يقول محيطون برئيس الجمهورية إميل لحود، ان تطوراً مهماً طرأ في الاسابيع القليلة الماضية على توجهاته السياسية ومواقفه، وعلى نظرته الى ادارته للعبة السياسية في البلاد أدت الى مجموعة من الاشارات الايجابية حيال المعارضة، يفترض بأركانها ان تلاقيه بدورها عند منتصف الطريق. ويعتبر هؤلاء ان من اولى ثمار هذا التطور الذي يرسم مرحلة جديدة في العلاقات السياسية، التأسيس لحوار بين لحود ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بعد اللقاء الذي جمعهما يوم الخميس الماضي. ويدعو هؤلاء المحيطين بالرئيس لحود المعارضة الى عدم اضاعة فرصة التقارب معه، استناداً الى الاشارات الايجابية التي اطلقها باستعداده للانفتاح على الجميع. ويضيف بعض المراقبين للتطورات في موقف لحود بالقول "في السابق كان بعض المعارضين ينتقدون لحود لأنه لم يتجاوب مع اشارات بعثت بها دمشق اليه، بالمبادرة الى تخفيف حدة الصراع بين الحكم وبعض حلفائها من المعارضين، لأنه لا يجوز ان يأخذ هذا الصراع منحى يدل الى ان احداً يريد ان يلغي احداً، خصوصاً ان بين هؤلاء المعارضين رمزاً اساسياً لعب دوراً الى جانب سورية في مواجهة ضغوط ومخططات ضدها في لبنان هو جنبلاط، وصاحب دور اساسي ساهم في تحصين الساحة اللبنانية في المراحل السابقة في مواجهة هذه المخططات، هو الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري". ويرى المراقبون انفسهم انه "على رغم صحة القول ان لحود تأخر في التقاط هذه الاشارات، او التجاوب معها، نتيجة ظروف المواجهة مع المعارضة الشرسة للحريري وجنبلاط فيما كان الاخيران يتجاوبان احياناً مع طلب دمشق التهدئة، فإن لحود عاد فتجاوب مع الاشارات السورية، لعوامل عدة اهمها حاجة الحكم والدولة الى مواجهة الاستحقاقات الاقليمية المرتقبة في ظل المناورات التي ترافق اتصالات معاودة مفاوضات السلام بحد ادنى من التماسك الداخلي خصوصاً ان لبنان مسرح اساسي للضغوط المحتملة على دمشق". واذ يعتبر المحيطون بلحود، انه اذا صح هذا التقويم فإن على المعارضين بدورهم ان يلتقطوا الاشارات السورية، فإن مقربين من دمشق مطلعين على موقفها، يقولون "انها قامت خلال الاشهر الماضية بمراجعة واسعة، لما آلت اليه الاوضاع في لبنان انطلقت من ثوابت دعم الرئيس لحود وحكومة الرئيس سليم الحص، والحرص على نجاح العهد وعلى مجموعة من الحلفاء، وانتهت الى ان تحقيق هذه الثوابت بات يتطلب معالجة مختلفة للملفات اللبنانية الداخلية الساخنة، تعطي زخماً للحكم اللبناني، بدلاً من انهاكه في الصراعات الحادة القائمة، خصوصاً ان موقفه الاقليمي لا شائبة عليه، في اطار تنسيق متواصل ودقيق في الموقف من الجهود الدولية لمعاودة مفاوضات السلام على اسس ومبادئ ترضي سورية ولبنان ولا تضعف موقعهما التفاوضي في مواجهة اسرائيل". ويضيف المقربون من دمشق: "مثلما طلبت القيادة السورية من المعارضين الكف عن التعرض للرئيس لحود في خطابهم وتهدئة الصراع وأبلغتهم ان بعض انتقاداتهم غالت في استباق نتائج الخطط التي وضعها الحكم والحكومة، لأنهم لم يعطوهما الوقت الكافي للعمل في انتظار الانجازات، فإن هذه القيادة اعتبرت ان في بعض اتهامات المعارضة للحكم عن علاقاته الخارجية الأمركة الكثير من المغالاة". ويتابع المقرّبون "لكن دمشق لم تتوانَ عن ايصال ملاحظاتها في الوقت نفسه الى اركان الحكم، بعدم جدوى الكيدية في فتح بعض الملفات القضائية، وبالتشديد على ان ثمة خطاً احمر تجاه بعض الحلفاء وبأن تسلم زمام الامور في البلاد مع برنامج جديد لا يعني بالضرورة اقصاء الآخرين بل جعلهم ينسجمون مع هذه السياسة من اجل انجاحها سواء على صعيد الادارة او المعالجات الاقتصادية او اسلوب الحكم فهذا يعطي دوراً اكبر للقيادة الجديدة في لبنان يسمح لها باستيعاب اكبر لفئات المجتمع اللبناني وأن بعض المستشارين والمريدين يذهبون بعيداً في اتباع سياسة لغير مصلحة العهد...". ويقول سياسيون لبنانيون حياديون، بين الحكم والمعارضة، انهم لمسوا في الاسابيع الماضية استعداداً اكبر لدى الرئيس لحود لسماع الانتقادات او الملاحظات على اداء الحكم والحكومة حيال بعض القضايا، وانعكاسها السلبي على صورة العهد. كما لمسوا منه اقتناعاً بأن السنة الاولى استنزفت الكثير من رصيده الكبير الذي انطلق به. وبصرف النظر عن رأي هؤلاء، فإن الفريق المحيط بلحود الذي يدعو المعارضة الى التقاط التطور الجديد في توجهاته يدعو الى "التوقف امام جملة اشارات اطلقها علناً بدوره، اهمها: انه لا يريد الغاء الطبقة السياسية لأن تغيير المناخ السياسي يساعد على احداث تعديل في توجهات الطبقة الموجودة أصلاً - انه يريد قانون انتخاب لا يلغي احداً - ان مشكلات البلاد لا تعود فقط الى "التركة الثقيلة" للعهد السابق بل لفاتورة الحرب المدمرة في لبنان - ان معالجة المشكلات الكبيرة تتطلب تعاوناً بين الجميع". وإذ يؤكد بعض الفريق المحيط برئيس الجمهورية ان التقارب مع جنبلاط لا يستهدف محاصرة الحريري وفصله عنه، لأن الهدف تهدئة الساحة السياسية، فإن مصادر سياسية تعتبر ان في فريق الحكم تجاذب بين هذا التوجه وبين توجه آخر يدعو الى الاستفادة من وزن جنبلاط من اجل محاصرة الحريري واضعافه. لكن مصادر قريبة من الاخير اشارت الى ان نواباً حلفاء له طلبوا لقاء لحود رغبة في ملاقاة الحكم عند منتصف الطريق...