بعنوان "صورة المرأة في الاعلام العربي" اصدر استاذ الصحافة في كلية الصحافة في جامعة دمشق الدكتور أديب خضور كتابه الجديد ضمن سلسلته التثقيفية بهدف معالجة واحدة من الظواهر الاجتماعية - الثقافية المركبة ذات الابعاد المتعددة انسانياً واجتماعياً وثقافياً واعلامياً. ويتميز موضوع المرأة بقدر كبير من الحساسية كونه يعكس منظومة الافكار والقيم للفرد والجماعة. وكتب الدكتور خضور ان "وسائل الاعلام العربية لا تعمل في فراغ ولا تتوجه الى المطلق. انها ادوات منهكة في تحقيق استراتيجيات وسياسات من اوجدها". في ضوء ذلك يظهر مدى تعقيد السؤال التالي: ما هي أبرز ملامح الصورة التي ترسمها وتقدمها وسائل الاعلام العربية للمرأة؟ وهل هناك صورة واحدة ام صور متعددة؟ وهل تنسجم هذه الصورة مع الواقع؟و هل قضية المرأة قضية ذاتية منعزلة عن الشرط الاجتماعي - التاريخي والرجل، ولما تسمى المرأة بالجنس الآخر، ألا يتضمن الوصف بان المرأة موضوع وليس ذاتاً؟ يقولب خضور إن المرأة العربية، ومن خلال الحقب التاريخية، لا تشكل استثناء. وإذا اُعتقد ان اشكاليتها ووضعها المأزوم في الجاهلية حلّ في ظهور الاسلام، فإن انتشار الاسلام الواسع والثقافات والحضارات المختلفة التي تعامل معها، خصوصاً الفارسية، وعوامل الضعف في الدولة التي انتهت بالسيطرة العثمانية والسبات الحضاري الذي رافقها، كلها عوامل ادت الى ان "كرة الثلج التي كانت مندفعة في مراحل الاسلام الاولى، تستقر وتتضخم وتعرف اوراماً سرطانية". هذا ما يفسر ان تكون قضية المرأة من أهم محاور خطاب التنوير العربي. ولكن بعد مئة عام من التنوير، تعود قضية المرأة الى الواجهة وتصبح قضية سجالية بين التيارات المتصارعة، فقضية المرأة كغيرها تعتبر موضوعاً للتحديث وهدفاً له وهي مرشحة للتراجع تحت ضغط الصياغات الايديولوجية المرتبطة بالحركات الاسلامية التي تسود المجتمع العربي. إن قضية المرأة في جوهرها قضية انسانية اجتماعية لا تنفصل عن قضية الرجل واشكالية المرأة بناء عليه جزء من اشكالية المجتمع. وبما ان المؤسسة الاعلامية لا تنشأ في فراغ وهي بدورها محكومة بشروطها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فهي تخدم مصالح وتنشر فكر قوى اقتصادية اجتماعية وسياسية معينة، ويتأثر مضمون الخطاب الاعلامي للمؤسسة بالمجتمع وبالمستوى الحضاري والثقافي السائد، فثمة علاقة متبادلة بين الوسيلة الاعلامية والواقع الاجتماعي. وبناء عليه فقد اظهرت الدراسات الميدانية في اكثر من مجلة ان المواضيع السائدة في باب المرأة هي الازياء والموضة والريجيم. أما المواضيع الاجتماعية المتعلقة بالمرأة فتدور في الغالب حول تربية الاطفال والانجاب والعلاقات الأسرية، وتبرز في هذا الباب صورة المرأة الجميلة المهتمة بجمالها واناقتها وتليها صورة المرأة المضحية ثم المرأة العاملة وأخيراً صورة المرأة المهتمة بالقضايا العامة. ويركز معظم الموضوع على النساء الشابات والمراهقات ويلاحظ محدودية المساحة المخصصة للمراهقات والتركيز على معالجة قضايا ومشكلات المرأة في المدن، خصوصاً الشرائح العليا من النساء ونادراً ما ينشر باب المرأة مواضيع تهتم بالمرأة الريفية. ولاحظ الباحث في الابحاث الميدانية غياب المواضيع المتعلقة بالجوانب الاجتماعية ودور المرأة في التغيير ومشاركة المرأة في الحياة السياسية. وفي حال وجود هذه المواضيع فهي تعالج اخبارياً. ومن ناحية اخرى، لحظ ارتفاع نسبة الصفحات المخصصة للاعلانات على حساب التحرير وكلها اعلانات تنظر الى المرأة كأنثى وتحثها على الاستهلاك. كما أشار الباحث الى ان 53 في المئة من مواد الاذاعة تكرس الذات السلبية مثل: المرأة التي تبحث عن العون والمساعدة من جانب الرجل وغير قادرة على مواجهة العقبات. اما في التلفزيون فبلغت نسبة شخصيات الذكور في المسلسلات الدرامية 17،65 في المئة مقابل 83،34 في المئة للنساء، ويلاحظ ان ثمة قيم سلبية حملتها المرأة في المسلسلات. مثل النظرة المادية للحياة - ربط الزواج بالمصالح المادية والشخصية والنظرة السلبية لموظف الحكومة. أما سينمائياً، فقد رأى المؤلف ان السينما المصرية هي سينما ذكورية تقدم المرأة كنموذج انثى وتكرس الزوجية بمفهومها الخصوبي والأمومة بمفهومها التوادي الرعوي. إن أول صورة للمرأة في اول فيلم عربي "الباشكاتب" هي صورة امرأة تغوي الرجل وتسلب امواله وهذه الصورة السائدة للمرأة منذ ذلك الفيلم وحتى الآن: ان عناوين الافلام تؤكد ذلك مثل "المرأة شيطان" و"المرأة التي غلبت الشيطان" و"الشيطان امرأة" و"البنات شربات" و"لعنة امرأة" و"البنات والمرسيدس" و"امرأة سيئة السمعة" و"خدعتني امرأة" و"عذراء ولكن" و"امرأة من نار"... أما على صعيد الرواية العربية فإن اخطر ما في هذه الصورة هو النمطية للمرأة العربية في المجتمع، وعادة ما تكرس هذه الصورة نموذج المرأة الأم المتخلفة والاخت في حاجة لرعاية واهتمام والزوجة الساذجة. فنساء نجيب محفوظ مثل رواية "بين القصرين" عالم من نساء يعشن سلب الارادة والانصياع والسلبية وثمة استثناءات للطاهر وطار وعبدالرحمن منيف ولطيفة الزيات. أما على صعيد الاعلان، فكانت "الصورة كالحة للغاية" إذ غالباً ما كانت الاعلانات تبث صورة المرأة كأنثى فقط وتثير لدى المرأة تطلعات استهلاكية وتخلق حاجات لا تتلاءم مع الامكانات المادية للأسرة، لقد استخدمت الاعلانات المرأة كأداة جذب وكفخ للتشجيع على الاستهلاك واعتبرتها مخلوقاً ساذجاً لا هم له سوى الاكل والشرب واللبس، حيث غدت السلعة التي تستهلكها المرأة هي مصدر النجاح والحب والتطور. وفي نهاية بحثه، يصل المؤلف الى استنتاجات عدة اهمها انه من الصعب الحديث عن اعلام عربي واحد وان الاعلام العربي ولد من رحم الانظمة العربية. أما الصحف النسائىة العربية عموما فقد ظهرت ضمن الاطار العام لمشروع النهضة العربية وتميزت بكونها صحافة رأي وتثقيف. انها صحافة تهتم بفكر المرأة، لكن في العقد الاخير ظهرت صحف نسائىة عربية في عواصم غربية مثل باريس ولندن موجهة اساساً لجمهور النساء. وهذه الصحف المتطورة شكلاً والفقيرة مضموناً، تؤكد على مفهوم المرأة - السلعة والمرأة - الجسد والمرأة المستهلكة.