كان الفلسطينيون يأملون بأن يكون الرابع من ايار مايو المقبل، موعد انتهاءفترة سنوات الحكم الذاتي الخمس، يوم استقلالهم. لكن المفاوضات مع اسرائيل بشأن الوضع النهائي لم تبدأ بعد، ولن تنتهي بسرعة عندما تبدأ. وسيفتتح الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بعد غد الثلثاء اجتماعا لكبار المسؤولين الفلسطينيين لمناقشة ما اذا كان ينبغي اعلان الدولة في الرابع من ايار، لكنه لمح الى انه لن يتخذ خطوةاحادية الجانب. صحافية من وكالة "اسوشييتد برس" قامت بجولة في الضفة الغربية لترى مدى قرب الفلسطينيين من تحقيق هدف اقامة الدولة. من اعز مقتنيات مروان شراكة جواز سفره الفلسطيني الذي يمثل الأمل في استقلال شعبه ضمن دولة فلسطينية. ولكن ،بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي ما يزال هذا الحلم يبدو بعيد المنال. وقد دفع بائع الاثاث البالغ 42 عاما من العمر ثمنا باهظا في سعيه الى تحقيق ذلك الحلم. اذ فقد شراكة عينه اليمنى عندما اطلق عليه جنود اسرائيليون النار خلال منع للتجول في مخيم الجلزون عام 1988، في ذروة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. لقد مهدت انتفاضة السنوات الست ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي ذهب ضحيتها مئات من الفلسطينيين قتلى وآلاف آخرون جرحى برصاص جنود الاحتلال، السبيل لاتفاق الارض مقابل السلام مع اسرائيل وبدء الفلسطينيين سيرهم على الطريق نحو اقامة دولتهم. وتسيطر السلطة الفلسطينية برئاسة عرفات اليوم على ثلثى قطاع غزة وثلث الضفة الغربية. ويريد الفلسطينيون السيادة على كل الاراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 ويشعرون بإحباط لعدم تحقيق تقدم نحو تسوية نهائية مع اسرائيل. وقال عرفات إنه سيعلن دولة فلسطينية مستقلة،سواء من خلال اتفاق او من دون اتفاق، ولكن يبدو انه اذعن لضغوط من الولاياتالمتحدة واسرائيل. ومع ذلك فقد حقق الفلسطينيون تقدما نحو الاستقلال. اذ لديهم برلمان منتخب، ومطار دولي، ورمز هاتفي دولي،وجوازات سفر. ويقول شراكة مفتخرا:"لم احمل جواز سفر من قبل"، بينما يرشف قهوته في غرفة الجلوس في بيته المتواضع الذي تخفف ورود بلاستيكية زاهية الالوان على الجدران من جوه القاتم. لكن باستثناء حمله جواز السفر الاخضر اللون الذي يظهر النسر الفلسطيني على غلافه، لم يتغير شيء يستحق الذكر في حياة مروان شراكة. إذ ما زال مخيم الجلزون الذي يؤوي 7 آلاف نسمة ويمتد على 25 هكتارا تحت الحكم الاسرائيلي التام لأنه متاخم لطريق رئيسي في الضفة الغربية يستخدمه المستوطنون اليهود. يقول شراكة ان إعلان دولة مستقلة سيكون لفتة عقيمة، ويضيف: "لن تكون لي دولة الا عندما تكون لي السيطرة على المجال الجوي، والاراضي والحدود". على بعد بضعة كيلومترات الى الجنوب، في العاصمة غير الرسمية للفلسطينيين، رام الله، يسهل الى حد اكبر الحفاظ على سمات الاستقلال. اذ ترفرف اعلام بعثات ديبلوماسية اجنبية على الاسطح، وتؤوي مبان حديثة شاهقة الارتفاع مكاتب وزارات السلطة الفلسطينية. وقد غير انتعاش حركة البناء بعد الانسحاب الاسرائيلي من المدينة عام 1995 مظهر المدينة، اذ ظهرت احياء حديثة تضم بنايات فاخرة، وحل شارع رئيسي على جانبيه اشجار النخيل محل شارع كان مليئاً بالحفر. وتوجد في المدينة الآن نواد ليلية تقدم موسيقى الجاز والطعام المكسيكي. وعقد اعضاء البرلمان الفلسطيني المكون من 88 عضواً في الآونة الاخيرة جلسة خاصة في قاعة وزارة التربية والتعليم التي ما تزال مقرهم الموقت لبحث مسألة اعلان الدولة. وقلل معظمهم من اهمية التكهنات القائلة بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي المتشدد بنيامين نتانياهو سيعاد انتخابه في 17 أيار مايو المقبل اذا اعلن الفلسطينيون قيام دولتهم في الرابع من الشهر نفسه. وقال النائب صلاح التعمري رداً على ما يقال من ان الدولة الفلسطينية لن تكون قادرة على البقاء لأن اسرائيل تستطيع قطع الكهرباء والماء والبضائع عن جيوب المدن والقرى الفلسطينية: "سواء اعلنا دولة ام لا، فإن نتانياهو سيستغل الأمر ضدنا، ولذلك يجب الا نفكر في استرضائه". ولكن من المرجح ان يتجاهل عرفات تلك المشورة. اذ انه ابلغ مجلس وزرائه في الآونة الاخيرة بعد جولة واسعة قام بها ان الزعماء العالميين الذين شاورهم حضوه جميعاً على ارجاء اعلان الدولة. ويدرك عرفات مع ذلك ان التأييد الشعبي له سيتناقص اذا سمح بمرور 4 أيار من دون القيام بعمل ما، خصوصاً وانه كثيراً ما وصف هذا التاريخ بأنه "مقدس". ويبدو ان عرفات سيسمح باستمرار اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني المكوّن من 124 عضواً بالاستمرار لأيام بل لأسابيع، الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية كوسيلة للخروج من الازمة. ويستطيع عرفات، مع حلول يوم 4 أيار وانقضائه، ان يشير الى ان المجلس المركزي ما زال يناقش المسألة. لكن الزمن ليس الى جانب عرفات في الاجل الطويل اذ انه في التاسعة والستين من العمر وهو يعمل من اجل انجاز اتفاق سلام مع اسرائيل في اقرب وقت ممكن. وقد اقترح مسؤولون فلسطينيون تواريخ عديدة محتملة لاعلان الاستقلال، بما فيها بداية الألفية الثالثة. ويتساءل الفلسطينيون بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي عما اذا كانت احوالهم قد تحسنت، لكن الجواب الذي يقدمه كثيرون منهم هو ان الامور ساءت. اذ ارتفعت نسبة البطالة، وتقلص معدل الدخل الفردي بسبب عمليات الاغلاق الاسرائيلية. ويشير آخرون الى الفساد والمحسوبية في اوساط السلطة الفلسطينية. ويقول وزير الدولة نبيل عمرو ان الانجازات الفلسطينية لا يمكن عكسها وان قيام الدولة امر لا مناص منه حتى لو حصلت تأخيرات. ويضيف: "اننا نؤمن بأن عملية السلام انقذت الفلسطينيين من مستقبل قاتم".