على رغم القول ان عصر الأجهزة الشخصية يقترب من نهايته، وان مستقبل الكومبيوتر في تشكيلة تتنامى وتزدهر من الأجهزة الالكترونية الاستهلاكية السلكية واللاسلكية والتي تحمل باليد الواحدة، لا يزال جون روبنشتاين المسؤول عن قسم صناعة الكومبيوترات في شركة أبل يعتقد ان الأجهزة الشخصية القوية المجهزة بكل ما يمكن تجهيزها به على غاية كبيرة من الأهمية. وقال روبنشتاين "سيكون في العالم أجهزة ومعدات لكن الأجهزة الشخصية لا تزال في طفولتها. وأنا أسمع دائماً عن موت الأجهزة الشخصية لكنني لا أرى لها زوالاً خلال العامين المقبلين أو نحو ذلك". والمعلوم ان شركة أبل كومبيوتر نفسها، التي تم نعيها منذ بضع سنوات فقط، عادت الى العافية اخيراً فمنذ أحد عشر عاماً أعلنت الشركة عن سادس ربع رابح على التوالي وكان هذا أكثر مما كان المحللون يتوقعون. وخلال الربعين الماضيين احتفظت الشركة بأكثر من 12 في المئة من سوق التجزئة وسوق البيع بواسطة البريد الخاصة بالأجهزة الشخصية. وعادت الشركة لتتبوأ المكانة الأولى، مع أربع شركات اخرى، في مجال صنع الأجهزة الشخصية في الولاياتالمتحدة. وبالاضافة الى هذا كله تبدو أبل، الشركة التي تفكر على نحو يختلف عن تفكير الآخرين كما تحب أن تصف نفسها، منهمكة في بيع نوع من الأجهزة المكتبية التي يباع الواحد منها بمقدار 1500 دولار على الأقل مما يساهم في تعزيز هوامش أرباحها التي كانت العام الماضي 2.16 في المئة وتجاوزها، بينما لا تستطيع شركات مثل انتل وقف تدهور أسعار أجهزتها التي هبطت دون 500 دولار حتى الآن. ويقول تشارلز وولف، أحد محللي شؤون البورصة النيويوركية في شركة ووربيرغ ديلون ريد، "تعرف أبل كيف تتحلى بالبساطة وبالذوق الرفيع والسلوك الجيد، وتعرف كيف تحافظ على سمعة اسمها. وأنا استغرب عجز الآخرين العاملين في ميدان الأجهزة الشخصية عن اللحاق بأبل وعن الاقتداء بها". جوبز وبالنسبة الى العالم خارج "أسوار" شركة أبل، يعزى معظم الفضل في تغيير حظوظ شركة أبل على نحو لم يشهد تاريخ الشركات الأميركية مثيلاً له، الى ستيف جوبز الذي شارك في تأسيس الشركة. لكن السر في فلاح جوبز في العودة الى أبل يكمن في الفريق الصغير الذي يتولى شؤون التصميم والانتاج في الشركة وفي العملية الهندسية بالغة الانضباط والرقي التي وضعها روبنشتاين بهدوء موضع التنفيذ في خلال العامين الماضيين. وهذا الفريق هو المسؤول عن انتاج أجهزة آي ماك 18892 التي حازت على الاعجاب العام ونعمت بالاقبال الكبير عليها والتي بدأت أبل ببيعها في آب اغسطس الماضي، وهو المسؤول ايضاً عن انتاج جهاز جي 3 G3 المكتبي وانتاج الاجهزة المحمولة التي حلت محل أجهزة ماكينتوش وباوربوك القديمة، وانتاج جهاز جديد نقال ومنخفض السعر سيكون في الأسواق خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويقول أندرو غور، رئيس تحرير مجلة "ماك وورلد" التي تعنى بقطاع الكومبيوتر وترصد تحركات شركة أبل على نحو اكثر دقة ووثوقاً من غيرها من المطبوعات،: "ماتت شركة أبل التي كنا نعرفها منذ عامين فالشركة الحالية تختلف تماماً عن سميتها السابقة ومن سوء الطالع ان الشركة اختارت ان تبقي جون روبنشتاين في عالم أسرارها". والذين يعرفون روبنشتاين، البالغ من العمر اثنين واربعين عاما، يعرفون أيضاً انه منذ بدأ يعمل وهو يتطور ويتغير طبقاً لتطورات عالم الكومبيوتر وللتغيرات فيه فبعدما نال هذا الرجل شهادتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة كرونل، ثم شهادة الماجستير في علوم الكومبيوتر من جامعة ولاية كولورادو الرسمية، انتقل الى ولاية كاليفورنيا حيث أصبح مهندساً لمحطات عمل الكومبيوتر لدى شركة هيوليت - بكارد. ثم انضم الى شركة أردنت التي كانت مبتدئة في عالم انتاج أجهزة الكومبيوتر الضخمة. وبعد ذلك عمل في شركة نكست كومبيوتر التي كان جوبز أسسها عام 1986 بعدما اضطر أو اجبر على التخلي عن منصبه في شركة أبل. وأدار روبنشتاين قسم هندسة الأجهزة في شركة نكست الى ان تحولت الشركة برمتها الى انتاج البرامج. واستقال روبنشتاين من الشركة لكي ينشيء شركة مستقلة تصمم الأجهزة، باعها بعد فترة قصيرة من الزمن الى شركة موتورولا عام 1996. وكانت نية روبنشتاين ان ينفق بعض ما درت عليه عملية البيع على رحلة تجول حول العالم. رحلة وبعد شهرين من بدء هذه الرحلة كان روبنشتاين وصل الى اسكتلندا سائحاً عندما تلقى مخابرة هاتفية من غيلبرت اميليو الذي كان لتوه قد صار رئيساً لمجلس ادارة شركة أبل بعدما انفقت الشركة مبلغاً لا يستهان به من المال "لشرائه". وكانت ابل تكبدت خسائر خلال عامي 1996 و1997 بلغت 86.1 بليون دولار، وكانت أيضاً أصبحت، في أعين الجميع تقريباً، في ذمة تاريخ قطاع أجهزة الكومبيوتر الشخصية. لكن روبنشتاين قبل فوراً عرض شركة أبل لكي يصبح رئيساً لعملياتها في مجال انتاج الأجهزة. والحقيقة هي ان قبول روبنشتاين العرض الذي تقدم به اميليو كان فورياً جداً. لذا تساءل اميليو بعد ذلك، في كتابه المنشور تحت عنوان: "في خط النار" عن ما اذا كان ضحية انقلاب إذ عرض اميليو على روبنشتاين المنصب بناء على نصيحة تلقاها من جوبز الذي كان هو الذي نصحه أيضاً بتشغيل آفي تيفانيان في أبل بعدما كان رئيساً للقسم المولج بالبرامج في شركة نكست، والذي أصبح الآن رئيساً للقسم المولج بشؤون البرامج في شركة أبل. وربما كان هذا كله جزء من خطة سرية من جوبز لاستعادة سيطرته على شركة أبل، على حد ما قال اميليو في كتابه بعدما تم "الانقلاب" عليه في مجلس ادارة أعاد جوبز الى ادارة الشركة موقتاً وهي الاعادة التي حصلت منذ عشرين شهراً ولا تزال "آثارها" سارية المفعول. ويعرب روبنشتاين عن استغرابه لفكرة المؤامرة والانقلاب ويقول انه قبل العمل في شركة أبل لانه يعتبر نفسه في المقام الأول مصمما للأجهزة المكتبية وانه كان دائماً ينشد العمل في أبل حتى عندما كانت تعيش أحلك أيامها وأعمق أزماتها. ويسترد بوبنشتاين من ذاكرته تلك الأيام ويقول ان "أبل كانت آخر شركة ابتكارية باقية تنتج الاجهزة بكميات ضخمة في العالم". وبعدما كانت شركة أبل تتسم بالفوضى العارمة حيث كانت أربع مجموعات مستقلة مختلفة من المهندسين احياناً تعمل في الوقت نفسه في مجال تصميم جهاز الكومبيوتر الواحد نفسه، أصبحت الشركة الآن تنفذ نحو عشرة مشاريع من طريق تكليف مجموعات متعاونة من الفنيين الذين ينتمون الى مختلف الفئات والاصناف والذين يشكلون ما يشير اليه روبنشتاين ب "التصميم المسرَّع" الذي يتناول رسم عدد كبير من ملامح التصميم في الوقت عينه ما يسرع عملية طرح المنتجات في السوق. ويصف روبنشتاين هذا كله بأنه يشبه امتلاك جعبة من الحيل التكنولوجية تخرج منها الحيلة المناسبة في الوقت المناسب وتوضع في مختلف المنتجات. ويقول: "لدينا الكثير من الحيل في جعبتنا". ويقول زملاء روبنشتاين انه مهووس بلوائح ما يجب التأكد من صلاحه وهي اللوائح التي أصبحت جزء لا يتجزأ من نظام أبل الهندسي. وعندما لا تنفع هذه اللوائح في كشف الاعطال، يعمد المصممون في الشركة الى العمل معاً لاصلاح العطل. وعندما طرح جهاز ايماك المبتكر، الذي انتجته الشركة العام الماضي، وللمرة الأولى في السوق، حضر روبنشتاين حفلاً لافتتاح مخزن لبيع الجهاز في بالو ألتو في منتصف الليل. وصباح اليوم التالي، ادرك روبنشتاين ان الجهاز يصادف بعض المشاكل التي كان أسوأها انه لا يعمل مع جهاز الطابعة المصمم حديثاً والمسمى أبسون. وجاء هذا الادراك بعدما أصغى روبنشتاين الى شكاوى المستهلكين في المخزن نفسه وبواسطة مواقع المتحمسين لماكنتوش على انترنت. وما ان أدرك روبنشتاين ان ثمة مشلكة حتى "أنشأ" رقعة من برنامج في خلال بضعة أيام وزعها على نطاق واسع بواسطة انترنت متجنباً بذلك انفجار مشكلة علاقات عامة خطيرة، بالقوة الكامنة، بالنسبة لجهاز ايماك الجديد. وكان بالامكان ان تكون مشكلة ابسون أشد خطورة مما انتهت اليه بالفعل. وقبل دخول روبنشتاين الى رحاب أبل بعدد من الأعوام احترق بالفعل عدد من أجهزة الشركة الجديدة المحمولة المسماة باوربوك فيما كانت قيد الاستعمال. واضطرت الشركة الى سحب هذه الأجهزة من السوق ما حرمها من العائدات على مدى اكثر من ربع عام كامل، من جزء ذي أهمية من منتجاتها. وليس فريق روبنشتاين اكثر فعالية من فرق شركة ابل السابقين الذين كانوا ينتجون الأجهزة فقط، بل ان فريق روبنشتاين اكثر انطوائية وغالباً ما يكون اكثر حفاظاً على الاسرار وتمسكاً بالكتمان. وربما كان هذا اكبر فرق بين الطاقم الجديد وبين الأطقم السابقة في شركة أبل "المندثرة" التي كانت الأسرار تتسرب منها بكثرة الى حد جعلها تُعرف، في بعض الأوساط، ب"السفينة التي يتسَّرب الماء من أعلاها". والحقيقة هي ان الشركة صارت الآن هيئة يشار اليها في أوساط العاملين في سيليكون فالي بأنها شركة جوبز وشركاه فيما صارت أبل تتمسك بمثال الفريق الموحَّد وكأنها شركة يابانية الأسلوب والنمط. لكن روبنشتاين يستهين بالفكرة القائلة أن في وسع جوبز ان يتصرف كالطاغية المستبد وان يستخف بالآخرين ويقول: "انا احب العمل مع ستيف ونشكل معاً فريق عمل جيداً". ومع هذا كله يوجد خارج نطاق شركة أبل من يشك في احتمال نجاح عودة الشركة الى النشاط والحياة الفاعلة. ويلفت هؤلاء الى ان الشركة لا تزال تبيع الى زبائن لم يتغيروا ولم يتبدلوا مكرسين اهتمامهم الكلي لتراث أبل ماكنتوش مع استثناء زبائن ايماك اي الجهاز الذي لاقى رواجاً بين الذين يستخدمون اجهزة الكومبيوتر للمرة الاولى وبين الذين كانوا يملكون اجهزة شخصية من صنع مايكروسوفت انتل. ويقول سيمور ميرين، المستشار في شؤون الكومبيوتر في شركة ميرين انفورميشن سرفيسز في بالو ألتو: "اعتقد ان أبل ستكون قوية فاعلة فترة من الزمن ثم ستخبو وتندثر ببطء، فالشركة لا تستطيع تحمل نفقات التطوير كما لا تستطيع ذلك شركة انتل". ويعترف حتى كبار العاملين في أبل بأن شركتهم لم تشق إلاّ طريقاً قصيرة غير ذات بال في سوق البيع للشركات في الفترة الاخيرة. وبالاضافة الى هذا كله، ورغم زعم الشركة ان آلاف التطبيقات المبرمجة الجديدة ابتُكرت لكي تُستخدم في اجهزة الشركة، تقول شركات مثل شركة نايسوس سوفتوير، التي تطور التطبيقات التي كانت ماكنتوش سبب نشوئها في الثمانينات ومطلع التسعينات، انها لم تشهد حتى الآن آثار التحول "المزعوم" في أبل. ويتساءل آخرون عن ما اذا كان اقدام أبل على طرح جهازين ناجحين في السوق، هما إيماك وجي 3 المكتبيين، في عهد روبنشتاين يعني بالضرورة ان أبل ستستطيع البقاء فاعلة في مجال الاجهزة الشخصية بالغ التقلب والتبدل. لكن روبنشتاين يرد بالقول: "انا لا انظر الى ما تفعله الشركة حالياً على انه ضرب من السحر، بل ان لاستراتيجيتنا عدداً من الأبعاد التي تتضمن التصميم الصناعي والأداء الجيد وانتاج ما له وظائف متعددة منوعة". وسيمر هذا الزعم بامتحان عسير في وقت لاحق من الربيع الجاري او في مطلع الصيف المقبل عندما تطرح أبل في السوق الاجهزة النقالة التي طال انتظار السوق لها والتي تراوح أسعارها بني ألف و1500 دولار. ويقول الذين شاهدوا هذه الاجهزة انها رمادية اللون ومصنوعة من مادة نصف شفافة وتشبه في شكلها صدفة البطلينوس، وهي الى ذلك ملساء انيقة وتختلف في تصميمها الى حد بعيد عن الاجهزة التقليدية القديمة تماماً كما اختلف جهاز ايماك عن الاجهزة المكتبية التقليدية السابقة له. ويُقال ان جوبز يصر على ان الاجهزة الجديدة ستكون خفيفة الوزن ولن يتجاوز وزن الجهاز الواحد منها خمسة أرطال ولها شاشة عرض منبسطة وكبيرة. لكن السؤال الذي تتداوله الاوساط المعنية يتمحور حول ما اذا كانت هذه الأجهزة الجديدة ستحظى بالاقبال الشديد عليهاالذي حظي به جهاز آي ماك. ورغم ان الاجهزة الجديدة تشكل مثالاً آخر عن فلسفة جوبز التي تنادي بضرورة تغيير نمط التفكير وأساليبه، ستُطرح في السوق فيما تصب صناعة الأجهزة الشخصية اهتمامها كله على ما يُسمّى بالأجهزة الدفترية التي يقل وزن الواحد منها عن اربعة أرطال وتحظى باقبال شديد من عشاق الكومبيوتر. ويعرب روبنشتاين عن ثقته بأن الجهاز الجديد سيحظى بالاقبال الشديد لأسباب منها لأنه سيتضمن ملامح موجودة في اجهزة الحضن الأثقل التي تنتجها الشركة مثل البطارية التي تخدم فترة طويلة ومثل الأمكنة المخصصة لسواقات الاقراص المرنة واقراص الليزر سي دي- روم والأقراص الاخرى دي في دي. ويقول روبنشتاين: "الكل في عالم الكومبيوتر يترقب وينتظر ما نطلع به من منتجات بعد الآن. وانا اسمع عن بعض الشركات الذي يتمنَّع عن طرح منتجاته في السوق حتى لا تتجاوزها منتجات شركتنا وتعتم عليها كما فعل جهاز آي ماك بالنسبة الى منتجات الآخرين عندما طُرح في السوق".