مهرجان "كان" السينمائي هو المكتبة التي تفتح ابوابها كل عام. ثلث ما نتلقفه من اعمال جيدة أو مهمة أو مثيرة للجدل يعرض سنوياً في هذا المهرجان الدولي الكبير، الثلث الثاني من المهرجانات الاخرى مجتمعة، والثلث لأخير من العروض اليومية. وترتفع هذه النسبة او تقل حسب قوة البرنامج، وبرنامج هذه السنة قائم على الأسماء المعروفة واعجبت افلامها معظم النقاد، على اختلاف مصادرهم الثقافية. من البرتغالي العريق ايمانويل دي أوليفييرا الى الاسباني بدرو ألمودوفار، ومن الصيني تشن كايفي الى الاميركي جون سايلس، ومن الألماني فرنر هرتزوغ الى المصري يوسف شاهين، مروراً بالروسي نيكيتا ميخاليكوف، ومواطنه ألكسندر زوكوروف والأميركي جيم يارموش ومواطنه ديفيد لينش والياباني تاكيشي كيتانو والبريطاني بيتر غريناواي وغيرهم ممن يزينون واجهة الدورة الثانية والعشرين الحالية. لا يهم اذاً من منهم داخل المسابقة ومن خارجها، بل لا يهم مطلقاً من الذي سيفوز بالسعفة الذهبية او لن يفوز. بالنسبة الى عشاق السينما ما يهم هو قدر اجادة التصوير والرسم والكتابة على الشاشة. خمسة ايام قبل موعد المهرجان تبدأ الاعلانات باحتلال اماكنها فوق الفنادق وعلى عواميد ثابتة وواجهات المحلات. تسمع اصوات البناة وهم يعملون على اشادة الاستديوهات التي تتناثر فوق الشاطئ. مطارق. بعض الحفر، قليل من الزحام لا يشبه زحام الأيام المقبلة. السيارات الكبيرة التي تؤمن الاتصالات التلفزيونية تأخذ باحتلال اماكنها في الشوارع الفرعية. أيدي اصحاب المطاعم تمتد الى لوائح الأسعار تعدلها. "ترفع" من "مستواها". "كان" اكثر من اي مهرجان آخر من المهرجانات ال500 التي تقام كل عام في كل مكان، هو للطبال والراقصة والصحافي والناقد والمخرج والمنتج والكاتب. هو للممثل وللمول، للمتسوّل وللبائع المتجول. لطالب الطموح ولبائع الاحلام. لصاحب المشروع ولمشروع قيد الاعداد. مشروع ممثل، مشروع ناقد، مشروع مخرج… الكثير من الوجوه هنا مشاريع. وللتذكير فقط بالسينما العربية التي تغيب عاماً بعد عام عن الحضور بالشكل والحجم اللائقين: قبل اربعة ايام من بدء المهرجان، عرضت المحطة الفرنسية الثانية فيلم احمد المعنوني "الأيام… الأيام". الذي أراده تسجيلاً للحياة المغربية الريفية الهادئة، الرتيبة والبعيدة… وكم يشبه هذا الوصف الحياة التي تحياها السينما العربية بعيدا عن المجرات كلها. من حين الى آخر هناك لمعة، فكرة، انجاز، لكن هذا هو زخ المطر اليسير فوق صحراء حياتنا الثقافية بأسرها.