فاجأ التعديل الوزاري الذي أدخله الرئيس زين العابدين بن علي على الحكومة أول من أمس المراقبين، كونه أتى في اجواء الاعداد للانتخابات الاشتراعية والرئاسية المقررة في تشرين الأول اكتوبر المقبل. وكانت اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم عقدت دورة اجتماعات الأسبوع الماضي خصصتها للاعداد الحزبي للانتخابات بمشاركة الوزراء الثلاثة المعزولين. وشمل التعديل أربع وزارات فنية، هي البيئة والمال والتنمية الاقتصادية وأملاك الدولة، الا ان خروج محمد الجري وزير المال السابق من الحكومة ارتدى طابعاً سياسياً كونه شغل منصب مدير مكتب بن علي اكثر من ستة اعوام وكان عضواً في المكتب السياسي للحزب الحاكم قبل تعيينه وزيراً للمال في 1995. كذلك يعتبر وزير املاك الدولة مصطفى بوعزيز، الذي حل محله الأمين العام لمجلس الوزراء رضا قريرة، من أقدم الوزراء في الحكومة وهو شغل وزارة املاك الدولة منذ انشائها مطلع التسعينات، وشكل اعفاؤه مفاجأة كونه استطاع مجابهة نواب المعارضة في البرلمان خلال السنوات الاخيرة لدى طرحهم موضوع تصرف اجهزة "التجمع الدستوري" بعقارات تملكها الدولة. اما المفاجأة الثانية فهي خروج مهدي مليكة الذي تولى وزارة البيئة منذ انشائها ايضاً من التشكيلة الحكومية. وهو كان يحظى بثقة بن علي الذي كلفه تمثيله في القمة العالمية الاخيرة للبيئة. وشكل انضمام رئيسة اتحاد المرأة فائزة الكافي الى الحكومة في مكان مليكة تعزيزاً للعنصر النسائي، اذ باتت سيدتان تضطلعان بحقيبتين وزاريتين بعدما كانت وزيرة المرأة وشؤون الأسرة نزيهة زروق السيدة الوحيدة في الحكومة. ويعتبر تكليف توفيق بكار وزارة المال محل الجري "عودة للبيت" كونه اتى من وزارة المال والتخطيط السابقة التي كان أحد كوادرها قبل تقسيمها الى وزارتين منفصلتين، وهو شغل منصب وزير التنمية الاقتصادية بعد اعفاء الوزير السابق مصطفى كمال النابلي في 1995. وفسّر المراقبون نقل بكار من وزارة التنمية الاقتصادية الى المال بكونه اكثر التكنوقراط اطلاعاً على الموازنة وعلى خطة التنمية الحالية التي بدأ تنفيذها في 1997 بعدما أشرف على وضعها. كذلك شكّل تعيين رئيس مجلس ادارة "بنك التضامن الوطني" عبداللطيف صدام "عودة الى البيت" كونه عمل فترة طويلة في وزارة التخطيط والمال ثم في وزارة التنمية الاقتصادية قبل ان يكلفه بن علي برئاسة "بنك التضامن الوطني" الذي استمر يتابع شؤونه عن كثب بوصفه متخصصاً بمساعدة ابناء الفئات الشعبية على انشاء مشاريع حرفية وصناعية صغيرة. ويعتبر التعديل الوزاري الاخير الأهم منذ اكثر من عامين عندما شمل تعديل آخر وزارات عدة بينها الداخلية والخارجية والدفاع والتربية. الا ان المراقبين كانوا يتوقعون ان يستمر جميع الوزراء في مناصبهم الى ما بعد الانتخابات المقبلة التي يرجح ان يفوز فيها "الدستوري" ب80 في المئة من مقاعد مجلس النواب ويشكل الحكومة الجديدة. ولن يؤدي التعديل الوزاري الى تغييرات في قيادة الحزب كون الوزراء المغادرين ليسوا اعضاء في المكتب السياسي المؤلف من تسعة اعضاء فقط، وسيحافظون على مواقعهم في اللجنة المركزية لأن المؤتمر الاخير هو الذي اختارهم اعضاء فيها. الا ان رئاسة اتحاد المرأة ستبقى شاغرة بعد تعيين فائزة الكافي وزيرة للبيئة، ويتوقع اختيار احدى اعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد رئيسة جديدة. وكان لافتاً ان هذه هي المرة الثانية التي اسند فيها منصب وزاري لرئيس اتحاد المرأة اذ سبق ان تولت الدكتورة نزيهة مزهود حقيبة الأسرة وشؤون المرأة قبل تعيينها سفيرة في السويد مما جعل معلقين يرددون مازحين ان تولي رئاسة اتحاد المرأة بات مقدمة للتوزير. ورأى مراقبون ان التعديل رمى الى ادخال دماء جديدة للتشكيلة الحكومية التي يرأسها بن علي بوصفه يجمع دستورياً بين رئاستي الجمهورية والوزراء، واستدلوا على ذلك بكون الوزراء الجدد الثلاثة صدام والكافي وقريرة يتولون حقائب وزارية للمرة الأولى، فيما يعتبر المغادرون من أقدم الوجوه في الحكومة، اضافة الى ان انضمام وزراء شباب يؤدي الى ادخال حيوية على ادائها تساهم في تحسين صورتها لدى خوض المعركة الانتخابية في غضون أشهر.