اقالة البليونير بوريس بيريزوفسكي من منصب الأمين التنفيذي لرابطة الدول المستقلة اثارت في روسيا زوبعة قد تضاهي اعصار "مونيكا" في الولاياتالمتحدة على رغم ان هذا المنصب كان ثانوياً لم يُعرف اسم شاغله قبل اسناده الى الرجل الذي لم يوفر الكتاب نعتاً الا وأطلقوه عليه، من "راسبوتين" الى "العراب" و"الكاردينال". بيريزوفسكي غدا ظاهرة في روسيا المعاصرة، اذ كوّن في غضون ثلاث سنوات ثروة تجاوزت ثلاثة بلايين دولار الموازنة السنوية لروسيا عشرون بليوناً وبات واحداً من صناع القرار حين استولى على مفاتيح الكرملين عبر علاقات وثيقة مع عائلة الرئيس بوريس يلتسن وأغدق على افراد الاسرة من اموال كان حصل عليها عبر صلاته مع الأسرة ذاتها، وفي الوقت نفسه اكتشفت في مؤسسات يملكها تسجيلات لمكالمات هاتفية بين اعضاء "المطبخ" ذكر انها كانت اداة استخدمت فترة طويلة للضغط على المرجع الرئاسي ومنع اي تغيير في المعادلة. لكن التغيير حصل فعلاً حين تمرد البرلمان على محاولة يلتسن، التي كان وراءها بيريزوفسكي، اعادة تنصيب فيكتور تشيرنوميردين رئيساً للحكومة اثر سقوط وزارة سيرغي كيريينكو مع انهيار الوضع المالي والاقتصادي صيف العام الماضي. ولم يسكت البليونير على هذا "التحدي" فبدأ يعمل، خفية ثم جهاراً، لاسقاط الحكومة متجاوزاً بذلك صلاحياته كسكرتير للكومنولث. وأحرجت هذه الحملة رئيس الدولة الذي صار بين نارين، فهو لا يريد ان يفرط باحدى اقوى ركائزه لكن السكوت على الهجوم الضاري على الحكومة يعني التواطؤ ضدها. والارجح ان يلجأ يلتسن، كعادته، الى اسلوب "التعادل" بانزال ضربة على الجناح اليساري بعدما قص جناح اليمين. ومن المحتمل انه يقيل احد نواب رئيس الوزراء يفغيني بريماكوف، الشيوعي يوري ماسليوكوف او عضو الحزب الزراعي غينادي كوليك. لكن مثل هذه الخطوة قد يؤدي الى تقويض مواقع رئيس الوزراء وزعزعة الحكومة التي ستفقد غطاء تؤمنه الغالبية اليسارية في البرلمان. وأثار قرار يلتسن الذي اتخذ من دون استشارة رؤساء الدول الاخرى في الكومنولث، استياء وتذمراً من عودة اساليب الحكم "المركزي". لكن التعامل مع هذا القرار سيكون محكاً لقياس مدى هيبة روسيا لدى الدول "الشقيقة" التي اخذ عدد منها يبتعد عن موسكو، ويغذ الخطى في اتجاه الغرب بمباركة سكرتير الكومنولث السابق. وأياً تكن النتائج التي ستترتب على اقالة بيريزوفسكي فان غيابه عن المسرح قد يصبح بداية النهاية لعصر "خصخصة" السياسة الروسية وحصرها في ايدي افراد قد تكون ميزتهم الوحيدة البراعة في الدسائس. وإن حصل ذلك ستضع روسيا الخطوة الأولى على طريق عصر المؤسسات والديموقراطية الحقيقية، اذا لم تنفجر على هذا الطريق الغام جديدة