مرحلة التسعينات قد تدخل تاريخ روسيا بوصفها عهد فقاعات الصابون التي بدأت الآن تنفجر وتتلاشى. اذ أظهر الافلاس المالي للدولة الروسية الصيف الماضي ان ما يسمى الاصلاحات كان ديكوراً انهار خلال إغماضة عين دافناً تحت ركامه الصناعة الوطنية والهياكل الاقتصادية. قبلها سقطت "الديموقراطية" مجندلة بقنابل اطلقت على البرلمان، وبدستور ينصب رئيس الدولة امبراطوراً. واتضح ان الرأسمالية التي ادعى المصلحون بناءها ليست سوى مرتع للإجرام ونهب أموال الدولة والناس. وتنفجر اليوم فقاعة اسمها فئة "الأوليغاشيا" أو اساطين المال المرتبطين بالسلطة، ورمزهم الأبرز البليونير بوريس بيريزوفسكي الذي غدا نسخة معدلة عن غريغوري راسبوتين، النصاب الذي انتحل صفة القديس وصار متنفذاً في عائلة القيصر نيقولاي الثاني، بل بات الحاكم الفعلي لروسيا حتى ألقيت جثته في مياه نهر الفيفا بعدما قتله عدد من النبلاء غيرة على مصالح الدولة. في غضون سنوات قليلة كون بيريزوفسكي ثروة طائلة، لكنه لم يخلق "عملاً" فعلياً، وهو كان يصنع المال من الهواء مستغلاً عملية الخصخصة. اشترى مثلاً عُشر الامبراطورية التلفزيونية "أو.آر.تي" بپ320 ألف دولار في حين ان مردودها الشهري من الإعلان يصل الى 15 مليوناً، الأخطر من ذلك ان البليونير اليهودي الذي صار سكرتيراً لرابطة الدول المستقلة، استثمر صلاته الوثيقة بعائلة بوريس يلتسن، بخاصة ابنة الرئيس ومستشارته تاتيانا، ليصبح واحداً من أهم صناع القرار. وحين أطاحت أزمة آب اغسطس حكومة سيرغي كيريينكو أعلن "صانع الوزارات" ان روسيا لن تقبل بديلاً سوى فيكتور تشيرنوميردين، لكن سهمه انحرف هذه المرة، وفشلت مساعيه بإسناد المنصب الى يفغيني بريماكوف الذي بات رمزاً للوفاق السياسي والاستقرار النسبي، في حين ان لاعبين مثل بيريزوفسكي لا تظهر "مهاراتهم" الا عند اضطرام النار. وإن لم تكن ثمة نار فلا بد من تأجيجها، وهكذا فعل صاحب الثروة امبراطور الاعلام، فبدأ حملة شعواء على رئيس الحكومة مؤكداً ان "سلفة الثقة" بها انتهت ولا بد لها من الرحيل. لكن الخصم التقط القفاز وقبل التحدي، وبدأ بريماكوف هجومه المضاد على شركات بيريزوفسكي، وبيّنت التحريات الأولى ان روائح الفساد المالي قوية، والأخطر انها برهنت على وجود تسجيلات لمكالمات هاتفية بين أفراد عائلة الرئيس، تصلح تماماً لممارسة الابتزاز، في حال التحرك ضد راسبوتين الجديد. لكن بيريزوفسكي الذي ارتكب الخطأ القاتل ب "مناطحة" بريماكوف، السياسي المخضرم والخبير المحنك في لعبة الكواليس، لن يستسلم بسهولة بخاصة انه سيفقد في هذه اللعبة المال والسلطة معاً. لذلك، فإن انفجار فقاعة الصابون "الاوليغارشية" ربما لن يمر بسلام، والصراع لم يحسم بعد، والوحش الجريح أكثر خطراً.