لا يزال عبور الصحراء يشكل تحدياً ومغامرة لأبناء الصحراء الذين يشبهون الرمال بأمواج البحر المتحركة المتلاطمة المهلكة. ومن هنا استحق الجمل لقب "سفينة الصحراء" قبل أن تحل محله سيارات الدفع الرباعي الجيب. لكن، بدلاً من أن تكون المغامرة باقتحام الصحراء عملاً رياضياً له قواعده وأصوله، كما في المغامرات التي يقوم بها الرحالة الأجانب في صحراء الربع الخالي مثلاً، نراها لدى كثير من الشباب ليست أكثر من عمل استعراضي غير محسوب ولا متقن. فعلى تخوم كثير من المدن السعودية تزدهر هواية "التطعيس" حيث توجد الكثبان العالية التي تتعرج في سلاسل متموجة، وفي مكان ما، تتكدس تلك الكثبان فوق بعضها البعض منتصبة كالجبل المطل على سفح مستو، في شكل زاوية قائمة من الكثبان، تسمى عادة ب"طلعة التحدي". وفي منطقة الثمامة خارج مدينة الرياض واحدة من أصعب طلعات التحدي. أما أبطال التحدي فهم سائقو سيارات الدفع الرباعي الذين يتجمهرون على جانبي طريق الثمامة حتى يفيض بهم وبمشجعيهم سفح "الطلعة" وكثبانها أيام الخميس والجمعة، لا سيما في فصلي الشتاء والربيع حينما تشد الأمطار رمال الكثبان وتزيد صلابتها فلا تنغرز فيها العجلات. يتجه "المطعّسون" أول الأمر إلى استعراض قدرات سياراتهم واختبارها على الكثبان الصغيرة والمنخفضة قرب الطلعة، ثم ينطلقون بسياراتهم على السفح بأقصى سرعة مسافة طويلة قبل أن يصطدموا بالطلعة التي تقذفهم إلى قمتها، وغالباً يفشلون في بلوغها لتعود سياراتهم القهقرى. وتشيع هذه المحاولات المتتالية التي يصل فيها عويل محركات السيارات الذي يشبه صفارات الإنذار إلى مسافات بعيدة، حالة من التمرد والطيش في صفوف المشجعين من أصحاب السيارات الصغيرة والعادية، ليبدأوا بدورهم في استعراض قدراتهم ومغامراتهم على الطريق المزفت أسفل الطلعة، أو بإقحام سياراتهم في خضم التحدي بصعود الطلعة. من جانب آخر تشكل هذه المغامرات فرصة لشركات تصنيع السيارات التي ترسل مندوبيها للاطلاع على هذه الاختبارات المجانية لأداء السيارات وقياس شعبيتها في أوساط الشباب. كما يجد المصورون بغيتهم في ألسنة الرمال المتدفقة من العجلات أو في السيارات التي تحط على قمم الكثبان العصية. أخيرا، ليس في هذه المغامرات المحسوبة وغير المحسوبة لدى هؤلاء الشباب ضير أو عيب، لولا أن معظمهم من صغار السن المعتمدين على أهلهم وأولياء أمورهم في شراء السيارة بمبالغ يتشدقون بأرقامها لكنهم لا يعون كم استغرق جمعها من جهد ووقت. أيضا لا يستطيع بعضهم فهم واستلهام وجه الشبه بين التحدي في صعود تلك الطلعة والتحدي في صعود المراحل والمستويات الدرسية والعملية. ولكن، مع عدم وجود سباقات للسيارات والدراجات النارية في السعودية، تبقى تلك المغامرات الشبابية الرملية مثيرة وممتعة بغض النظر عن كلفتها الباهظة التي يتحملها الآباء من دون أن يعلموا - ناهيك عن استمتاعهم - بالعروض المثيرة التي قام بها أبناؤهم.