يبدو من المرجح ان التوتر سيتصاعد خلال فترة الشهور التسعة تقريباً التي تفصلنا عن موعد اعلان دولة فلسطينية مستقلة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تعهد الرئيس ياسر عرفات في مناسبات عدة. واذا حصل هذا في اوائل ايار مايو المقبل، موعد نهاية مفاوضات السنوات الخمس التي تعثرت في عهد حكومة بنيامين نتانياهو اكثر من السابق، فسيكون هذا الاعلان الثاني للاستقلال الفلسطيني. اذ كان الاول في 15 تشرين الثاني نوفمبر 1988 في نهاية اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني برلمان المنفى في الجزائر، واستند الى قرار الاممالمتحدة لتقسيم فلسطين 1947 الى دولتين عربية ويهودية اعلن قيام ثانيتهما في 15 ايار 1948 والاولى لم تقم بعد رسمياً وفعلياً الى الآن. ثمة فوارق عدة بين اعلان الاستقلال الفلسطيني في العام 1988 في الجزائر واعلان الاستقلال المرتقب في ايار مايو 1999: الاول كان من مسافة بعيدة عن فلسطين وفي اجتماع لبرلمان المنفى، وكانت القيادة الفلسطينية، منظمة التحرير، متمركزة خارج الوطن، ولم يكن بينها وبين اسرائيل اعتراف متبادل، ولم تكن هي تسيطر او تشرف على اي شبر من الارض الفلسطينية التي كانت بأكملها تحت الاحتلال الاسرائيلي، من البحر الى النهر. كانت لغة "اعلان الاستقلال" فصيحة، انسانية، نبيلة ومؤثرة، فيها الكثير من نَفَس محمود درويش الشاعر. وفي ذلك اليوم من تشرين الثاني انهمرت دموع البعض تأثراً بكلمات بعثت الأمل في النفوس، لكنها أثارت ايضاً مزيجاً من التشاؤم والغضب الفوريين، كون القيادة الفلسطينية قد اعلنت قبولها إقامة الدولة على نحو 25 في المئة فقط من مساحة فلسطين. وكان هناك شيء من الصراع ما بين الاحلام والآمال في جهة، والوقائع القاسية على الارض في جهة اخرى. منذ اتفاق اوسلو، وبعد المصافحة بين عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين اسحق رابين، اختلفت الظروف. صارت هناك، على جزء محدود من الارض الفلسطينية، سلطة وطنية فلسطينية قيادة على الارض تدير شؤون شعبها. وبرغم ان اوصال الاراضي الفلسطينية التي يفترض ان تقوم عليها الدولة مقطّعة ومفصول بعضها عن بعض بالمستوطنات و"الطرق الالتفافية!" الاسرائيلية، الا ان المقومات العادية لدولة في القانون الدولي قائمة. بوسع القيادة الفلسطينية ان تعلن دولة فلسطين على "ارض فلسطين"، تأكيداً للحقوق القانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني في هذه الارض، من دون تحديد حدود. ذلك ان وطن الفلسطينيين معروفة حدوده قانونياً وتاريخياً منذ عصور قديمة. والادعاء الصهيوني المتعلق ب "ارض اسرائيل" هو الذي اقامت الصهيونية على اساسه دولة اسرائيل على "ارض اسرائيل" من دون اعلان حدود لهذه الدولة الى يومنا هذا. وما يعنيه هذا هو ان العدو الذي يدعي الشراكة في السلام لم يضع حدوداً لأطماعه، فلِمَ يكبل الفلسطيني نفسه، او يتنازل عن حقه، بتعيين حدود لحقوقه التاريخية والقانونية والوطنية والدينية؟ قد تستطيع اسرائيل انتزاع اشياء كثيرة من الفلسطينيين بالقوة، لكنها لا ينبغي ان تكون قادرة على الحصول على تنازل مجاني في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وينبغي في الفترة المقبلة التركيز على انتزاع، على الاقل، الممر الآمن بين الضفة وغزة، ووقف عجلة الاستيطان، وميناء غزة ومطارها، وضمان تنفيذ اسرائيل الانسحابين الثاني والثالث من الضفة الغربية، اذ من دون ذلك سيكون "الاستقلال" هزيلاً دون آمال الفلسطينيين وتضحياتهم.