أحلى ما في سائق الرالي العماني حمد الوهيبي حماسته غير العادية في عبور الطريق التي اختارها لنفسه، وهو واثق من قدرته على احراز ليس فقط بطولة العالم للفئة "ن"، اي فئة السيارات المصنفة للانتاج التجاري، وانما ايضاً بطولة العالم للفئة "أ". وقد ذكر ل"الحياة" ان رياضة الراليات مكلفة جداً "احتاج الى نحو 120 ألف دولار في كل سباق، ولعدم وجود الدعم الكافي شاركت في اربعة سباقات في بطولة العالم الحالية وسأشارك في 6 اخرى وسأتخلف عن اربعة". والماء تكذب الغطاس... وحتى يثبت الوهيبي انه يحسن الغطس وان طموحه ليس ضرباً من الخيال، ها هو يتصدر بطولة العالم للفئة "ن"... ولكن كيف؟ وكيف بدأ؟ ومن الذي يموله؟ هاكم قصته: يقول حمد: "انا من مواليد مسقط عام 1968، لعبت كرة القدم في حارات العاصمة مثل اقراني، لكنني كنت متيماً بمتابعة سباقات الدراجات النارية والراليات وسيارات فورمولا واحد... عشقت منذ الصغر بطل الراليات القطري سعيد الهاجري وبطل الفورمولا واحد البرازيلي ايرتون سينا، وكنت اجمع كل ما يمكنني الحصول عليه من صحف ومجلات متخصصة... ثم بدأ كل شيء بعدما سافرت الى كاليفورنيا لدراسة ادارة الاعمال عام 1987، وكنت امضي 75 في المئة من وقتي في الدراسة و25 في المئة في سباقات الدراجات النارية". البداية في سيارة عتيقة وعاد حمد الى مسقط رأسه عام 1994 وشارك في سباقات محلية لسيارات "كارتينغ"، وبعد سنتين "شاركت في رالي الكويت بسيارة قديمة لم تصمد اكثر من 4 كلم قبل ان تلفظ انفاسها لانها انكسرت ولم اكمل المرحلة الاولى في هذه التجربة المضحكة التي اعتبرتها جس نبض ليس إلا... اما الملاح فكان صديقاً لا خبرة له في هذا الميدان. وفي تلك المناسبة تعرفت على البطلين المعروفين الاماراتي محمد بن سليم والسعودي عبدالله باخشب". وعاد حمد الى مسقط، واشترى لنفسه سيارة ميتسوبيشي "ابتعتها من الاسترالي رون كريمن بطل راليات الشرق الاوسط وشاركت بها في اول رالي رسمي لي عام 1997 وهو رالي الامارات الدولي ففزت بسباق المجموعة "ن" وحللت ثالثاً في الترتيب العام. ثم خضت جميع راليات الشرق الاوسط في ذلك العام باستثناء رالي لبنان وتوجت بطلاً للموسم بعد نهاية رالي قطر... اما الملاح فكان الايرلندي المخضرم تيري هاريمان، الذي قاد اكثر من بطل معروف الى العالمية". ويحفظ حمد التواريخ تماماً كما يحفظ الشاعر ابيات قصيدته، ويضيف: "عام 1998 انتقلت الي فريق شبه محترف وشاركت في 6 جولات من بطولة العالم مع هاريمان فجئت سادساً في البرتغال وثانياً في الارجنتين وخامساً في نيوزيلندا ولم اكمل سباق استراليا وثالثاً في بريطانيا... اما ترتيبي العام فكان خامساً مع انني تخلفت عن الاشتراك في 8 جولات". المغامرة حلوة ثم كانت المغامرة الحلوة التي يتمنى حمد ان تكلل بالنجاح "وهذا مصدر اعتزاز لي ولوطني ولكل العرب، ولذا كتبت على سيارتي عبارة "اتسابق من اجل العرب" ووضعت على خوذتي اعلام الدول العربية". ذلك ان البطل العماني انتقل هذه المرة الى فريق محترف يتبع فرع ميتسوبيشي في المانيا اسمه "Mitsubishi Rally Art"، والذي يعتبره من افضل الفرق التي تعد سيارات المجموعة "ن" للسباقات. ويرى حمد ان عام 1999 هو "عام اثبات الذات... اخترت ملاحاً شاباً هو النيوزيلندي طوني سيركومب 34 عاماً وقد رشحه لي هاريمان... لم اشارك في السباق الاول في مونتي كارلو لان سيارتي لم تكن جاهزة لكنني تمرنت على الحلبة، ومن ثم شاركت في رالي السويد على طرقات مكسوة بالجليد في تجربة فريدة لي بنسبة مئة في المئة، فجئت تاسعاً وأعد هذا انجازاً... ثم خضت رالي سفاري كينيا على طرقات صحراوية فانتزعت المركز الاول، اي في الرالي ال15 الذي اخوضه في حياتي، ولم يسبق لأحد ان حقق مثل هذه النتيجة، لذا فانه رقم قياسي عالمي من هذه الزاوية... ولم يحالفني الحظ في رالي البرتغال على طرقات غير معبدة لعطل في مضخة الوقود... ثم كان فوزي الكبير في رالي اسبانيا في كاتالونيا على طرقات اسفلتية التي لم اعرف لها مثيلاً من قبل... ليس غروراً ذكر الارقام القياسية وانما مصدر اعتزاز". المعوق! وأمام حمد في تجربته الحلوة 6 راليات اخرى في الموسم الحالي في كورسيكا والارجنتين واليونان ونيوزيلندا وفنلندا والصين من بداية الشهر المقبل حتى منتصف ايلول سبتمبر... لكنه سيتخلف عن سباقات ايطالياواسترالياوبريطانيا "لأن الموازنة الموضوعة لنا لا تغطي تكاليف الاشتراك في السباقات الاخيرة، وهذا ما يضاءل فرصتي في الفوز ببطولة العالم، واذكر هنا ان البطل الحالي تريلليس وهو من الاوروغواي سيخوض جميع السباقات وامامه فرصة اكبر من فرصتي لجمع النقاط، الى ذلك فانه خبير ويشارك في البطولة منذ 15 عاماً ولديه التمويل الكافي... اعرف ان موقفي حرج وان من واجبي الا اخرج من اي سباق من دون نقاط حتى احقق هدفي الصعب... وعليه، اقول انني في حاجة الى دعم من الشركات خصوصاً العربية منها". والدي داعمي الأول ويوضح حمد، الذي يمضي فترة طويلة من السنة بعيداً عن زوجته وطفلته "شيخة" وعاصمة بلاده "احصل على نسبة 40 في المئة من موازنتي من شركة مارلبورو ومؤسسة الزبير العمانية للسيارات واصحاب الشركة الاخيرة هم وكلاء ميتسوبيشي في عمان، واعتز جداً بصداقة احدهم وهو خالد الذي لمس امكاناتي منذ البداية... اما الذي يؤمن لي نسبة ال60 في المئة فهو والدي الذي يملك اهم سابع او ثامن مجموعة تجارية في عمان... السباق الواحد يكلف نحو 120 الف دولار لان الفريق مؤلف من مدير ومهندس ومساعد مهندس و8 ميكانيكيين ويملك 3 شاحنات لقطع الغيار والتصليحات... وفي عهدتي 3 سيارات للسباقات بحسب نوعية الطرقات ومثلها للتمارين". ويعترف حمد "تطلب الامر وقتاً طويلاً حتى اقنع والدي... سُر في النهاية لنجاحي في الدراسة ودعمني ولمس نجاحي، وانا في حاجة فعلاً الى دعم اضافي لأنني لا امثل نفسي، ومكافآت الفوز رمزية". ونسأل حمد: انت بالتالي متفرغ؟ فيجيب: "طبعاً، لان صاحب البالين كذاب". وينوي حمد الاشتراك في بطولة العالم للفئة "أ" في العام المقبل "فنياً، اعتقد بانني قادر على ذلك لكن تبقى مسألة التمويل... واذا كانت سباقاتي العشرة في الموسم الحالي ضمن الفئة "ن" ستكلف 2،1 مليون دولار فإنها ستكلف الضعف في الفئة "أ". ويبدو ان حمد يملك ارادة حديدية، ولكن ايضاً صبراً طويلاً "امامي 10 سنوات اخرى ولن اعتزل قبل سن الاربعين". ولكن قبل ذلك يأمل بأن يقود سيارة فورمولا واحد على سبيل التجربة "وسأمنح هذه الفرصة قريباً لكنني صرت كبيراً من حيث السن على هذه الفئة، وكم كنت اعشق البرازيلي الراحل ايرتون سينا". وبعد : من يلبي نداء حمد ويدعمه؟ وهو يؤكد قبل ان نختتم لقاءنا معه: "لن اقول ابداً لا حياة لمن تنادي"!