اختتم المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الافريقية دورته التاسعة والستين في العاصمة الاثيوبية، أديس ابابا، منتصف ليلة الثلثاء 23 آذار مارس الفائت، بالغياب الملحوظ لدولة اريتريا المجاورة مقابل حضور مكثف للدول الاخرى. فقد قاد ستة وثلاثون وزير خارجية وفود بلادهم، ورغم ان الدورة مخصصة اصلا للشؤون المالية والادارية الا ان المسائل السياسية فرضت نفسها بخاصة قضية الصحراء الغربية والتوتر الحدودي بين اثيوبيا واريتريا. كتب ابراهيم الضاهر: خيمت اجواء من الشكوك حول انعقاد الدورة 69 لمجلس وزراء خارجية الدول الافريقية، بعد ان تأجل انعقادها المقرر اصلاً في الاسبوع الاخير من شهر شباط فبراير الماضي نتيجة الحرب الدائرة بين اثيوبيا واريتريا على الحدود. فبعد تحديد موعد آخر في 22 و23 آذار كان متوقعاً ان ينعقد المؤتمر في نيروبي عاصمة كينيا، وجرت الاستعدادات على هذا الاساس. لكن الحكومة الاثيوبية سارعت في اعادة حركة طيرانها الوطني من نيروبي، التي انتقلت اليها مع بداية انطلاقة الحرب، كما مارست ضغوطاً للابقاء على المؤتمر في عاصمتها. ومن ناحية ثانية عممت الحكومة الاريترية رسالة الى الدول الافريقية كافة، والامانة العامة للمنظمة القارية تطلب عقد المؤتمر في بلد محايد، بخلاف اثيوبيا، اذا ما رغب الوزراء في مناقشة الصراع الحدودي بين البلدين. كما طالبت اريتريا بألا يتعرض المجلس للموضوع من بعيد او قريب. وقد تأخر افتتاح المؤتمر اكثر من ساعة، وهو افتتاح يتم لاول مرة دون مراسم رسمية، اذ لم يفتتحه اي مسؤول اثيوبي كما جرت العادة. اما لماذا تأخر الافتتاح فيعود الى خلاف حاد نشب حول رئاسة المؤتمر بين دولتين من وسط افريقيا، الغابون ورواندا، وسبب الخلاف، كما تردد في الردهات، الصحراء الغربية. فرواندا المتعاطفة مع الجمهورية العربية الصحراوية، ارادت حجب الرئاسة عن الغابون خوفا من ان تستغل وضعها على الكرسي الرئاسي لتفجير قضية عضوية الجمهورية الصحراوية في المنظمة الافريقية، ويبدو انه تم تطمين رواندا، فتنازلت عن المطالبة بالرئاسة. واصل الموضوع ان رئيس دولة بوركينافاسو، اثار في القمة الافريقية في حزيران يونيو 1998 والتي عقدت برئاسته في عاصمة بلاده واغادوغو، قضية عضوية الجمهورية الصحراوية وكيف انها الآن لا تحظى بتأييد معظم الدول الافريقية. وكان الهدف من ذلك التحرك اسقاط او تجميد عضوية الصحراوية في منظمة الوحدة الافريقية وهو تحرك محسوب على المملكة المغربية، التي كان وفد كبير منها موجوداً في العاصمة البوركانية، ويقوم باتصالات واجتماعات جانبية مع عدد من الوفود الافريقية بعيدا عن قاعة الاجتماعات. واستمر النقاش حول الصحراء الغربية لاكثر من اربع ساعات، وعبرت تسع عشرة دولة آنذاك بقيادة الجزائر عن اعتراضها على اثارة الموضوع من اصله، وتفاديا لتعميق الخلاف، ركل الرؤساء بالكرة الى ملعب الوزراء اذ طالبوهم بالنظر في الامر في الدورة الحالية. هكذا قامت السنغال بفتح القمقم فتصاعد الدخان في قاعة المؤتمر اذ دعا البعض الى طرد الجمهورية الصحراوية، وعارض آخرون فيما قال المعتدلون انه يتوجب الانتظار ودعم مساعي الاممالمتحدة الحالية الرامية لاجراء استفتاء على تقرير المصير، خاصة وان للمنظمة الافريقية ممثلاً في الصحراء الغربية ومراقبين. وحسم وفد الجزائر في النهاية النقاش عندما طالب برأي قانوني يحتكم له المؤتمر، وجاء على لسان المستشار القانوني للمنظمة ما صب الماء على النار. فقد قال ان ميثاق المنظمة لا ينص على الاقصاء او تعليق العضوية لأي سبب من الاسباب ومهما يكن، وعلاوة على ذلك لا تقترح الاحكام التي تتعلق بقبول الاعضاء الجدد حسب المادتين 4 و27، سحب العضوية بعد منحها. وبناء على ذلك ووفقا للاحكام الواردة في الميثاق المكتوب في 1963، لا يمكن طرد دولة عضو او تعليق عضويتها بعد قبولها! وربما أنهى الرأي القانوني نقاشا بيزنطيا في المجلس الوزاري، لكن الوزراء قذفوا بالكرة مجددا في ملعب الرؤساء الافارقة، فاحالوا الامر برمته اليهم، اي ان صندوق "باندورة" سيتم فتحه، واين؟ في الجزائر في 12 - 14 ايلول يوليو المقبل. فهل يعيد الرؤساء القضية الى مربع العام 1982 حين كاد قبول عضوية الجمهورية الصحراوية يعصف بالمنظمة. ففي 1981 عندما انعقدت قمة خاصة لبحث المسألة الصحراوية في العاصمة الكينية نيروبي وكانت الحرب الباردة في اوجها، اندهش الملك الحسن الثاني للهجة الرؤساء الاشتراكيين او التقدميين فألقى خطبة كانت كما خطبة الوداع، سخر فيها من مستوى القادة في افريقيا وكيف انه تدنى، وأبدى انزعاجه من اسلوب المخاطبة بين اخوة وكيف انه خلا من الكياسة واللياقة. وخرج الحسن الثاني من القاعة ولم يعد بعد ذلك المغرب الذي علّق عضويته في المنظمة لمدة عام. لكن ما حدث من انشقاق بين الدول المصنفة محافظة، والاخرى الموصوفة تقدمية، شطر القارة كتلتين. ولاول مرة في تاريخ القارة تفشل قمة وكان ذلك عام 1982 في طرابلس ليبيا لعدم توافر النصاب القانوني! وربما كان خير من عبر عن الموقف في ذلك الوقت احد الوزراء الافارقة الذي تساءل دون حرج: لماذا يصدّر العرب مشاكلهم الينا لتفرق بيننا وتشتت وحدتنا؟ وذهب الى ابعد من ذلك، عندما اشار الى ان جامعة الدول العربية، وهي المعنية الاولى بالموضوع، لم تبحث اصلا مشكلة الصحراء الغربية او تعترف بجمهوريتها. والآن وفيما رياح الصحراء تهب مجددا على القارة الافريقية، فهل تلقي بظلالها على انتخابات الامناء المساعدين الخمسة للمنظمة المتوقعة في ايلول المقبل؟ فالجزائر لها مرشح عن شمال افريقيا، والسودان له مرشح عن شرق افريقيا، وموريتانيا لها مرشح عن غرب افريقيا، فهل يتوافر الحظ ويتولى ثلاثة عرب مناصب سياسية قيادية في المنظمة الافريقية؟ هل يسمح الافارقة بهذا السيناريو؟ لقد علق ديبلوماسي كبير من غرب افريقيا، مبكرا جداً، فقال ان المنظمة الافريقية في طريقها الى التعريب اذا ما فاز العرب الثلاثة بهذه المناصب. وهو تعليق يصب في خانة القول ان الصحراء الغربية قضية صدّرها العرب الى الافارقة "فإذا جاز قبول تصدير القضايا فماذا يمنع من تصدير البشر؟!".