تصلني كتب كثيرة مهداة من مؤلفيها، وهو تقدير اشكرهم عليه، ودائماً تشدني الكتب الابداعية خصوصاً ما كانت نصوصه ذات لغة متفردة، او تحمل رسالة ذاتية. وأتوقف عند النصوص، استقرؤها بعض ما تحمل في ثناياها من اسرار عالم صاحبها او صاحبتها. هناك نصوص تبدو غرائبية، شبه مغلقة الارتاج، ولكنها واقعية الى ابعد حد... نصوص نخبوية قد لا يفهمها الجميع كتبت بلغة انتماء خاص تمنح مفاتيح بوابة التواصل لقراء يشاركونها حق الخصوصية. وهي نصوص تتسلل عبر شغاف القلب لأنها تفتح ابواباً تحرض لغة الطلولة المحلية الجذور. اخترت منها نصين، شعري وقصصي أشارك فيها القراء. 1 - علّق الاصدقاء وجوهاً كثيرة وراحوا يغذون صوب القرى وقفت هنا العمر علّي أضاجع صمت الأثر لا البكاء يراني ولا الوجد أذكى وفاء الممر * مثلما نخلة - لا عروق بها ولا ماء من حولها شاخ في وجنتيها الثمر - تضاحك مني الشجر * وحدي أغني البيوت الفقيرة وأبكي وجوهاً كثيرة فمن لي بوجه كأمي؟ * قلت للعمر: قف لا تمر سريعاً فتفضح سرّي وقف العمر لكنني كنت شخت كثيراً * مرة قالها: اما حان ان تجمع الكلمات الكسولة كأوراق عمرك؟ - قلت: كيف رؤى؟ هل تحب الذي لا ترى منه غير الصور؟ إيه يا ولدي، رؤى اصبحت أثلة فارعة ولم تنتظرك فأغفيت محتضناً حسرتي 1 2 - "قالت لي امي لا تبعد. ستكون اليوم عريساً. سألت نفسي ببراءة: لكننا في عاشوراء. ألبستني ثوباً أبيض، ولفّت رأسي بعمامة خضراء، وقلّدتني سيفا ممروغاً بسائل احمر. اخذتني من يدي، وقادتني بين سواد وعويل. كن يرششنني بماء الورد وينثرن الحلويات حولي، وهن يصدحن بزغرداتهن العالية، وبصوت واحد: "هذا ما هو قابل نسوان يزفونه". الشمس التي زرعت وسط الصحون، كنجوم توزعت في غلس السماء، تقودني الى حيث تجلس "عروسي". اقتربت منها. كانت تكبرني بسنوات. ارتفعت صيحات الباكيات، وعلا لطمهن وعويلهن. اقتربت من عروسي وقطعت لها من قماش عمامتي، وقلت لها انتظريني خارج المأتم، وغبت... لكن الصدفة قادتني وحررتها من عباءتها. رأيت وجهها كفلقة قمر يهرب من سطوة الليل. ابتسمت وقالت لي: كنت يومها لا تستطيع القيام بالدور المطلوب. 2 * * * - القاص حسن دعبل: قصصك القصيرة ترسم الشوارع التي عرفتها طفلة بكل غبارها وأصدائها فتحييها وتنطقها وألمس عندك ارهاصات حس روائي. سيسعدني ان توالي مجموعاتك القادمة. - الشاعر محمد حبيبي: لنصوص شعرك نكهة مميزة كالملح في عين طفل، وعنوانك "انكسرت وحيداً" وحده مشحون ببلاغة تختزل حالة نفسية عامة تحاصر كل جوار المنافي السائد. ولتكن قواعد اللغة معك... لا عليك. *1 - قصيدة "أطلال" من ديوان "انكسرت وحيداً" لمحمد حبيبي *2 - قصة "قمر المآتم" من مجموعة "جمرة الضوء" لحسن دعبل