بركان الفضائح في روسيا ظهرت بوادر انفجاره بحملة تحريات واعتقالات شملت وزير العدل السابق فالنتين كوفاليوف وعدداً من الشخصيات المرتبطة ب "الكاردينال" بوريس بيريزوفسكي الذي غدا اسمه على لائحة الرؤوس التي "حان وقت قطافها"، إثر اعلانه حرباً على رئيس الوزراء يفغيني بريماكوف. وطوال السنوات الأخيرة بات تفشي الاجرام خصوصاً في الميدان الاقتصادي ظاهرة "عادية" لا تنكرها السلطة أو الشارع، إلا أن أياً من كبار المسؤولين المتورطين بالفضائح لم يمثل أمام القضاء مما دفع كثيرين الى الحديث عن "تضامن وتكافل" في قمة الهرم السلطوي. وعند تسلم بريماكوف رئاسة الحكومة وجه أول "انذار" للضالعين في عمليات النهب، لكن "المطلوبين" ظلوا في منأى عن القضاء وأجهزة الأمن، لاحتمائهم بمظلة سياسية. وأدار رئيس الوزراء اللعبة بحذر، لكنه فقد صبره حين أطلقت عليه النار وسائل الاعلام وبينها "او. آر. تي" التي تملك الدولة 51 في المئة من اسهمها ويديرها البليونير بيريزوفسكي. وأكدت هذه القناة التي تبث ل 150 مليون مشاهد ان "زوجة" بريماكوف، تاتيانا انودينا هي رئيسة اللجنة الموحدة للطيران في الكومنولث وبالتالي فهي قناة عبرها يحصل رئيس الوزراء على "عائدات". واتضح ان لزوجة بريماكوف اسماً آخر، لكنه آثر ألا يرد مباشرة، بل تحركت في اليوم التالي وحدات خاصة تابعة لوزارة الأمن لتجري تحريات واسعة في شركة "سيبنفط" ومؤسسة "اتول" الأمنية وغيرهما من الشركات التي يملكها بيريزوفسكي. وأكد مسؤولو الأمن انهم "عثروا على ضالتهم" ووجدوا تسجيلات تثبت تورط هذه الهياكل الأمنية - الاقتصادية - السياسية برصد لمكالمات أفراد عائلة رئيس الدولة. وبعد ساعة على بدء التحريات اعلنت استقالة رئيس النيابة العامة يوري سكوراتوف من دون توضيح الأسباب. لكن زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف ذكر ان ابنة يلتسن الصغرى تاتيانا "هرعت فوراً الى الكرملين ومعها بيريزوفسكي لقطع رأس اخر سكوراتوف". معروف ان البليونير اليهودي أقام صلات وثيقة مع عائلة الرئيس، وصار أحد أهم ممولي الحملة الانتخابية ليلتسن، وطالب بعدها ب "حصة" في السلطة، وعين نائباً لسكرتير مجلس الأمن القومي، لكنه فقد منصبه بعد ازدياد الاحتجاجات على الدور الذي يلعبه في الدولة الروسية خلف كواليس السياسة، على رغم انه يحمل الجنسية الاسرائيلية. واستعرت الحرب باقصاء عدد من رجال بيريزوفسكي من مجلس مديري شركة "اروفلوت" للطيران التي يرأسها فاليري اكولوف صهر يلتسن، ودهم عدد من المؤسسات المتعاملة مع الشركة. وعلى رغم تعتيم المحققين على النتائج، فإن انباء تسربت الى الصحف تفيد ان بيريزوفسكي أسس شركة في سويسرا وألزم "اروفلوت" تحويل 80 في المئة من عائدات بيع التذاكر في الخارج اليها، مما أثار احتجاج اكولوف وانضمامه الى فريق بريماكوف ليصبح عدواً لأخت زوجته المتحالفة مع بيريزوفسكي. ومن أجل الصمود في موقعه يستخدم بيريزوفسكي كل ما يملك: المال وامبراطورية الاعلام وصلاته مع جزء من "العائلة"، ونفوذه لدى عدد من هيئات الأمن وغالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية. وكانت مجلة "فوربس" قدرت ثروة بيريزوفسكي بثلاثة بلايين دولار، وذكر انها انكمشت خلال سنة الى النصف تقريباً، ربما بسبب اضطرار البليونير الى سد ثغرات سياسية وقانونية برقع مالية. لكن "طق الحنك" مع بريماكوف لا يمكن ان ينتهي بمصالحة، فكل من الطرفين يريد الوصول الى نهاية الشوط واسقاط الخصم. وبات اعتقال وزير العدل السابق الذي فقد منصبه بعد نشر صوره عارياً مع "فراشات ليل" مؤشراً آخر الى ان الحكومة مصممة على تنفيذ حملة الاعتقالات الواسعة التي أشار اليها بريماكوف حين دعا الى اصدار عفو جزئي عن السجناء و"اخلاء أماكن" يمكن أن يشغلها المتورطون بجرائم اقتصادية.