غسان تويني تحقيق وتقديم فارس ساسين . 1982 عام الاجتياح. دار النهار للنشر، بيروت. 1998. 475 صفحة لعل الأهمية الأولى لكتاب غسان تويني "عام الاجتياح" انه سعى الى توثيق معظم الاطر الدولية القانونية المتعلقة باحداث ذلك العام. والمعروف ان تلك الاحداث طاولت أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية وسورية. أما الأهمية الثانية لهذا الكتاب فتتمثل في مضمونه التوثيقي الذي ذكر جميع القرارات الدولية والتقارير والتصريحات المتعلقة بهذا الصدد. هذا بالاضافة الى السياق العام للكتاب والذي ركّز على النصوص الحرفية للبرقيات والمراسلات الديبلوماسية المتعاقبة والقرارات الدولية وبعض التقارير الصادرة بصددها. وأهميته الثالثة انه سعى الى معالجة الشأن اللبناني في اطاريه الاقليمي والدولي وذلك وفقاً لمعادلة أصر تويني على اعتمادها وهي "عدم تخيير العرب بيننا وبين الفلسطينيين وعدم تخيير اميركا بيننا وبين العرب". وهنا لا بد من الملاحظات التالية: 1- جاء كتاب "1982- عام الاجتياح" تلبية مناسبة لحاجة بحثية تستند الى مجريات الاحداث التي رافقها مجلس الامن واصدر بصددها القرارات الدولية المناسبة. والافادة هنا لا تقتصر على السياق العام للبرقيات الصادرة وحسب وانما على بعض البرقيات الواردة وعلى الوثائق التي تضمنها الكتاب في ملاحقه. 2- أطلق الكتاب سؤالاً أساسياً يتمحور حول إمكانية فصل القضية اللبنانية عن التسوية الشرق الاوسطية الشاملة. الا انه أظهر ان مثل هذا الفصل لم يكن ممكناً. ولعله غير ممكن الآن ايضاً لأسباب سياسية واقليمية ودولية لا تزال قائمة حتى الساعة. 3- أظهر الكتاب عدداً من المسائل التي حالت دون تفعيل القرارات الدولية التي قضت بالانسحاب الاسرائيلي من لبنان في سياق تشابك أو تعارض في المصلحتين اللبنانية - اللبنانية أو اللبنانية - الفلسطينية. فاللبنانيون آنذاك منقسمون بين تفعيل للآليات الدولية أو تعطيل لها" والفلسطينيون مهتمون بتحقيق بعض المكاسب عشية، أو في مقابل، انسحاب مسلحيهم من لبنان. ولعل الظروف التي رافقت القرار 509 وأعقبته عكست هذا التعارض الذي طاول موقفي الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي ايضاً. 4- يمكن للقارئ ان يستنتج في سياق بعض البرقيات الواردة ان الديبلوماسية اللبنانية في أروقة الاممالمتحدة كانت اكثر حماسة واندفاعاً باتجاه استصدار القرارات وتنفيذها من وزارة الخارجية اللبنانية. فالوزارة كانت مرتبطة، في الواقع، باطارين اثنين: الاول يتدارسه مجلس الوزراء بحيث يحرص على عدم الاصطدام الرسمي مع ديبلوماسيات اخرى أو عدم تفاقم التباين السياسي اللبناني - اللبناني. اما الاطار الثاني الذي كان يعقل الديبلوماسية المركزية فكان يتمثل في ضرورة اعطاء الفرصة الكاملة للمندوب الاميركي فيليب حبيب. وقد أثار هذا التريث والارباك احياناً الذي اعتمدته وزارة الخارجية اللبنانية انتقاد تويني نفسه وتساؤل الامين العام للأمم المتحدة الذي صرّح بأن مجلس الأمن "لا يمكنه ان يبقى غير متحرك وبعيداً عن الازمة كأنه نفض يده منها...". 5 - يشير الكتاب الى اهمية القرار 509 الصادر بتاريخ 8/6/1982 وذلك: أ لأن الادارة الاميركية تحمّست لاصدار هذا القرار بعد ان استاءت من التصرف الاسرائىلي الذي حصل من دون موافقتها" فأرادت القرار تعبيراً عن استيائها. ب - لأن القرار أشار للمرة الأولى إلى أن الانسحاب غير مشروط من كامل الاراضي اللبنانية. وجاء بالتالي توكيداً اضافياً للقرار 425. ج - لأن الديبلوماسية اللبنانية حرصت، بمناسبة صدور القرار، على توكيد اتفاقية الهدنة ونفاذها القانوني. 6- يؤكد تويني في صدد القرار 520 الصادر عن مجلس الامن بتاريخ 17/9/1982 انه "انتزعنا، بعد صعاب تدركونها، تأكيداً لانسحاب جميع القوات غير اللبنانية من الاراضي اللبنانية" وانه نسّق مع البعثة الاميركية لأنه مقتنع بپ"ان اميركا كانت بحاجة الى قرار قوي تظهر فيه غضبها على اسرائيل...". ولكن من يقرأ القرار 520 يلاحظ: أ- ان هذا القرار يشكل حلقة من سلسلة قرارات اخرى عديدة سبقته وقد ذكرها كحيثيات لاحكامه. ب- انه لم يطلب "انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من الاراضي اللبنانية"، وانما جاءت الفقرة في مقدمة القرار لتتضمن أن مجلس الأمن "آخذاً العلم بتصميم لبنان على تأمين انسحاب كل القوات غير اللبنانية من أراضيه". وهناك فرق كبير بين ما "يأخذ المجلس علماً" وبين ما يطلب مباشرة التزام هذه الانسحابات في فقراته الحكمية. ج - ان عنصر القوة الوارد في القرار هو في توكيده على "سلطة الحكومة اللبنانية وحدها دون سواها". ويمكن لهذا البند ان يوظف مباشرة لدى البحث باي انسحاب ممكن. 7 - أما في ما يتعلق بالسياق العام لكتاب "1982 - عام الاجتياح" فإن من الملاحظ: أ - ان الفترة الزمنية التي انتهى اليها الكتاب هي 20/9/1982 وذلك لاضطرار السفير تويني الى مغادرة مقر عمله بعد تقديم استقالته وفقاً للأصول. ولكن الاحداث الكبرى التي حصلت، في الواقع، كانت متزامنة مع هذه الفترة وما بعدها. فالكتاب أفرد الصفحتين الاخيرتين فقط للقرار 520 والقرار 521 المتعلق بمذبحة صبرا وشاتيلا. هذا مع العلم انه أشار في الفقرة الاخيرة الى موافقة مجلس الوزراء اللبناني على استقدام قوات متعددة الجنسية. وكان من الضروري ان تحظى هذه الاحداث الثلاثة الكبرى 520 و521 والقوات المتعددة بحيّز معقول من الشرح نظراً لما ترتب ولا يزال يترتب عليها من جدل سياسي قائم. ب - كان من المنتظر تداركاً لكتاب تويني: "القرار 425" الذي لم يشر الى البرقيات الواردة ان يشير هذا الكتاب الى البرقيات الواردة. فالذي يُلاحظ ان عدداً من الاسئلة التي تضمنتها البرقيات الصادرة لم يمكّن القارىء من التعرف على أجوبتها لان الكتاب لا يورد البرقيات الواردة ايضاً. فالبرقية الرقم 226 تاريخ 2/6/1982 - أي عشية الاجتياح الاسرائىلي - مثلاً، طلبت من وزارة الخارجية اعداد مطالعة قانونية لدفع الذرائع الاسرائىلية التي كانت تبريراً مسبقاً للاجتياح. ولا ندري، من خلال الكتاب ما اذا كانت هذه المطالعة قد أعدت فعلاً لان الكتاب لا يشير الى ذلك. والواقع ان الحكم لمصلحة الديبلوماسية اللبنانية أو عليها لا يمكن ان يكتفي بجانب واحد من دون ان يتأكد من التكامل الديبلوماسي الذي يتناول نشاط الوزارة ذاتها. ج - يشير الكتاب الى زيارة الجنرال الاسرائىلي شارون إلى الولاياتالمتحدة - في البرقية الرقم 208 تاريخ 18/5/1982، ويطلب توجيهات الوزارة بصدد الاسراع في استباق الامور واتخاذ موقف علني وصريح من احتمالات الهجوم على لبنان، والكتاب لم يوضح الرد على هذا السؤال، لكن بعض المصادر يشير إلى ان شارون، آنذاك، استطاع ان يحصل على موافقة أميركية باجتياح لبنان ولكن بشكل مشروط. وقد تولى وزير الخارجية الاميركي آنذاك ألكسندر هايغ توفير التغطية اللازمة لذلك الهجوم ولكن في اطار "عملية جراحية سريعة ونظيفة". وعلى هذا الاساس لا يستطيع الكتاب ان يعتبر "ان واشنطن لا تريد الهجوم بأي شكل وتخاف من عواقبه". وعلى هذا الاساس ايضاً كانت المعاناة اللبنانية المزدوجة وكان الاجتياح الاسرائىلي للعام 1982. أما المندوب الاميركي آنذاك فكان يبذل مساعيه لترحيل الفلسطينيين المسلحين وضبط القيادة او النظام السياسي اللبناني في عهده الجديد الذي أملت اسرائيل باستدراجه الى معاهدة ثنائية، كما أملت الادارة الاميركية باستدراجه الى مظلة أميركية واقية. ولكن الظروف التي تواصلت في حدتها المعروفة قلبت المقاييس كلها، وانتقل الاهتمام معها الى الرهان على القوات المتعددة الجنسية بدلاً من القوات أو المراقبين الدوليين المقترحين. ويبقى، مع ذلك، كتاب "1982 عام الاجتياح" مرجعاً أساسياً ومباشراً لذلك العام بقدر ارتباط المسألة اللبنانية بالأطر الدولية القانونية. ويبقى كذلك تعذّر فصل المسألة اللبنانية عن اطارها الشرق الاوسطي القائم