أصبح وارداً أن تستضيف الجزائر القمة المغاربية المؤجلة منذ سنوات، والأجواء التي حالت دون ذلك سابقاً تبدو في طريقها الى التبدد. وإذا استطاعت الجزائر أن تربح رهان انتخابات الرئاسة داخلياً، فإن باقي المعطيات الاقليمية يفيد أن انعقاد القمة لم يعد مستحيلاً، في ضوء التطورات الايجابية التي تشهدها منطقة شمال افريقيا، وفي مقدمها حلحلة أزمة لوكربي وانتعاش الوفاق المغربي - التونسي، وظهور بوادر مشجعة لحل نزاع الصحراء الغربية تحت مظلة الأممالمتحدة، اضافة الى تزايد الاقتناع بأن لا بديل عن الاتحاد المغاربي أمام الشركاء المعنيين. أن تكون ليبيا اختارت التوجه جنوباً نحو افريقيا، فالمسألة مرتبطة بعتاب على بلدان الجوار المغاربي والدول العربية، لكنه من قبيل غضب الأشقاء الذي يزول بسرعة. وأن تكون الجزائر انكفأت داخلياً للبحث عن توازن كان مفقوداً، فالأرجح أنها ستبحث عن متنفس طبيعي، بعد المعافاة، لن يستوعبه غير المحيط المغاربي. كذلك حال المغرب وتونس في سعيهما الى اعطاء دينامية جديدة لمحور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لأنهما أكثر اقتناعاً بأن المفاوضات الجماعية في اطار الاتحاد المغاربي تكون أجدى، في حين أن انتساب موريتانيا الى منظومة لومي لبلدان غرب افريقيا لم يحل دون ايجاد موقع لها في الخريطة المغاربية. معنى ذلك ان الخيار المغاربي لم يفقد أهميته الاستراتيجية، وحتى حين بدا ان المؤتمر الاقتصادي لشمال افريقيا والشرق الأوسط يمكن أن يدعم التكامل الأفقي بين الدول العربية، قبل أن يعتريه الجمود بسبب تداعيات تعثر عملية السلام، اختارت مصر أن تطرح آنذاك خيار الانتساب الى الاتحاد المغاربي. لكن طلب الانضمام تراجع مع افتقاد الاتحاد حيويته وفعاليته، مما يفيد ان ضرورات البناء المغاربي لا تتعارض وخيارات الانفتاح على عوالم ومحاور أخرى. وعكست عثرات الاتحاد المغاربي خلافات سياسية بين أطرافه، اذا بتها في المحيط المغاربي أفضل من الاحتماء وراءها من دون ايجاد اطار سياسي وقانوني يستوعبها. والمشكلة ان العواصم المغاربية تبحث عن شراكات أوروبية وأميركية في وقت تنعدم آفاق الشراكات بينها، وهي تدرك ان الذهاب الى أي مفاوضات في اطار مغاربي يعزز موقفها. الى وقت قريب كان يقال ان أزمة لوكربي ووضع الجزائر ورياح نزاع الصحراء عوامل أثرت في مسار الاتحاد، ويصعب الآن التذرع بأزمات لأنها باتت في طريقها الى الحل. وبمنطق أكثر تفاؤلاً فإن قيام الاتحاد المغاربي كان يختزل بوادر الحلول، والمعوّل على جزائر ما بعد انتخابات الرئاسة ان تصدر منها المبادرة، فالمجيء الى المواعيد التاريخية متأخراً احسن من عدم المجيء، والحماسة التي تطبع الموقف الجزائري من استضافة المؤتمر المقبل لمنظمة الوحدة الافريقية يفترض ان تتضاعف في حال القمة المغاربية التي أخلفت مواعيد كثيرة.