً على قاذفات تكتيكية بعيدة المدى مثل اف - 15 - اي التي تستطيع الاغارة على مواقع في ايران والعودة من دون حاجة الى التزود بالوقود جواً. ويذكر ان الدولة العبرية تملك اسطولاً من طائرات الصهريج التي تزود الطائرات بالوقود جواً. - تقدم نظام تحديد المركز العالمي GPS عبر الاقمار الاصطناعية وتطور اجهزة التحكم الناري اللذان مكّنا القاذفات وطائرات الهليكوبتر من تحديد الاهداف وتدميرها من دون التأثر بالعوامل الجوية. فهذه الاجهزة حرمت الصرب من الاتكال على الطقس للحد من فعالية عمليات الاطلسي. كما سهّلت الاجهزة عملية تحديد الاحداثيات للمدفعية وراجمات الصواريخ بهدف ضرب تجمعات العدو وقافلاته. - تطور الصواريخ والقنابل الانشطارية المضادة للمشاة والدروع، وبات باستطاعة الصاروخ او القنبلة الواحدة ابادة قافلة او تجمع صغير للآليات. ويؤدي هذا الى الغاء نظرية حشد القوات في مكان واحد للدفاع او الهجوم، ويجبر الطرف المدافع على نشر وتشتيت قواه، مستعيناً اذا امكن بغطاء طبيعي، كالاشجار والتلال، او التمويه. - انظمة التشويش الالكتروني المتطورة مكنت الاطلسي من اعاقة شبكة اتصالات الصرب وأجبرتهم على اللجوء لوسائل الاتصال السلكية. - سيطرة الغرب على غالبية وسائل الاعلام الدولية التي مكّنت الاطلسي من تأمين الدعم الدولي لعملياته عبر تسليط الاضواء على معاناة اللاجئين الألبان والتقليل من الآثار الجانبية عند سقوط ضحايا مدنيين في الغارات. وأدت العولمة في عصر الفضائيات الى ازدياد تأثير الرأي العام الدولي على مسار الاحداث. ومن اجل الاحتفاظ بالسيطرة التامة في الحرب الاعلامية يعمد الاطلسي الى تدمير اجهزة الاعلام التي دأبت على استغلال تعطش الاقنية الفضائية للصور والمعلومات وبث مشاهد المباني السكنية التي دمرها القصف الاطلسي. اسرائيل باستثناء الصواريخ الجوالة وبعض القاذفات الاستراتيجية الضخمة، تملك اسرائيل التكنولوجيا العسكرية والاسلحة والمعدات والامكانات التي يملكها الاطلسي. بالاضافة الى دعم الاعلام الغربي الذي يخضع لسيطرة اللوبي الصهيوني. ويملك سلاح الجو الاسرائيلي اعداداً كبيرة من الطائرات الحديثة تمكنه من شن عمليات قصف جوي استراتيجي في العمق العربي شبيهة بتلك التي تتعرض لها يوغوسلافيا. وهذا يعني ان اسرائيل لم تعد بحاجة الى شن هجوم بري لاخضاع او ردع دولة عربية، بل تستطيع الاكتفاء بتكنولوجيا الفضاء وسلاح الجو لتدمير بنيتها التحتية وآلتها العسكرية. كما ان اسرائيل تصنع اسلحة وطائرات وذخائر متطورة ما يُمكنها الاتكال على نفسها لفترة طويلة. ان هذا التطور يستدعي مراجعة سريعة وموضوعية ترافقها خطوات تنفيذية لاعادة صوغ العقيدة القتالية والاستراتيجية الدفاعية للدول العربية. الخطوات المضادة تعتمد الاجراءات التي يمكن للعرب اتخاذها لمواجهة الثورة في التكنولوجيا العسكرية على الخطوات الآتية: - بناء خزانات للوقود والذخيرة تحت الأرض يكون عمقها كافياً لحمايتها من قنابل زنة الطن. ويجب النظر بامكان بناء مصانع للذخيرة تحت الأرض، وشق طرقات في مناطق جبلية لتأمين مواصلات تقلل من قدرة العدو في قطع اوصال القوات او البلاد. كما يجب تحريج الأراضي الجرداء من اجل تأمين حماية طبيعية للآليات، واستحداث وسائل جديدة لتمويه الاهداف العسكرية وحمايتها. - اعادة تنظيم شبكة القيادة والسيطرة لتمكين مراكز قيادة متحركة من اخذ زمام المبادرة في قطاعات عدة عند التعرض لهجوم جوي مباغت قد يدمر المراكز الثابتة. ويجب نشر شبكات رادار متحركة تستطيع الحلول مكان محطات رادار ثابتة قد تدمر في غارات مفاجأة. ويجب ايضاً تحديث شبكة اتصال سلكية وتمديدها تحت الأرض لتحل مكان الاتصالات اللاسلكية التي يمكن التشويش عليها، مع استحداث شيفرة مرمزة للأوامر والعمليات العسكرية. - تطوير جهاز المعلوماتية من طريق شراء او بناء طائرات من دون طيار مزودة بأحدث كاميرات التجسس والمراقبة التي تعمل ليلاً وفي كل الاحوال الجوية. الى ذلك يجب ان تتعاون الدول العربية لاطلاق اقمار اصطناعية تمكنها من الحصول على صور داخل اسرائيل من دون الاتكال على خدمات طرف آخر. كذلك اعطاء قطاع المعلوماتية اهمية على مختلف القطاعات الاخرى بسبب التأخر الكبير الذي تعانيه الجيوش العربية مقابل العدو الصهيوني الذي اصبح من المصدرين لهذه التكنولوجيا التي تؤثر على مسرح الحرب الحديثة. - استبدال شبكات "صواريخ سام" الروسية وصواريخ الأرض - جو الاميركية او الأوروبية القديمة نوعاً ما بشبكات احدث، على ان تكون من جيل صواريخ اس - 300 الروسية او الباتريوت الاميركية التي تستطيع اصابة اهداف طائرة من قاذفات او صواريخ باليستية على ارتفاع متوسط او عال. كما يجب الحصول على مدافع الغاتلينغ السداسية الفوهات المضادة للصواريخ الجوالة. - تحديث الطائرات الحربية العربية وتزويدها بأنظمة جديدة للطيران والاتصال والرؤية الليلية وقنابل موجهة بالليزر، كما يجب الحصول على قاذفات تكتيكية متطورة بعيدة المدى. - يجب تحديث الصواريخ الباليستية لدى الجيوش العربية حتى تحتفظ بعامل رادع ضد اسرائيل. كما يستحسن ان تحتفظ الدول العربية بترسانتها من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية طالما اسرائيل تملك اسلحة مماثلة اضافة الى اكثر من مئة رأس نووي. فالاسلحة غير التقليدية تضاعف من عامل الردع ضد اسرائيل، في ضوء التفوق العسكري الكبير للدولة العبرية. - تمتين العلاقات مع الاعلام الغربي والدولي. وهذا يستدعي اعتماد سياسة اكثر شفافية مع المراسلين الاجانب من دون تعريض امن البلاد الى خطر. هذه السياسة تبني علاقات وثيقة وجيدة مع شخصيات اعلامية معروفة وموثوق بها غربياً يمكن الاتكال عليها لايصال وجهة النظر العربية عند الحاجة. عقيدة عسكرية جديدة يجب تطوير العقيدة القتالية عند الجيوش العربية لتتماشى مع اسلوب الحرب الجديدة. ويستحسن في هذا الاطار اعتماد عقيدة قتالية هجومية تجيز اللجوء الى ضربات وقائية من اجل شل قدرات العدو الجوية في حال التأكد عبر أقنية خارجية من وجود نيات لشن عدوان على دولة عربية. فأي تباطؤ او تردد من قبل هذه الدولة قد يواجه بضربة وقائية من جانب اسرائيل تلحق خسائر كبيرة من الضربة الأولى في ترسانتها العسكرية. ففي الحرب الجوية الخاطفة اليوم تميل كفة الميزان عادة الى صالح من يتخذ المبادرة أولاً، ويصبح السلاح اذا لم تستخدمه قبل عدوك بلا جدوى وكأنه غير موجود. وفي حال انعدام وجود الاسلحة اللازمة لتوجيه ضربة حاسمة لسلاح جو العدو، يجب الاعتماد على دفاع مرن يتجنب حشد القوات في اماكن محددة، ويعتمد على سلاح رادع كالصواريخ الباليستية. وما من سلاح اقوى من حشد الطاقات وتوحيد القوى والمقومات. لذلك يبقى الخيار الوحيد الفعّال لدى الدول العربية لمواجهة اسرائيل هو رص الصفوف والتعاون العسكري ضمن استراتيجية موحدة. فانتخاب ايهود باراك برئاسة الحكومة وفوز حزب العمل الاسرائيلي بغالبية مقاعد الكنيست لا يعنيان بالضرورة نهاية الصراع والاتكال على قطار السلم. فالاحتمالات يجب ان تبقى مفتوحة وعلى الدول العربية ان تزيد من يقظتها لكل المناورات السياسية في المستقبل.