قبل أن ينتخب أيهود باراك رئىساً لوزراء إسرائيل كانت الساحة اللبنانية استعدت للدخول في مرحلة سياسية جديدة عنوانها الإنفتاح وتعزيز الحوار بين رئيس الجمهورية إميل لحود ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، وإن كان الحوار يدور مع الأخير بالواسطة من خلال نائب رئىس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر. للحوار أسبابه الموجبة مع الإستعدادات الجارية في الشرق الأوسط لتجاوز ما خلّفته سياسة رئىس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتانياهو من آثار سلبية في مستقبل العملية السلمية، واستعداداً لمواجهة خلفه باراك لمنعه من تسجيل اختراقات في الساحة العربية قد تغنيه عن دفع الثمن لمصلحة السلام العادل والشامل. حتى أن الحوار لم يقلع في سرعة لو لم يكن للمسؤولين السوريين وتحديداً للعقيد الركن الدكتور بشار الأسد دور فاعل على رغم أن دمشق تفضّل الإبتعاد من الضوء على هذا الصعيد، وتكتفي بإسداء النصائح خصوصاً أن علاقتها ببعض الأطراف، وفي مقدمهم الحريري وجنبلاط، تجاوزت كل ما ترتب من سجال فور انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية أو عقب اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، وأن الأولوية هي لفتح صفحة جديدة من دون العودة إلى الماضي والمحطات السياسية التي حملت مواقف، لدمشق مآخذ عليها". وفي رأي المراقبين أن المرحلة الزمنية التي شغلها العتاب، أصبحت من الماضي ولم يعد لها أثر في ملف العلاقات السورية - اللبنانية لمصلحة إنضاج الظروف أمام حوار لبناني - لبناني يحصّن الساحة الداخلية أكثر ويقوّي الصمود اللبناني في مواجهة الإحتمالات الناجمة عن عودة تل أبيب إلى ممارسة ضغوطها على لبنان أو من خلاله على سورية". ولفتوا إلى أن "النصح السوري بتغليب الحوار وعدم إشغال الساحة الداخلية أو إرباكها في أمور ثانوية لقي تجاوباً من دون شروط خصوصاً أن دمشق ترى في لحود، رئىس الجمهورية الرافض كل أشكال الطائفية والمذهبية، والمؤمن بقيام مشروع بناء الدولة العادلة، والمتعفف إلى أقصى الحدود والحريص على المال العام، وهذا ما لا ينكره عليه حتى الذين كانوا بالأمس القريب في تجاذب معه". ولم يقلل المراقبون من اللقاء الذي عقد أخيراً بين جنبلاط والمر واعتبروه أول مؤشر جدي يعيد العلاقة بين بعبدا والمختارة إلى مجراها الطبيعي في وقت لم تنقطع الإتصالات بين الرئيس لحود والحريري، حتى أنهم يرون أن لا مشكلة أمام قيام جنبلاط بزيارة قريبة لرئيس الجمهورية وإن كان تحديد موعدها متروكاً لعامل الوقت، لا لأسباب جوهرية أخرى، وهم يعتبرون أن الرعاية السورية لصوغ علاقات لبنانية - لبنانية من نوع آخر تكون في مستوى التحديات التي ستواجه المنطقة، تمكنت من التغلب على كل الثغرات بعد اللقاءات التي عقدها العقيد الأسد مع عدد من السياسيين اللبنانيين. وأكدوا "ان اللقاءات ركزت على مكانة جنبلاط كحليف استراتيجي لسورية، وعلى التقدير السوري للحريري، في مقابل الرهان على دور لحود في إحداث تغيير يعيد الإعتبار إلى مشروع الدولة الذي قد يصطدم بعقبات لا بد من التغلب عليها". وأضافوا "ان من يلتقي كبار المسؤولين السوريين لا يلمس أن هناك صعوبة في التوفيق بين الجميع، وإذا كانت هناك ملاحظات فلتكن في إطار تفعيل الحوار السياسي وعدم استباق الأحكام التي يجب أن تصدر بعد أي عمل تقوم به السلطة التنفيذية". وركزوا على "ضرورة التلاقي مع لحود ما دام الآخرون، وبينهم جنبلاط، يؤكدون أن أيديهم ممدودة للتعاون"، مشيرين إلى "ان دمشق استمعت وتستمع إلى ملاحظات الزوار على أداء الحكومة وعدد من الوزراء، وإن كانت تعتقد أن من يعمل يخطئ ولكن لا بد من تصحيح الأخطاء". وقال الزوار "ان دمشق، وإن كانت تتفهم الهواجس التي يطرحها جنبلاط من دون تأييدها الأسلوب الذي يلجأ إليه في بعض الأحيان، لا تبدي رأياً في مشروع الإنتخاب الجديد وتترك للبنانيين التوافق عليه كي يساوي بين الجميع ولا يشعر أي فريق بأنه مستهدف، ولا تستسيغ أي حديث لبناني عن الإحباط، أياً يكن مصدره أو تعدده، وتعتقد أن الحوار غير المشروط يمهد الطريق لتجاوز كل الشكاوى، مع العلم أن المقصود بالحوار هو الحوار السياسي الذي يؤدي إلى تفاهم يستند في الدرجة الأولى إلى توحيد الخطاب السياسي وتجميع العدد الأكبر من القوى في إدارة سياسية قادرة على تنفيس أجواء الإحتقان الداخلي التي أخذت تتراجع في صورة ملحوظة من أجل استيعاب الضغوط الخارجية". وأوضح الزوار أن اللقاءات اللبنانية مع المسؤولين السوريين "لم تتطرق لا من قريب أو بعيد إلى تغيير الحكومة على رغم ان البعض يعتقد ان لكل مرحلة سياسية ادواتها، وقد يكون للمرحلة الجديدة ادواتها اذا اقتضت الضرورة، إنما لا شيء على صعيد التبديل الحكومي في المدى المنظور".