واصلت مقاتلات حلف شمال الأطلسي شن عمليات القصف المكثف ضد القوات الصربية التي تحتل الاقليم وتنشر الرعب في صفوف السكان المدنيين وتحرق القرى لتشريد أهلها. وبينما قللت أوساط الحلف من قدرة الوساطة الروسية وتأثيرها على الرئيس اليوغوسلافي، أكد الناطق باسم القيادة العليا للحلفاء العميد ديفيد ويلبي أن قوات الجيش ووحدات الأمن الصربية "تواصل أعمال التطهير العرقي". وقال زميله في الحلف الدكتور جيمي شيا إن الرئيس اليوغوسلافي بدأ خطة تفريغ الاقليم طوال أسابيع المفاوضات التي احتضنتها رامبوييه وباريس. وحدد الحلف السقف السياسي الذي يمكن أن يقبله لوقف حملة القصف الجارية منذ يوم الأربعاء الماضي، واشترط "وقف العنف الذي تنفذه القوات الصربية وعودتها إلى ثكناتها وقبول بلغراد مقتضيات اتفاق باريس". إلا أن خبراء شؤون منطقة البلقان يعتقدون ان اتفاق رامبوييه - باريس قد يكون دخل طي النسيان، لأن الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش "خلق واقعاً جديداً في الميدان، وقد يعود إلى طاولة المفاوضات بعد أن تستكمل قواته افراغ الجزء الأكبر من اقليم كوسوفو، وتشريد السكان الألبان، خصوصاً من المنطقة الشمالية من الأقليم، لأنها تختزن مناجم مهمة وكذلك من العاصمة بريشتينا وغرب الاقليم حيث تتكثف الكنائس". وتحدث الناطق الرسمي باسم حلف شمال الأطلسي الدكتور جيمي شيا ظهر أمس عن "كارثة إنسانية". وأوضح أن عدد اللاجئين قدر في الأيام الماضية بمئة ألف في البانيا وسيرتفع حسب آخر التقديرات إلى 150 ألفاً. كما قدرت الهيئات الدولية وصول 22500 لاجئ إلى مقدونيا و42500 إلى جمهورية الجبل الأسود، فيما بدا أنه الجزء الأخير من استراتيجية التطهير العرقي التي تنفذها قوات الرئيس اليوغوسلافي لقلب المعطيات الديموغرافية في الاقليم من جهة، وزعزعة استقرار البلدان المجاورة، من جهة ثانية. وقال العميد ديفيد ويلبي ان القوات الصربية "تقصف اللاجئين الذين تجمعوا في وادي باغراروسا" الواقع وسط اقليم كوسوفو. وقدرت مصادر غربية عددهم بنحو 50 ألفاً. وأوضح مصدر في الحلف أن القوات الصربية تستخدم المدفعية والدبابات لقصف اللاجئين في الوادي لتشريدهم نحو الحدود مع البلدان المجاورة. العمليات العسكرية وعلى صعيد العمليات العسكرية، كثفت المقاتلات الأطلسية هجماتها ضد مواقع ومستودعات قوات الجيش اليوغوسلافي ووحدات الأمن. ونفى العميد ديفيد ويلبي أنباء تحدثت عن سقوط طائرة "هاريير" بريطانية في أرض جمهورية الجبل الأسود. وقال عميد سلاح الجو إن عمليات القصف أصابت في الأربع والعشرين الساعة الماضية، ثكنات ومخازن أسلحة القوات الصربية في ضواحي بلغراد وفي مدينة تيتوفو الواقعة جنوب غربي العاصمة اليوغوسلافية. وزاد ان القوات الصربية "لا تزال تمتلك أنظمة دفاعية معقدة". كما تكثف المقاتلات الأطلسية عملياتها داخل اقليم كوسوفو، ويتوقع ان يستخدم الحلفاء مزيداً من المقاتلات لتدمير الأسلحة الثقيلة الصربية في كوسوفو. وقال مصدر مسؤول في الحلف إلى "الحياة" إن الحملة تنفذ "بشكل تدرجي وستبرز فوائدها في الميدان في غضون أيام". وأوضح لپ"الحياة" أن الحلف أصاب حتى الآن ست مقاتلات يوغوسلافية من طراز "ميغ - 29" من أصل 16 مقاتلة تمتلكها يوغوسلافيا، بالإضافة إلى عشرات من المقاتلات الأخرى السوفياتية الصنع. كما أصابت الحملة الجوية عدداً من منصات صواريخ "سام" ومحطات الرادارات التي تحتاجها الدفاعات الجوية. وبدأت مقاتلات الحلفاء في اليومين الماضيين شن هجمات مكثفة ليلاً ونهاراً ضد مراكز القيادة وتجمعات القوى الصربية ومستودعات الذخيرة داخل اقليم كوسوفو وفي جنوب صربيا. وأضاف المصدر ان يوغوسلافيا لم تستنفد سلاحها الجوي. ورأى أن القيادة العسكرية اليوغوسلافية تعلم "السيطرة الجوية التي يحكمها الحلف على مدار الساعة وقدرته على إصابة كافة المحطات التي يتم تشغيلها واسقاط الطائرات الصربية بعد لحظات من اقلاعها". وتقتضي خطة القصف المكثف ضد الأسلحة الثقيلة والأهداف العسكرية الصربية المتحركة داخل اقليم كوسوفو، تعبئة أسراب مهمة من الطائرات المتخصصة في عمليات قنص الدبابات والمدفعية ومضاعفة طلعاتها الجديدة وتنفيذ عمليات القنص ليلاً ونهاراً للتعجيل في تدمير القدرات الصربية "قبل فوات الاوان". ويمتلك الحلف عدداً كافياً من الطائرات المتخصصة في استهداف الأسلحة الثقيلة، إلا أن تنفيذ مهماتها تفترض التحليق على علو منخفض، وبالتالي المخاطرة بسقوط طياري الحلفاء. ولم يستبعد المصدر نفسه ان يكون الحلف أعد كافة السيناريوهات اللازمة ضمن التخطيط العسكري، منها احتمال نشر قوات برية لمواجهة القوات الصربية. إلا أن تقدم الصرب في تنفيذ حملات التطهير العرقي سيضاعف صعوبات نشر القوات البرية، هذا علاوة عن طول الفترة التي تقتضيها عمليات تجميع القوات. ويقدر الخبراء ان تدخل قوات برية أطلسية يتطلب بين 150 و200 ألف جندي، وما لا يقل عن ستة أسابيع لنشرهم في الميدان. البنتاغون واعلن الناطق باسم البنتاغون كينيث بيكون ان البنتاغون عزز قاذفاته في المواجهة الدائرة مع يوغوسلافيا بارسال 5 طائرات قاذفة ثقيلة من طراز "بي - 1ب لانسر"، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، الى قاعدة لم يُكشف اسمها اقرب الى البلقان، بالاضافة الى اربع طائرات اخرى مزودة صواريخ من طراز "بي -52" وخمس طائرات من طراز "إي أي -6بي براولر" متخصصة في ضرب الدفاعات الجوية. كما اُرسلت الى المنطقة 10 طائرات اضافية مجهزة بخزانات لتزويد الوقود في الجو. واوضح بيكون ان حلف الاطلسي حوّل تركيزه من الدفاعات الجوية ومواقع القيادة والسيطرة الاستراتيجية الى القوات المسلحة ومواقع الاسناد داخل كوسوفو وحولها، لكن الوحدات الميدانية الفعلية لم تُضرب بعد، باستثناء رتل من العربات. وقال ان "تأثير قطع الامدادات وتدمير منشآت الذخيرة وامدادات الوقود لا يظهر فوراً وقد يستغرق بعض الوقت ... هاجمنا ثكنات ومراكز قيادة في عدد من الاماكن في كوسوفو وحولها، لكن هذا لا يشمل مهاجمة دبابات وقطع مدفعية منفردة. سيحتاج هذا الى بعض الوقت وطقس أفضل مما هي الحال الآن". وذكر ان حلف الاطلسي يأمل بأن يشرع بشن مثل هذه الهجمات "بأسرع ما يمكن"، خصوصاً مع تدفق اللاجئين والتقارير عن ارتكاب مذابح بحق البان كوسوفو من قبل القوات والميليشيات الصربية. واعترف بيكون بأن الصرب لا يمثلون اهدافاً سهلة، فضلاً عن التضاريس الجبلية الصعبة ورداءة الطقس. واشار الى ان "القوات والشرطة الخاصة تنتشر في ارجاء المنطقة. انهم يهاجمون القرى من اتجاهات مختلفة وفي مجموعات صغيرة ... وهذا عامل يضفي تعقيداً". واستبعد بيكون تماماً احتمال زج قوات برية قبل قبول بلغراد بخطة سلام. وقال انه حتى في حال وجود مثل هذا القرار، وهو غير موجود، فإن تنظيم قوة كهذه سيستغرق اسابيع. واضاف ان تقديرات حلف الاطلسي تشير الى انه سيحتاج الى حوالي 200 الف جندي لغزو كوسوفو واحتلالها، ما يجعل مثل هذا السيناريو مستبعداً.