من يخلف لوران فابيوس في وزارة الخارجية الفرنسية؟ أكدت اوساط فرنسية مختلفة ان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس سيغادر منصبه في اواخر هذا الشهر ليترأس «المجلس الفرنسي الدستوري» حيث يخلف الديغولي جان لوي دوبريه لمدة تسع سنوات، لكنه سيبقى رئيس مؤتمر التغيير المناخي COP 21 لمدة سنة. و «المجلس الدستوري» هيئة قضائية ذات سلطات متعددة منها مراقبة تطابق القانون مع الدستور، لكنها ليست فوق المحكمة العليا او محكمة التمييز. ويضم المجلس تسعة اعضاء لمدة تسع سنوات يعينهم الرئيس. ويعتبر رئيساً الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ورؤساء الجمهورية السابقون اعضاء فيه بحكم مناصبهم، فهو هيئة مرموقة يجلس فيها حالياً الرؤساء فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك الذي يتغيب بسبب المرض ونيقولا ساركوزي. وخبر انتقال فابيوس الى هذا المنصب يتم تداوله في الاوساط الفرنسية المسؤولة منذ اشهر. وكانت المعلومات تشير الى ان الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي من صلاحياته تعيين رئيس المجلس الدستوري، يريد ان يخلف دوبريه (الذي كان رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية وكان من اقرب المقربين الى الرئيس السابق جاك شيراك) شخصية لها موقع مهم في الحزب الاشتراكي. ووقع اختياره على وزير الخارجية لوران فابيوس بعد تردد كبير، كون رئيس الحكومة الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان الذي تسلم منه هولاند رئاسة الحزب قبل وصوله الى الرئاسة، عضواً في المجلس الدستوري منذ ست سنوات ويبقى له 3 سنوات لنهاية خدمته فيه، والمنافسة كانت محرجة لهولاند كون جوسبان وفابيوس خصمين في الحزب الاشتراكي وعلاقتهما ليست على ما يرام. ولكن، يظهر ان هولاند المعروف بتأخره في اخذ القرارات وأحياناً بالتراجع عنها او حتى عدم الحسم في الكثير منها على صعيد السياسة الداخلية، قرر تعيين فابيوس، ولو ان الرئيس لم يعلن عن ذلك بعد، فهو مضطر ان يقوم بذلك عبر تعديل وزاري خلال هذا الشهر (شباط - فبراير) لأن فترة دوبريه تنتهي في نهاية هذا الشهر، على ان يتم تعيين خلفه في بداية آذار (مارس). وهناك اشارات عدة الى ان فابيوس سيغادر الخارجية، وتنقل ل «الحياة» اوساط مسوؤلة مطلعة ان «الخارجية تشهد لحظة حزم الحقائب حالياً»، اي ان مجموعة العمل التي تأتي تقليدياً مع الوزير تستعد للخروج معه الى مناصب اخرى، فمدير مكتبه ألكساندر زيغلر وهو اقرب المقربين والمطلع على كل الملفات بما فيها تعيينات السفراء في الخارج، يفكر في تسلم السفارة في نيو دلهي وقد رافق هولاند الى الهند ليقرر ما اذا كان سيذهب الى هذا البلد. ومستشارة فابيوس للعالم العربي آن كلير لوجاندر (مستشرقة شابة لامعة يعرفها المسؤولون في الشرق الاوسط لكونها باستمرار الى جانب وزيرها في كل لقاءاته) موعودة بمنصب يناسب براعتها فقد تصبح قنصلاً عاماً في نيويورك، وذلك بعد ان كان رئيس مستشاري هولاند السفير جاك اوديبير عرض عليها ان تكون مستشارة للشرق الاوسط في الرئاسة خلفاً لإيمانييل بون الذي عينه هولاند وفابيوس سفيراً في لبنان، لكن فابيوس رفض التخلي عنها واعداً اياها بمنصب يتناسب مع مهارتها، وعين مستشاراً في الرئاسة للشرق الاوسط ديبلوماسي لامع آخر هو دافيد زفاخ. محيط فابيوس المباشر يستعد للخروج، والجميع في الداخل والخارج يتساءل عمن يخلفه، فهناك اسماء يتم تداولها: «تردد ان هولاند عرض المنصب على وزير المال ميشال سابان وهو من اقرب الشخصيات للرئيس وصديقه القديم، ولكن، وفق معلومات «الحياة» رفض سابان المنصب. ويتردد ان منذ خروج وزيرة العدل كريستين توبيرا من الحكومة يرى هولاند انه ينبغي البحث عن وجه نسائي في سبيل المساواة الذي يدعو اليها هولاند بين النساء والرجال في الحكومة، ومن بين الأسماء المتداولة في الاوساط المطلعة سيغولين رويال وزيرة البيئة التي هي ايضاً ام ابناء هولاند الأربعة. وأوساط الخارجية تتخوف من هذا الاحتمال لأن رويال متسلطة ولا علاقة لها بالديبلوماسيين، لكن اوساطها تزعم انها راغبة في هذا المنصب. اما الاسم الآخر الذي يتم تداوله فهو إليزابيت غيغو وهي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية ولها خبرة واسعة، خصوصاً في ملفي الشرق الاوسط وأوروبا، وعملت في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا ميتران وزيرة للشؤون الاوروبية. وهناك ايضاً اسماء نساء من بينهنّ وزيرة الصحة ماري سول تورين. وشخصيات اخرى مثل وزير الداخلية برنار كازنوف الذي نقلت عنه مصادر رغبته في تولي هذا المنصب، او وزير الخارجية السابق هوبير فيدرين الذي نقلت عنه مصادر عدة انه غير مرشح وغير طامح، علماً انه يحظى بشعبية كبرى داخل وزارة الخارجية. وتجدر الاشارة الى ان هولاند يفكر الآن في تعديل وزاري يحاول استعادة بعض الشعبية المفقودة لدى الشعب الفرنسي وخصوصاً لدى الحزب الاشتراكي، حيث اليسار في الحزب، المتمثل بالوزيرة الاشتراكية السابقة مارتين اوبري، ينتقد خياراته السياسية بقسوة. وأقصى اليسار المتمثل بحزب جان لوك ميلانشون يتهجم باستمرار على سياسته، والاحزاب البيئية والخضر اختلفت معه. لذلك يحتاج هولاند الى استقطاب كل هذه الاجنحة في اليسار قبل سنة من انتهاء رئاسته، إذ تسود قناعة لدى مراقبي الحياة السياسية الفرنسية بأنه سيترشح لولاية رئاسية جديدة في 2017. والتعديل الوزاري الذي سيطاول منصب الخارجية قد يتيح للرئيس فرصة اعطاء هذا المنصب لشخصية تقدم له المزيد من الدعم في الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية في السنة المقبلة. ولكن، يبدو انه لم يقرر بعد من هي الشخصية التي سيختارها لخلافة فابيوس. وفابيوس وهو في التاسعة والستين من عمره كان قبل توليه الخارجية يهزأ من هولاند ولا يعطيه اعتباراً كبيراً قبل ان يترشح للرئاسة. و المقربون في الحزب الاشتراكي في ايام ميتران كانوا يراهنون انه سيكون يوماً رئيساً للجمهورية، حتى اوقفت طموحاته لهذا المنصب فضيحة الدماء الملوثة التي حصلت في وزارة الصحة عندما كان رئيساً للوزراء في 1986 على رغم ان القضاء برأه منها. وفابيوس سبق ان تولى مناصب وزارية عدة، كما شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية. وعينه هولاند وزيراً للخارجية في 2012 مفاجئاً الجميع الذي كان يعرف قلة اعتباره لهولاند، الا ان وفاءه لهولاند خلال الحملة الرئاسية في 2012 جعل منه وزير خارجية ذا نفوذ واسع جداً، فتقليدياً كان الرئيس في فرنسا يهيمن على الخارجية بالسياسة والتعيينات، اما في عهد فابيوس فترك هولاند حرية كاملة لوزيره في كل الملفات. وتصرف فابيوس على هذا الاساس. فقد سلم هولاند لفابيوس وزارة التجارة الخارجية والتنمية والسياحة ورئاسة مؤتمر التغيير المناخي COP 21 التي تسبّبت بمنافسة وعداوة مع وزيرة البيئة سيغولين رويال رفيقة عمر هولاند السابقة. وفابيوس ترأس اللجنة المشتركة الفرنسية - السعودية التي يترأسها من الجانب السعودي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، علماً ان ولي ولي العهد وزير الدفاع ونظيره من الجانب الفرنسي هو جان ايف لودريان وهو من اصدقاء هولاند القدامى ووزير ناجح يحظى بشعبية كبرى، ما طرح تساؤلات حول خيار هولاند تسليم فابيوس رئاسة اللجنة الفرنسية - السعودية للاستثمارات التي أقرّت بعد زيارة هولاند السعودية بدعوة من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز. ونفوذ فابيوس ادى الى منافسة على ملفات عدة مع لودريان. وفي عدد من زيارات فابيوس الى الخارج كان هولاند يترك فابيوس يتحدث مع الصحافيين على رغم ان التقاليد الفرنسية تحظر على اي وزير أن يتكلم مع الصحافة اذا كان الرئيس موجوداً. ونظراء فابيوس من العرب الذين يعرفونه جيداً، مثل الأردني ناصر جودة، ينادونه ب «لوران»، والأميركي جون كيري ب «لوران» أيضاً ويتحدث معه بالفرنسية في حين أن فابيوس من الفرنسيين القلائل الذين يعرفون اللغة الإنكليزية بطلاقة. وينقل عنه انه اقل اهتماماً بالملف اللبناني من الرئيس هولاند المطلع بتفاصيل على الوضع في لبنان. ولو ان لفابيوس صديقاً في لبنان هو رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ويخصه باهتمام فرنسي خاص. وعلى رغم ذلك هو غير راغب في القيام بزيارات الى لبنان مثل اسلافه، لأن مشاكله تعيد نفسها فلا داعي لزيارة هذا البلد، في حين ان لو دريان زاره مرات عدة وهولاند راغب في زيارته إذا توافرت فرصة لتحرك فرنسي مفيد. ونظراء فابيوس يصفونه بأنه وزير لامع. حتى سلفه رئيس الحكومة الديغولي السابق آلان جوبيه يوافق على ذلك، في حين ان الآراء تجاهه في وزارة الخارجية متضاربة، فغالبية الدبلوماسيين لا تحب طريقة عمله المتسلطة وكبرياءه وعدم اشراكهم بالقرارات، وتفرده مع مجموعة المقربين باعماله، وهذه الغالبية تتخوف من مجيء وزير جديد يعمل بالنهج نفسه. الأيام المقبلة ستظهر الوجه الجديد او القديم الذي سيتولى الخارجية الفرنسية والملفات الدقيقة التي كانت ،لفابيوس مثل رئيسه، مواقف جيدة منها كالملف السوري والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وإذا تسلمت السيدة غيغو المنصب فلا خوف على استمرارية المواقف في هذين الملفين. اما النهج، فلكل شخص اسلوبه.