مع مرور اسبوعين على بداية الغارات الأطلسية ضد يوغوسلافيا، أصبح الرأي العام الاميركي مهيئا اكثر لإحتمال نشوب حرب شاملة. وأشار استطلاع الى ان اكثر من 68 في المئة من الأميركيين يؤيدون قيام واشنطن وحلفائها الأطلسيين بشن هجوم بري لإلحاق الهزيمة بالرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش واعادة مئات الآلاف من نازحي كوسوفو الى ديارهم. وأثر في حماسة الرأي العام الأميركي دور وسائل الإعلام في نقل معاناة البان كوسوفو والشعور بفشل الضربات الجوية في إجبار ميلوشيفيتش على القبول بنشر قوات أطلسية في الإقليم، حسبما نص اتفاق رامبوييه. ولكن الرئيس الأميركي بيل كلينتون لا يزال يرفض إرسال المشاة لخوض الحرب في يوغوسلافيا. ويصر على ان الحملة الجوية التي بدأت تقصف القوات الصربية بعدما كانت تضرب البنية التحتية، ستؤدي في النهاية الى نجاح عمليات الأطلسي. وترعى الادارة الأميركية ان القصف الجوي سيؤدي الى الحاق دمار كبير بقدرات الجيش والشرطة الصربية والبنية التحتية والمنشآت الصناعية، ما يضعف سيطرة يوغوسلافيا على الاقليم. غير ان عدد المنادين بوجوب خوض حرب برية يتزايد في أروقة الكونغرس. وكان عدد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين حضوا امس على القيام بكل ما يلزم لإيقاع الهزيمة بميلوشيفيتش من أجل تجنيب اوروبا في صراعات لا تنتهي. وقال المرشح الرئاسي السيناتور الجمهوري جون ماكين في مقابلة جرت اخيراً معه، انه طالما ان الولاياتالمتحدة في حال حرب مع يوغوسلافيا، "يجب علينا أن نربحها". ووافقه في الرأي السيناتور الديموقراطي ايك سكيلتون ورأى ان الحاجة أصبحت ماسة لإرسال قوات برية. وزاد القناعة بحتمية ارسال المشاة لحسم الصراع في كوسوفو، انتقاد الكثيرين رأي وزير الدفاع الأميركي وليام كوهين الذي يقول ان تدخل الحلف برياً يتطلب أكثر من 200 ألف جندي. واعتبر المنتقدون ان هذا الرقم مبالغ فيه وان ادارة كلينتون تستعمله لإخافة الرأي العام. ورأى وليام اودوم وهو جنرال متقاعد ومسؤول سابق عن جهاز الأمن القومي ان اس اي ان الولاياتالمتحدة وحلفاءها قادرون على هزيمة يوغوسلافيا خلال اسابيع عدة باستخدامهم 50 ألف جندي. واقترح للقيام بهذه العملية فتح جبهتين: واحدة في مقدونيا والأخرى في هنغاريا التي أصبحت اخيراً عضواً في الأطلسي. وتبقى الجبهة الأساسية لهزيمة بلغراد، حسب سيناريو الجنرال، هي المنطقة ما بين الحدود الهنغارية والعاصمة الصربية. وتمتاز جغرافية المنطقة المذكورة بسهولها الزراعية وقلة عدد سكانها، ما يساعد على شن حرب مدرعات. وشدد الجنرال على أن أي قوة صربية لن تستطيع الوقوف في وجه الدبابات الأميركية المدعومة من الطائرات الحربية وهليكوبترات "اباتشي". وأعرب الجنرال اودوم عن اعتقاده ان القدرات العسكرية الأميركية متفوقة، تستطيع بكل سهولة اجتياح يوغوسلافيا عبر هذه المنطقة مشيراً الى ان المعلومات المتوفرة لديه، تدل على ان جهوزية المجندين الصرب ضعيفة، كما ان ضباط الصف لا يملكون القدرات ذاتها التي يملكها ضباط الأطلسي. اضافة الى ذلك، لا تستطيع دباباتهم ذات الطراز السوفياتي الوقوف في وجه الدبابات الأميركية الحديثة. وكتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" ان "اباتشي" ستدحر بسهولة متناهية القوات البرية الصربية. لكن أي مسؤول أميركي لم يتبن حتى الآن هذا الاقتراح الذي يبقى الاحتمال الأسرع والأقل كلفة لحسم الصراع عسكرياً. ويعاني المخطط من بعض نقاط الضعف على الصعيد السياسي. إذ من المحتمل ألا توافق هنغاريا على شن الهجوم انطلاقاً من أراضيها وان تتدخل روسيا عسكرياً عبر التهديد باستعمال صواريخها الباليستية في حال حصول مثل هذا الهجوم. ولكن يبقى الإحتمال الأكثر دموية هو نشوب حرب شوارع في بلغراد مع وصول الأطلسي الى المدينة. ومعلوم ان خوض معارك عسكرية في قلب المدن يؤدي الى وقوع ضحايا مدنيين وعسكريين كثيرين. ويأخذ المخططون العسكريون الأطلسيون والأميركيون هذه الحسابات بعين الإعتبار مع شروعهم في بناء مختلف السيناريوهات. ولكن حسبما رأى أحد المعلقين العسكريين، لا تبقى أي خطة عسكرية كما هي مع حدوث أول تماس مع العدو.